السبت، 20 أغسطس 2016

قراءة في فقه الجهاد للعلامة الدكتور يوسف القرضاوي

  •  قراءة في كتاب فقه الجهاد للإمام العلامة الدكتور يوسف القرضاوي
  
إعداد
د. رجب أبومليح محمد
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة جامعة الإنسانية ماليزيا
وكيل العميد للدراسات العليا والبحث العلمي(سابقا)














   
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

   عندما صدر كتاب الجهاد لفضيلة الشيخ المجاهد العلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي - أمد الله في عمره وأصلح عمله – طلب مني موقع (إسلام أون لاين) - وكنت أعمل مستشارا شرعيا له فيما يخص جانب الفتوى والقضايا الشرعية - أن أقدم الكتاب لجمهور القرّاء على (الانترنت)، ذلكم الجمهور الذي لا يصبر كثيرٌ منه على قراءة المطولات المبسوطة، ولا المجلدات الضخمة ، وكان التفكير في عرض ذلك في مقالة أو مقالتين .
  ولكن بعد قراءة الكتاب ، والجلوس مع فضيلة الشيخ جِلسة جمعت بعض العاملين في موقع إسلام أون لاين لمعرفة القضايا الأهم في الكتاب، - وإن كان كل ما في الكتاب هاما وشيقا -  رأينا ألا نحرم القاريء من معظم القضايا التي طرحها الشيخ في الكتاب ، وامتد العمل لأكثر من إحدى عشر مقالة طويلة نشرت عبر نافذة إسلام أون لاين ، ونشرت أيضا في موقع فضيلة الشيخ القرضاوي ، ثم ترجمت هذه المقالات إلى اللغة الانجليزية  ونشرت عبر موقع (إسلام أون لاين) باللغة الانجليزية، وترجمت إلى اللغة المالوية ، وقد قام بالترجمة الزميل النابه الأستاذ فواز بن فاضل نور.
  وها أنا أقوم باختصار المختصر، وهي مسألة في غاية الصعوبة ، أحاول فيها التركيز على أهم المهم في هذا الكتاب النافع الممتع ، لأقدمه بمناسبة صدور الكتاب التذكاري بمناسبة بلوغ الشيخ التسعين عاما، نسأل الله له طول العمر وصلاح العمل .
 وهذا الجهد لا يغني أبدا عن الرجوع إلى الكتاب نفسه ، لكنها قراءة تقف عند أهم القضايا من وجهة نظرنا ، وهذه سنة العلماء القدامى من قبلنا  كانوا  يكتبون الكتب الطوال ثم يقومون باختصارها، او يقوم تلامذتهم باختصارها لتعمَّ بها الفائدة .
وقد قسمت هذه الدراسة إلى تمهيد وعشرة فصول ، يتناول كل فصل بابا من أبواب الكتاب العشرة، وفي التمهيد تحدثت عن أهمية الكتاب ، وكيف أنه ملأ فراغا في المكتبة الإسلامية، ثم تحدثت عن مؤلف الكتاب ، ومنهجه في البحث ، وعقدت مقارنة بين فقه الزكاة وفقه الجهاد، ثم نقلت ما كتبه الشيخ عن الأشخاص والهيئات التي يريد أن يتوجه الشيخ لها بهذا الكتاب كما ذكرها هو نفسه في مقدمته للكتاب.
ثم ذكرت عشرة فصول بعناوين الأبواب العشرة التي ذكرها فضيلة الشيخ وهي :
الفصل الأول : حقيقة الجهاد ومفهومه وحكمه
الفصل الثاني: جهاد الظلم والفساد في الداخل مقدم على جهاد الكفر والعدوان في الخارج
الفصل الثالث : الجهاد:  بين الدفاع والهجوم
الفصل الرابع : أهداف الجهاد (القتالي) في الإسلام
الفصل الخامس: منزلة الجهاد، وخطر القعود عنه، وإعداد الأمة له
الفصل السادس : جيش الجهاد الإسلامي: واجباته، وآدابه، ودستوره
الفصل السابع : بماذا ينتهي القتال؟
الفصل الثامن: ماذا بعد القتال؟
الفصل التاسع: القتال داخل الدائرة الإسلامية.
الفصل العاشر : الجهاد وقضايا الأمة.
ثم ختمت هذا البحث بخاتمة بينت فيها أهم القضايا التي تناولها فضيلة الشيخ في هذا الكتاب، وما القضايا المستجدة التي يمكن إلحاقها بالكتاب لو أعيدت طبعته ، نظرا لما مرت به الأمة الإسلامية من أحداث جسام خلال الخمسة أعوام الماضية ، من بداية ثورات الربيع العربي، وما تلاه من انتكاسات متمثلة في الانقلابات العسكرية،وغير العسكرية، وما أفرزته من قضايا تحتاج إلى كتاب كامل.
واللهَ أسأل أن ينفع بهذا الجهد شيخنا الجليل فهو سبب لكل خير ، وهو صاحب الجهد الأكبر فيه، وأن ينفعنا معه وينفع كل من أسهم فيه بجهد كبير أو قليل إنه ولي ذلك والقادر عليه .       
﴿...رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 286]
                                                             المؤلف













التمهيد

   صدر كتاب فقه الجهاد للعلامة الشيخ المجاهد الدكتور يوسف القرضاوي فيما يزيد عن ألف وأربعمائة صفحة من القطع المتوسط(  ) من منشورات مكتبة وهبة بالقاهرة، وهو الكتاب الذي انتظرناه، وانتظره الناس كثيرا، وتشوفوا إليه طويلا، والشيخ يتمهل ويؤجل نشره حتى نضج الكتاب ورضيه الشيخ، فأطلقه كشعاع نور قوي يبدد ظلمات هذه الأمة الحائرة.
لماذا القرضاوي؟ ولماذا الجهاد؟
في الفترة الماضية تنادى كثير من العلماء بتعظيم مساحة الاجتهاد في قضايا الجهاد، حيث إن باب العبادات أو المعاملات خاصة المالية قد أخذ حقه من الاجتهاد الجماعي والفردي، لكن الجهاد لم يأخذ نفس الجهد، على الرغم من أهميته وحاجة الناس إليه في كل عصر، وخاصة هذا العصر الذي تداعى الناس على هذه الأمة كما تداعى الأكلة على قصعتها.
وتخوف آخرون من فتح باب البحث والتأليف في موضوع الجهاد في هذا العصر ؛ خشية أن يخرج الاجتهاد تبريريا ضعيفا كحال أمتنا، يسعى إلى الاستكانة وتبرير الواقع المر، يدعو المسلمين أن يكونوا حمائم سلام، في عصر لا يعرف إلا لغة الصقور الجوارح! أو يكون اجتهادا متشددا كرد فعل على الدماء التي تنزف بأيدي أعدائنا، والحرمات التي تنتهك ، والمقدسات التي تغتصب، فيكون اجتهاد انتقاميا لا يراعى إلًّا ولا ذمة، ولا يحفظ عهدا ولا حرمة، شعاره كما تحدث زهير ( ومن لا يظلم الناس يظلم ).
لكن الله شرح صدر الشيخ العلامة وهيأ الأسباب له كي يقوم بهذا العبء، وينهض لهذا العمل حتى لا يكون اجتهادا تبريريا ولا اجتهادا انتقاميا، فخرج هذا الكتاب بعد أن تجاوز الشيخ سن الثمانين، فهو من مواليد (1926م) (  ) وهذا الرجل لم يرهبه أو يرغِّبه ذهب المعز وسيفه وهو في ريعان شبابه، والدنيا عليه مقبلة، وهو في حاجة للتزود منها؛ ليستعين بها على إتمام مشاريعه التي إليها يطمح، ومن أجلها يعمل، فمن باب أولى ألا تأخذه في الله لومة لائم بعد هذا العمر الطويل من الصبر والجهاد، وقد ناله كثير من الغبار والأذى من الداخل والخارج فصبر وصابر، واحتسب الأجر من الله تعالى حتى نال هذه المكانة التي جمعت عليه القلوب، وهفت إليه الأفئدة. ولا يستطيع أحد أن يزايد على الشيخ في جهده وجهاده من أجل نصرة هذا الدين والحرص عليه، والذب عن حياضه، والدفاع عن بيضته طول هذا العمر المديد ، فما تغير من أجل دنيا، ولا داهن على حساب آخرته، ولم تأخذه في الله لومة لائم.
كما لا يستطيع أحد أن يتهمه بالتعصب والتشدد فهو إمام الوسطية، ومنظِّرها في العصر الحديث، والداعي إليها المدافع عنها في فقهه وفكره.
من أجل هذا كله،  بالإضافة إلى ملكته الفقهية، وعلمه بالواقع، وصلته الراسخة بالتراث الفقهي، وتمكنه من التعامل الصحيح  مع نصوص القرآن والسنة نأمل أن يجتمع على اجتهاده وفكره كثير من الناس.
 بين فقه الزكاة وفقه الجهاد
 كتب الشيخ العلامة كتاب فقه الزكاة ونال به شهادة العالمية ( الدكتوراة) عام 1973 م وبعده بستة وثلاثين عاما أخرج كتاب فقه الجهاد يقول في مقدمة الكتاب (وجدتُ من الواجب عليَّ أن أنهض للكتابة في هذا الموضوع، بعد أن شرح الله له صدري، فكم خطر في بالي منذ أنجزتُ كتابي (فقه الزكاة) أن أكتب شيئا مشابها في (فقه الجهاد). وكم طلب مني إخوة كرام منذ مدة أن أكتب في هذه القضية التي شرَّق الناس فيها وغرَّبوا، واعتذرت لهم بأني لا أجد في نفسي هِمة لذلك. مع أني قد كنت كتبت فيه من قديم نتفا مبعثرة، في انتظار أن يحين الوقت للكتابة المنظمة المتصلة فيه، باعتباره أحد الموضوعات الأساسية التي لا بد من الكتابة المنهجية فيها، لحاجة المسلمين خاصة، وحاجة العالم عامة، إلى معرفتها معرفة حقَّة، بعيدة عن غلو الغالين، وتقصير المقصرين) ( )
 وفقه الزكاة وإن كان يتحدث في الأصل عن الزكاة كفرض من الفرائض التي فرضها الإسلام على المسلمين، وركن من أركانه الهامة، غير أنه يعتبر نوعا من الجهاد أيضا وهو جهاد المال، وهو جزء لا يستهان به ولا يستغنى عنه في هذا العصر ولا غيره من العصور.
  وكما كتب الله القبول لكتاب فقه الزكاة فأصبح مرجعا أصيلا رصينا لا يمكن لكاتب في فقه  الزكاة أن يتجاوزه أو يتجاهله ، وظل هو الكتاب العمدة طوال أكثر من ثلث قرن ، فإنا نرجو أن يكتب الله القبول لهذا الكتاب ، ويستفيد منه المسلمون سواء أكانوا طلاب علم، أم باحثون متخصصون ، أم أصحاب فكر تنظيري أو حركي ، حتى ينتشر هذا الفكر الوسطي الذي ينبع من حقيقة الإسلام الوسطية.

-    أهمية الجهاد في فقه القرضاوي
  من أول سطر في المقدمة يبين الشيخ أهمية هذه الفريضة المغيبة، وخطورة هذا التغييب على حاضر الأمة ومستقبلها فيقول: (وبغير الجهاد يُصبح حِماها مستباحا، ودم أبنائها رخيصا رخص التراب، وتغدو مقدساتها أهون من حَفنة رمل في صحراء، وتهون الأمة عند أعدائها، فيتجرَّأ عليها الجبان، ويتعزَّز عليها الذليل، وتُغزى الأمة في عُقر دارها، ويتحكَّم أعداؤها في رقابها، فقد نزع الله من صدور عدوها المهابة منها، بعد أن كانت تُنصر بالرعب على أعدائها مسيرة شهر.
  وأخطر من ذلك - أو قُل: من أسبابه - أن ترى الأمة قد أغفلت الجهاد، بل ربما أسقطت الجهاد من حسابها ومن بَرنامجها: أسقطته ماديا، وأسقطته نفسيا، وأسقطته فكريا وثقافيا. ( ) 
-    وسطية القرضاوي وفقه الجهاد
يتحدث الشيخ عن موقف الناس من الجهاد ويقسمهم إلى ثلاث فئات فيقول عن الفئة الأولى : (فئة تريد أن تُهيل التراب على الجهاد، وأن تسقطه من حياة الأمة، وأن تجعل أكبر همِّها ومبلغ علمها: أن تربِّي الأمة - كما تقول - على القِيَم الروحية، والفضائل السلوكية، وتعتبر هذا هو (الجهاد الأكبر): جهاد النفس والشيطان.) ( )
ويقول عن الفئة الثانية فيقول : ( وفي مقابل هذه الفئة: فئة فهمت الجهاد على أنه (قتال العالم كله): مَن حارب المسلمين أو وقف في سبيل دعوتهم، أو فتن المسلمين في دينهم ... ومَن ألقى إلى المسلمين السلم، ومدَّ يد المسالمة والمصالحة للمسلمين، فلم يَشهَر في وجوههم سيفا، ولم يظاهر عليهم عدوا. فكل الكفار عند هذه الفئة سواء في وجوب مقاتلتهم إذا كان المسلمون قادرين، فالكفر وحده سببٌ كافٍ لقتال غير المسلمين!) ( )
ويختار المنهج الوسطي الذي تمثله الفئة الثالثة فيقول (والفئة الثالثة، هي (الأمة الوسط)، التي هداها الله إلى الموقف الوسط، وآتاها العلم والحكمة، ورزقها البصيرة في فقه الشرع، وفقه الواقع، فلم تقع في تفريط الفئة الأولى التي تريد للأمة أن يبقى حقها بلا قوة، ومصحفها بلا سيف، وأن تبقى دارها بلا حُرَّاس، وحرماتها بلا حُماة.
كما لم تقع في إفراط الفئة الثانية وغلوِّها، التي تريد أن تقاتل المسالمين، وتشنَّ الغارة على الناس أجمعين، وتعلن الحرب على الأحمر والأسود، والشرق والغرب، بدعوى أنها تسوق الناس إلى الله، وتقودهم بالسلاسل إلى الجنة، وتأخذ بأيديهم قسرا إلى الصراط المستقيم، وتزيل الحواجز المادية التي تضعها  السلطات الطاغية أمامهم، فلا يُتاح لهم تبليغهم كلمة الله، ودعوة رسوله، ليسمعوها عالية صريحة، خالية من كل شَوب. ( )
-    لمن كتب القرضاوي هذا الكتب ؟
يعدد الإمام القرضاوي أصناف الناس الذين يحتاجون لهذا الكتاب ، لفهم قضية الجهاد فهما دقيقا لا غلو فيه ولا تفريط، وكأنه استوعب فئات المجتمع بأسره ؛ المسلمين منهم وغير المسلمين، الحكام والمحكومين، العسكريين والمدنيين، والمفكرين والمثقفين في عشر فئات كاملة أحسبها استوعبت فئات المجتمع كله.
 1- الشرعيون
  أول من يحتاج إلى هذه الدراسة هم: علماء الشرع، ورجال الفقه، لأن أكثرهم كوَّنوا في رؤوسهم مفاهيم رسخت، وثقافة توورثت: أن الجهاد فرض كفاية على الأمة، وأن من هذا الفرض غزو بلاد الكفار كلَّ سنة مرَّة على الأقلِّ، وإن لم يظهر منهم شيء ضدَّنا، بل مدُّوا إلينا يد المصالحة والمسالمة. وإن كان هذا الرأي يعارض آيات كثيرة صريحة في القرآن، ولكن هذه الآيات – كما أشرنا من قبل - بطل مفعولها في نظرهم، لأنها منسوخة!! ( )
2- الحقوقيون
  كذلك يحتاج إلى هذه الدراسة: علماء الحقوق والقانون الدولي، الذين كوَّن كثير منهم فكرته عن الإسلام وشريعته، وخصوصا بشأن الجهاد والحرب والسلم، اقتبسوها مما هو شائع في الكتب، وما هو دائر على الألسنة والأقلام. وحق لهم، ما دام علماء الشريعة أنفسهم مشوَّشين من هذه الناحية، فكيف بغيرهم؟ ( )
3- الإسلاميون
كما يحتاج إلى هذه الدراسة - أكثر من غيرهم - الإسلاميون. وأعني بالإسلاميين: الجماعات الإسلامية المختلفة، التي تعمل لنصرة قضايا الإسلام، وهي التي يسمِّيها مَن يسميها: جماعات الإسلام السياسي!! والتي ينضوي تحت لوائها غالبا: شباب الصحوة الإسلامية في شتَّى الأقطار، داخل العالم الإسلامي وخارجه، فهذه الجماعات على اختلاف نزعاتها واتجاهاتها، ما بين معتدل ومتطرِّف: أحوج ما تكون إلى هذه الدراسة؛ وخصوصا مَن عُرفوا باسم (جماعات العنف) ( )
4- المؤرخون
   يحتاج إلى هذه الدراسة أيضا: المؤرِّخون، ولا سيما المعنيُّون بالسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، والذين قرؤوا غزوات الرسول قراءة غير صحيحة ولا منصفة، واعتبروا الرسول عليه الصلاة والسلام، هو الذي ابتدأ المشركين بالغزو والقتال، كما في غزوة بدر وفتح مكة وغزوة حنين، وابتدأ غزو اليهود في مواقعهم وحصونهم، كما في بني قينقاع وبني النضير، وهو أيضا الذي بادر بغزو الروم كما في غزوة تبوك ( )
5- المفكرون
   يحتاج إلى هذه الدراسة: رجال الفكر والبحث والتأمُّل، وخصوصا المهتمِّين بالفكر الإسلامي، وما انبثق عنه من حركات إسلامية، منها المعتدل، ومنها المتطرِّف، وما انبثق عن بعض هذه الحركات من أعمال تتَّسم بالعنف، أو توصف بالإرهاب. مما جعل بعضهم يلصق بالإسلام وحده تهمة العنف والإرهاب، كأن العنف كلَّه إسلامي، والإرهاب كلَّه إسلامي. ومن المؤكَّد أن هذا ليس بصحيح ولا صواب. ( )
6- المستشرقون
   يحتاج إلى هذه الدراسة: غير المسلمين من رجال الاستشراق والمهتمِّين بالدراسات الإسلامية، سواء كان أساس هذا الاهتمام معرفيا، لمجرَّد اكتشاف الحقيقة، أم سياسيا لخدمة أهداف معيَّنة لدولة ما، أو للغرب عامَّة، أم كانت دوافعه دينية، لخدمة الكنيسة وفكرة (التنصير) ( )
7- الحِواريون
  كما أن هذه الدراسة يحتاج إليها: المهتمُّون بحوار الأديان، أو حوار الثقافات والحضارات، فهي في رأيي تقدِّم لبنة مهمة في بنيان هذا الحوار، الذي يقوى حينا ويضعف حينا، وينهض حينا، ويتعثر أحيانا، نظرا لقصور الرؤية من بعض الأطراف لبعض، وغلبة العصبية على العقل، وانتصار الفكر الموروث على الفكر الحرِّ. ولا يمكن أن يتحاور الناس إذا كان بعضهم يجهل بعضا ( )
8- السياسيون
  كما يحتاج إلى هذه الدراسة: رجال السياسة وصناع القرار في العالم، والذين يتَّخذون قراراتهم الهائلة، والتي تتعلَّق بمصاير أمم، وأرواح بشر، ومقدَّرات شعوب، ومقدَّسات أديان، بناء على تصورات فكرية عندهم لدين لم يعرفوه، ولم يقرؤوا كتابه، ولم يفقهوا سيرة نبيه، ولم يدرسوا تاريخه، ولم يحيطوا بشيء ذي بال عن عقيدته وشريعته( )
9- العسكريون
  إذا كان السياسيون محتاجين إلى هذه الدراسة، ليكوِّنوا رأيا صحيحا نيِّرا عن الجهاد، فكذلك يحتاج إليها: العسكريون من المسلمين وغير المسلمين.
فمَن فهم الجهاد على غير حقيقته من قادة العسكريين الغربيين، مثل رجال البنتاجون في أمريكا، وأكثر الجنرالات في أوربا، بل في العالم كلِّه للأسف الشديد، فعليه أن يقرأ هذا الكتاب، وعلينا أن نترجمه لهم، ونقرِّبه إليهم بلسانهم لنبيِّن لهم حتى يفهموا. وكثير منهم إذا رأى المنطق أمامه ناصعا خضع له، ولم يستطع أن يكابر، حتى لو كابر أمام الناس سينهزم أمام نفسه. وهذا مكسب كبير. ( )
10- جمهور المثقفين
   يحتاج إليه أخيرا جمهور الناس من القرَّاء والمثقَّفين العاديين غير المصنفين، من المسلمين ومن غير المسلمين. فهؤلاء الذين يمثلون القاعدة العريضة من الأمم والشعوب، في حاجة أيضا إلى أن يعرفوا حقيقة موقف الإسلام من العالم وحقيقة الجهاد في سبيل الله ( )
  ونستطيع أن نضيف طائفة أخرى لم يذكرها الشيخ، وهي طائفة الدعاة والوعاظ، وهي شريحة من المجتمع لا يستهان بها نظرا لتصدرها ، واتصالها بعدد كبير من المسلمين رواد المساجد، وهذه الطائفة أحوج ما تكون لهذا الكتاب بقصد فهمه واستيعابه وتبسيطه للناس بلغة سهلة ميسرة .
-    منهج الشيخ القرضاوي في تقديم فقه الجهاد

   قد تكلم فضيلة الشيخ العلامة عن منهجه في كتابة هذا الكتاب الماتع النافع ـ إن شاء الله ـ وقال إنه يعتمد على ست ركائز، وهي القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وكنوز  الفقه الإسلامي كله بطوله وعرضه، كما يعتمد على المقارنة بالشرائع السماوية، والنظم الوضعية، مراعيا الواقع المعاصر الذي تعيشها البشرية، ومتبنيا المنهج الوسطي الذي تبناه الشيخ في كل كتبه وبحوثه وفتاواه. يقول الشيخ:  ومنهجي الذي اعتمدت عليه في هذا الكتاب يقوم على جملة عناصر:
أولا: الاعتماد أساسا على نصوص القرآن الكريم، فهو المصدر الأول للإسلام، الذي لا ريب فيه ولا خلاف عليه، وقد ثبت ثبوتا قطعيا بالتواتر اليقيني، محفوظا في الصدور، متلوا بالألسنة، مكتوبا في المصاحف، وهذا مما لا خلاف فيه بين أحد من الأئمة.
وهو الذي نستمدُّ منه الدليل على حُجيَّة جميع المصادر الأخرى، حتى السنة النبوية نفسها، فيستدل بآيات القرآن الكريم على حُجيَّتها.ونفهم هذا القرآن في ضوء أساليب اللغة العربية، بحقيقتها ومجازها، مُراعين السباق والسياق، غير متعسِّفين ولا متكلفين، جامعين بين النصوص بعضها وبعض، موقنين بأن هذا الكتاب يُصدِّق بعضه بعضا، ويُفسِّر بعضه بعضا ( )
ثانيا: الاعتماد على السنة الصحيحة الثابتة عن رسول الله  من قوله وفعله وتقريره، التي جاءت بها الأحاديث التي صحَّ سندها بلا انقطاع ولا شذوذ ولا عِلَّة، ولا تُعارض ما هو أقوى منها وأثبت: من القرآن أو من أحاديث أخرى، أو من منطق العلم والعقل، بحيث تكون مبيِّنة لما نزل به القرآن لا مُعارضة له، وتسير في ضوء ما أنزل الله من الكتاب والميزان. ( )
ثالثا: الانتفاع بكنوز الفقه الإسلامي، والاغتراف من بحاره الزاخرة، دون تحيُّز لفقه مذهب دون مذهب، ولا انغلاق على إمام دون إمام.
بل نعتبر هذه التَّرِكة الكبرى مِلكا لكل باحث، يغوص في أعماقها، ويطَّلع على خباياها، وينقِّب في زواياها، مقارنا بين قول وقول، وبين دليل ودليل، دون تعصُّب لرأي، أو تقليد دائم لمذهب. بل قد نأخذ مرة برأي أبي حنيفة، وثانية برأي مالك، وثالثة ورابعة وخامسة برأي الشافعي أو أحمد، أو دواود، بل قد نخرج في بعض الجزئيات، عن المذاهب السُّنية إلى مذهب الزيدية أو الجعفرية أو الإباضية، إذا وجدنا الحل فيها. وقد نأخذ ببعض المذاهب المُنقرضة، مثل: مذهب الأوزاعي أو الثوري أو الطبري. ( )
رابعا: ولا نكتفي في المقارنة والموازنة بين المذاهب والآراء داخل الفقه الإسلامي ومدارسه، بل قد نقارن بين فقه الشريعة الإسلامية كلها والقوانين الوضعية الغربية، لنبيِّن مدى أصالة الشريعة، ورسوخ أصولها، ومتانة قواعدها، واستقلالها عن غيرها، وجمعها بين المثالية والواقعية، وبين الربانية والإنسانية. ( )
خامسا: ربط الفقه بالواقع المعاصر الذي تعيشه الأمة، ويعيشه العالم، فإنما جُعل الفقه ليحلَّ مشكلات الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والجماعة المسلمة، والأمة المسلمة، والدولة المسلمة، بأحكام الشريعة السمحـة، فهو يبحث عن طبٍّ أو دواء لأمراض المسلمين، من صيدلية الشريعة الغرَّاء، لا من خارجها، ويجيب عن أيِّ سؤال يطرحه الفرد أو الجماعة فيما يتَّصل بالدِّين والحياة، وهو الذي يقود المسيرة الحضارية للأمة على نور أحكام الشريعة الغرَّاء. ( )
سادسا: لقد تبنينا في هذا الكتاب - كما في كل كتبنا وبحوثنا - المنهج الذي وفقنا الله إلى اختياره وترجيحه في الدعوة والتعليم والإفتاء والبحث والإصلاح والتجديد، وهو: منهج الوسطية والاعتدال ....
ومن معالم هذا المنهج في الفقه والفَهم والاجتهاد: أن نجدِّد الدين من داخله، وأن نجتهد لحياتنا وعصرنا، كما اجتهد أئمتنا السابقون لحياتهم وعصرهم، وأن نستمدَّ من حيث استمدُّوا، وأن نفهم النصوص الجزئية في إطار المقاصد الكلية وأن نردَّ المتشابهات إلى المُحكمات، والظنيات إلى القطعيات، والجزئيات إلى الكليات، وأن نشدِّد في الأصول ونيسِّر في الفروع، وأن نلائم بين ثوابت الشرع ومتغيرات العصر.
وأن نصل النقل الصحيح بالعقل الصريح، وألا نتعصَّب لرأي قديم، ولا نتعبَّد لفكر جديد، وأن نتمسك بثبات الأهداف، ومرونة الوسائل، وأن ننتفع بكل قديم نافع، كما نرحب بكل جديد صالح، وأن نستلهم الماضي، ونعايش الحاضر، ونستشرف المستقبل، وأن نلتمس الحكمة من أيِّ وعاء خرجت، وأن نعرض ما عند غيرنا من منجزات على ما عندنا من قِيَم، فنأخذ ما يوافقنا، ونَدَع ما لا ينفعنا ... إلخ. ( )
وقد قسم فضيلة الشيخ العلامة كتاب فقه الجهاد إلى مقدمة ، وعشرة أبواب وخاتمة، وستكون لنا بمشيئة الله تعالى وقفات مع القضايا الجديدة التي أثارها الإمام في كل باب من أبواب دراسته، فنسأل الله العون ونستمد منه المدد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الفصل الأول: حقيقة الجهاد ومفهومه وحكمه
بعد المقدمة والتعريفات الأولية تناول فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الباب الأول من هذه الدراسة حقيقة الجهاد ومفهومه وحكمه. والقضية الأساسية في هذا الباب هو حكم الجهاد، وهل هو فرض في كل وقت، وعلى أية حال، أم أنه يكون فرضا في جهاد الدفع، وغير واجب في جهاد الطلب.
ولأن القضية تكاد تكون محسومة في فكر وعقل عموم الناس، ويؤيدهم عدد غير قليل من الفقهاء وهي أن الجهاد فرض سواء كان للدفع أم للطلب، وعلى إمام المسلمين أن يغزو مرة كل عام على الأقل، من أجل ذلك كان على الشيخ عبء كبير حتى يقنع الناس برأي غير الذي شب عليه الصغير وشاب عليه الكبير .فصال الشيخ وجال بين جنبات تراثنا الفقهي حتى يستخلص لنا ما يراه صوابا ، ثم يدلل عليه بالأدلة المقنعة. وقبل أن يخوض في هذه القضية الهامة يقف عند تعريف بعض المصطلحات الخاصة بفقه الجهاد، والتي يترتب على تحديدها وفهمها فهما دقيقا فهم حقيقة الجهاد وفقهه.
1- الفرق بين الجهاد والقتال
كثير من الناس وبعض المتخصصين يخلطون بين الجهاد والقتال، وكلما أطلقت كلمة الجهاد فهم منها أن المراد هو القتال، والحاصل أن الجهاد أعم وأشمل من القتال، فالقتال نوع من أنواع الجهاد؛ الذي يشمل الجهاد بالمال، وجهاد الكلمة، وجهاد النفس وغير ذلك ومنها القتال.وتوسيع معنى الجهاد وعدم قصره على القتال يعطي فرصة لكل مسلم سواء أكان رجلا أم امرأة، وسواء أكان قادرا أم غير قادر أن يجد له دورا مهما في موضوع الجهاد( )
2- الفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب
وهذا تفريق مهم أيضا يتوقف على معرفته معرفة حكم الجهاد، والخلط بينهما يوقع في الخطأ، يقول الشيخ في تعرف جهاد الدفع : مقاومة العدو إذا دخل أرض الإسلام، واحتلَّ منها مساحة ولو قليلة، أو اعتدى على أنفس المسلمين أو أموالهم وممتلكاتهم أو حرماتهم، وإن لم يدخل أرضهم، ويحتلَّها بالفعل .. أو اضطهد المسلمين من أجل عقيدتهم، وفتنتهم في دينهم، يريد أن يسلبهم حقَّهم في اختيار دينهم، وأن يُكرههم على تركه بالأذى والعذاب.
أما جهاد الطلب، فهو أن يكون العدو في عقر داره، ولكننا نحن الذين نطلبه، ونتعقبه، بغية توسيع أرض الإسلام أو تأمينها، أو نبادئه نحن قبل أن يبادئنا هو، أو لتمكين الجماهير في أرضه من أن تستمع إلى دعوة جديدة، فلا بد من إزاحة هذه الحواجز أمام الشعوب، حتى نبلغ دعوة الله إلى الناس كافة. أو لتحرير الشعوب التي يحكمها الطواغيت، من نير التسلط والجبروت التي يقهرها ويعاملها كالقطعان، أو لغير ذلك من الاعتبارات.( )
-    حكم الجهاد بين الوجوب والتطوع( )
وبعد هذه المقدمات الهامة يصل الشيخ إلى بغيته، ليحدد الحكم التكليفي للجهاد، وكما قلنا إن الموضوع من الخطورة بمكان وبالتالي لا بد أن يقدم الشيخ بين يدي رأيه الفقهي آراء الفقهاء القدامى حتى لا يتهم بالابتداع، فعند بعض الناس كل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة.
    وبعد أن نقل كلام الفقهاء القدامى خلص الشيخ إلى رأيه الفقهي وخلاصته، أن جهاد الدفع فرض بإجماع الفقهاء في القديم والحديث، أما جهاد الطلب فمختلف فيه ، ويرجح الرأي بعدم وجوبه إلا إذا دعت الضرورة أو الحاجة إليه.( )
ثم ينظر الشيخ إلى الواقع التاريخي ويربط المسألة بفقه السياسة الشرعية فيقول: 
  الحقيقة: أن قضية غزو بلاد الكفر، أو التوغُّل في أراضيهم مرة كل سنة، كما ذكره الفقهاء، واعتبروه فرض كفاية على الأمة، ممثَّلة في خلفائها وأمرائها، الذين تولَّوا المسؤولية عن أمورها هذا الغزو المفروض: إنما يخضع للظروف وتغيُّرها....
وبهذا نرى: أن إيجاب غزو الأعداء كل سنة، إنما يخضع في الواقع لفقه السياسة الشرعية، وهو فقه يتَّسم بالرحابة والمرونة، والقابلية للتطوُّر وتعدُّد وِجهات النظر، لأنه يقوم أساسا على فقه المقاصد والمصالح، وفقه المآلات، وفقه الموازنات، وفقه الأولويات، وفي هذه الألوان من الفقه مجال واسع للاجتهاد الإنشائي، والاجتهاد الانتقائي، واختلاف التنوع، وتعدُّد الأنظار والرُّؤى، دون نكير من فريق على آخر، ما دام يحترم الثوابت، ويرعى الأصول الشرعية، والضوابط المرعية.( )
ولنا تعقيب
    ما ذكره فضيلة الشيخ العلامة من أن المسلمين لا يحاربون من سالمهم، ولا يقصدونه بإيذاء، لا غبار عليه، ويؤيده النظر الفقهي السليم، كما تؤيده المقاصد العامة للشريعة الإسلامية التي حثت على حفظ النفس الإنسانية سواء أكانت مسلمة أو غير مسلمة، غير أن ثمة سؤال نريد أن نتوقف عنده، هل حدث هذا في تاريخ البشرية بطوله وعرضه؟ هل عاش هذا العالم دون حروب تأكل الأخضر واليابس؟ هل ترك الفرس والرومان قديما، أو الشيوعيون والنصارى واليهود والعلمانيون حديثا المسلمين دون الاعتداء على حرماتهم وانتهاك مقدساتهم، وغزوهم عسكريا وثقافيا ، وسلب أموالهم وأرضهم؟
  نتمنى أن يـأتي يوم تتعايش البشرية كلها في سلام، فلا يأكل القوي فيها الضعيف، ولا الغني الفقير، وحتى يحدث هذا تبقى سنة التدافع التي ذكرها القرآن الكريم يقول الله تعالى:   (....وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة:  {251}
ويقول الله تعالى: ﴿... وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: 40]
  فعلى الرغم من كثرة المنظمات والهيئات الدولية التي قامت في الأصل لنصرة المظلوم، والوقوف في وجه الظالم ؛ نرى تزايد الظلم ، والوقوف بجوار الظالم القوي ، وضد المظلوم الضعيف بعد أن تم السطو على تلك المنظمات والهيئات من القوى العظمى التي من مصلحتها أن تشتعل الحروب في العالم ، أو أنها تكون هي طرف ظاهر أو مستتر في الصراع الدائر بين الدول؛ لتحقيق مصالحها على حساب دماء وأشلاء وأعراض الآخرين.
   لم يات زمان على البشرية لم تتحارب، وتتقاتل ، فقاتل اليهود النصارى، وقاتلهم النصارى، وتقاتلت طوائف النصارى مع بعضها البعض ، وأهلكوا الحرث والنسل ، وماذكره فضيلة العلامة في القسم الخاص بالملاحق يؤكد ذلك ويدلل عليه.
وطوائف المسلمين لم تسلم من هذا الصراع ، فمنذ مقتل عثمان - رضي الله عنه - والحروب دائرة ، والدماء لم تجف بين المسلمين بعضهم البعض ، إلا في فتارت قليلة تمثل الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
أما في تاريخنا المعاصر فنسي الناس خصوماتهم وعداواتهم واجتمعوا على المسلمين ، ورموهم عن قوس واحدة، فحيثما يولِ المسلم وجهه يجد دماء المسلمين وأنات الثكالى التي يشيب منه الولدان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-    متى يكون الجهاد فرض عين ؟
يذكر الشيخ هنا أن الجهاد يتعين ـ أي يكون فرض عين ـ  في حالات معينة وهي :
1-    عند هجوم الأعداء على بلد مسلم .
2-    استنفار الإمام لفرد أو طائفة معينة.
3-    حاجة الجيش إلى خبرة فرد معين.
4-    عند حضور المعركة بالفعل . ( )
ثم يختم الشيخ هذا الباب بمسألتين هامتين، الأولى عن كيفية تحقق فرض العين في الجهاد، والثانية عن جهاد المرأة.
يقول في النقطة الأولى : والذي أطمئن إلى القول به هنا: أن أبناء البلد المغزوِّ حين يفاجأ بالغزو: يجب أن ينفروا لمقاومة الغزاة بكل طاقتهم، كلٌّ بما يقدر عليه، وما يُحسنه، حسبما ترتِّبه السلطة المسؤولة عن الجهاد، سواء أكانت سلطة الدولة - إن كانت قائمة- أم سلطة الجماعة التي يختارها أهل الحلِّ والعقد عند غياب الدولة. فللرجال ما يليق بهم، وللنساء ما يليق بهن، وللشيوخ ما يليق بهم، وللصبيان ما يليق بهم. وللمثقفين ما يليق بهم، وللأميين ما يليق بهم. والمطلوب أن يُوضع كل في مكانه المناسب له.
أما إذا عجز أهل البلد المغزوِّ وجيرانه عن مقاومة العدو، لأي سبب كان، أو تقاعسوا أو عصَوْا وخالفوا، وانتقلت الفرضية لتشمل الأمة كلها، فأرى أن واجب الأمة هنا، ليس انتقال الجميع بالأبدان إلى أرض القتال، فإن هذا غير ممكن، وغير مُجدٍ، ولكن الواجب عندئذ هو مساعدة الجميع في نصرة إخوانهم ونجدتهم، كلٌّ بما يقدر عليه، وإمدادهم بما يحتاجون إليه من سلاح، ومعدات، وتموين، وأموال، ورجال، وأن تلبَى طلباتهم بأقصى سرعة ممكنة، وبخاصَّة ما تشتد حاجتهم إليه. ( )
-    جهاد المرأة
 في هذه المسألة يستعرض الشيخ جهاد المرأة مع رسول الله  وصحابته الكرام، ويؤكد أن دور المرأة في خدمة الإسلام في شتى المجالات لا يقل عن دور الرجل وهي مسئولة مكلفة مثله تماما، لكنه يؤكد أيضا على أن كثيرا من أعمال الجهاد الشاقة لا يتناسب مع طبيعة المرأة وما خصها الله به من صفات تعينها على أداء دورها ورسالتها في الحياة .
 ولذلك يفرق الشيخ بين نوعي الجهاد ؛ جهاد الدفع وجهاد الطلب، فيرى أن الجهاد فرض على المرأة كما هو على الرجل في جهاد الدفع، لكنه ليس فرضا عليها في جهاد الطلب، ويمكنها أن تساعد الرجال في الجهاد بصفة عامة فيما يتناسب مع طبيعتها وإمكاناتها ( )
-    من روائع الإمام البنا في توسع مفهوم الجهاد
   للإمام البنا ـ رحمه الله ـ كلمة جامعة في تعريفه للجهاد بالمفهوم المقاصدي وليس بالمفهوم اللغوي ولا المفهوم الاصطلاحي، وفضيلة الشيخ القرضاوي لا ينكر تلمذته على فكر الشيخ وتأثره بعلمه وفقهه، ولعل الشيخ البنا استقى هذه الفكرة من كتابات ابن القيم لكنه صاغها صياغة حركية ودعوية تناسب المقام والجمهور الذي يتحدث إليه ، ونحن نحيل القاريء إلى هذه الكلمة ليعلم  أن روحا تسري بين العلماء العدول والدعاة المخلصين تشعرك أنهم عقل واحد وفكر واحد ( ) .







الفصل الثاني
جهاد الظلم والفساد في الداخل مقدم على جهاد الكفر والعدوان في الخارج
   قد أفرد الشيخ الباب الثاني لأنواع الجهاد ومراتبه، وقسمه إلى سبعة فصول، وهي : بين الجهاد والقتال، ومرتبة جهاد النفس، ومرتبة جهاد الشيطان، ومرتبة جهاد الظلم والمنكر في الداخل، ومواقف الناس أمام جهاد الداخل، ومرتبة جهاد اللسان والبيان (الجهاد الدعوي والإعلامي)، ومرتبة الجهاد المدني، ومرتبة الجهاد العسكري، أو (تطور الجهاد من الدعوة إلى القتال).
-    ميادين الجهاد في داخل المجتمع:
وهذا هو الجهاد الواجب في داخل المجتمع، وهو يشمل جملة ميادين:
1.    ميدان مقاومة الظلم والظالمين
    ميدان مقاومة الظلم والظالمين، والأخذ على أيديهم، وعدم الركون إليهم، كما قال تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:113]. والإسلام يطلب هنا من المسلم أمرين أساسيين:
أولهما: ألا يظلم. وثانيهما: ألا يكون عونا لظالم، فإن أعوان الظالم معه في جهنم. ولهذا يَدين القرآن جنود الطغاة كما يَدين الطغاة أنفسهم، كما في قوله سبحانه: ﴿....إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: 8]
 وقال عن فرعون: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 40]، فاعتبر الطاغية والجنود جميعا من الظالمين، ونزلت نقمة الله فشملتهم جميعا، وأخذتهم جميعا بما قدمت أيديهم.
وذلك أن الجبار المستكبر في الأرض لا ينفذ ظلمه بنفسه، ولكن بوساطة هذه الآلات البشرية التي يستخدمها في قهر العباد، وإفساد البلاد، وهي تكون له عادة أطوع من الخاتم في أصبعه! ( )
وسواء أكان الظلم من الأغنياء للفقراء، أم من الملاَّك للمستأجرين، أم من أرباب العمل للعمال، أم من القادة للجنود، أم من الرؤساء للمرؤوسين، أم من الرجال للنساء، أم من الكبار للصغار، أم من الحكام وأولي الأمر للرعية والشعوب، فكله حرام ومنكر يجب أن يقاوَم ويجاهَد، بما يقدر عليه الإنسان من اليد، واللسان، والقلب، كما جاء في صحيح مسلم عن ابن مسعود: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريُّون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلُوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"( ).
فأوجب الرسول : مجاهدة الظلمة والطغاة على كل مسلم، بما يقدر عليه: من اليد، أو اللسان، أو القلب، وهي المرتبة الأخيرة - التي مَن تركها لم يبقَ معه شيء من الإيمان، وإن قَلَّ - وضرب له مثلا بحبة الخردل على صغرها. والمطلوب في هذه المرتبة: أن يَكره الظلم والمنكر بقلبه، ويكره مرتكبي الظلم، ومقترفي المنكر، وهذه لا يملك أحد أن يمنعه منها، لأن قلب المؤمن لا سلطان لأحد عليه غير ربه الذي خلقه.
ولقد اهتمَّ الإسلام بهذا الجهاد وحثَّ عليه، وجاء في بعض الأحاديث اعتباره أفضل الجهاد، كما روى طارق بن شهاب البَجَلي رضي الله عنه: أن رجلا سأل النبي ، وقد وضع رجله في الغَرْز: أي الجهاد أفضل؟ فقال: "كلمة حق عند سلطان جائر"( )
-    وقفة للتأمل
ويقول الشيخ تحت هذا العنوان: ويَحْسُن بنا أن نقف هنا وقفة للتأمل والمقارنة: لماذا عظَّم الرسول الكريم شأن هذا الجهاد، واعتبره أفضل الجهاد، واعتبر مَن قُتل فيه بجوار سيد الشهداء؟
والجواب: أن خطر الفساد الداخلي إذا تفاقم: يشكل خطرا جسيما وشرا كبيرا على الأمة، ولهذا يعتبر الإسلام الجهاد ضدَّ الظلم والفساد في الداخل مقدَّما على الجهاد ضدَّ الكفر والعدوان من الخارج. فإن الفساد الداخلي كثيرا ما يكون ممهِّدا للعدوان الخارجي، كما تدلُّ على ذلك أوائل سورة الإسراء، إذ قصَّت علينا ما وقع لبني إسرائيل حين أفسدوا في الأرض مرتين، وعلَوا (طغَوا) علوًّا كبيرا، ولم يجدوا بينهم مَن ينهى عن هذا الفساد أو يقاوِمه، فسلَّط الله عليهم أعداء من الخارج، يجوسون خلال ديارهم، ويدمِّرون عليهم معابدهم، ويحرقون توراتهم، ويسومونهم سوء العذاب، ويتبِّرون ما علَوا تتبيرا، وكان وعد الله مفعولا.
ومن هنا رأينا الفساد والانحلال، مقدمة للغزو والاحتلال، وقد هدَّدهم بمثل هذه العقوبات القدرية إذا وقع منهم مثل ذلك الإفساد في المستقبل، وذلك في قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء:8]، أي إن عُدتم إلى الطغيان والعلو والإفساد عُدنا عليكم بتسليط الأعداء. ( )
   وهذا فقه عميق، وفهم دقيق من فضيلة الشيخ حيث جعل جهاد الظلم والظالمين من الجهاد في سبيل الله تعالى، وهو مقدم على جهاد الكفار والمشركين، لأنه أعظم خطرا، وأبلغ أثرا في تأخر الأمة وضياعها من جهاد الخارج، لأن الظلم إذا أتي من الخارج ولد في جسد الأمة روح المقاومة والاستبسال، ومقاومة الكفر والظلم، وسرعان ما تستعيد قوتها، وتسترد عافيتها، وتتوحد كلمتها، وتجتمع قلوبها. أما ظلم وفساد الداخل فهو كالسوس الذي ينخر في جسد الأمة فيتلفه، وهو كالسرطان لا يشعر به الجسد إلا بعد فوات الأوان.
-    ميدان مقاومة الفسوق والانحلال:
   هناك ميدان ثانٍ للجهاد الداخلي، ذلك هو ميدان الانحلال والفسوق، واقتراف المعاصي، واتباع الشهوات. وهو انحراف خطير، إذا استسلمت له الأمة ساقها إلى مهاوي الرَّدَى، واختلَّت أمور حياتها كلِّها، وظهر الفساد والاختلال في البر والبحر بسوء أعمالها، واعوجاج سلوكها. كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] ( )
-    رِدَّة السلطان:
   أخطر أنواع الردَّة: رِدَّة السلطان، أو رِدَّة الحاكم، الذي يُفترَض فيه أن يحرس عقيدة الأمة، ويقاوم الردَّة، ويطارد المرتدين، ولا يُبقي لهم من باقية في رحاب المجتمع المسلم، فإذا هو نفسه يقود الردَّة سرا وجهرا، وينشر الفسوق سافرا ومقنَّعا، ويحمي المرتدين، ويفتح لهم النوافذ والأبواب، ويمنحهم الأوسمة والألقاب ( ) ثم يتحدث الشيخ عن مواقف الناس أمام جهاد الداخل فيقول: والناس أمام هذا الجهاد ثلاث فئات: طرفان وواسطة.
1.    الانسحابيون
2.    الهجوميون (دعاة العنف المسلح)
3.    الفئة الوسط بين هؤلاء وأولئك( )
    وبعد أن ينتقد تصرف الفئة الأولى والثانية، يرجح ما عليه الفئة الثالثة فيقول : وبين المغالين في الاستسلام لظلمة الولاة والسلاطين، والمغالين في التمرُّد عليهم، وحمل السلاح خروجا عليهم، دون حساب لعواقب هذا الخروج، وما قد يُوقعه من مآسٍ ومظالم: توجد الفئة الوسط التي لا تسكت عن المنكر وهو يشيع، ولا تُغمض العين على الفساد وهو يستشري، ولا على الظلم وهو يتفاقم ويتكاثر.
وهذا سبب خراب الدولة، وهلاك الأمة كلها، صالحيها وطالحيها، إذا لم يقفوا في وجه الظالم، كما قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]. ( )

الفصل الثالث : الجهاد:  بين الدفاع والهجوم
 يتناول هذا الفصل الباب الثالث من أبواب فقه الجهاد لفضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، وهو من أطول أبواب الكتاب، بل أطولها على الإطلاق حيث تجاوزت صفحاته (170) صحيفة انتظمت (12) اثنى عشر فصلا، كلها تدور حول مناقشة فكرة جوهرية هامة، وهي سبب الحرب وعلتها في الإسلام هل هي للهجوم والغزو بقصد توسيع دائرة الإسلام ، وإخضاع الناس ـ كل الناس ـ وتعبيدهم لله رب العالمين، أم أنها للدفاع عن الإسلام والمسلمين بغرض الدعوة إليه، وعرضه على الناس ثم نترك لهم حرية الاختيار من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ؟
ثم يناقش الشيخ حكم مقاتلة المسالمين، وينقل الخلاف الفقهي الدائر بين الفقهاء القدامى والمحدثين، وأنهم ينقسمون فريقين :
الفريق الأول : يرى أن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم هي الحرب سواء أكانوا مسالمين أم محاربين.الفريق الثاني : يرى أن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم السلم، وأنهم لا يقاتلون إلا من قاتلهم .
ثم يناقش هذه الأدلة بالتفصيل ، ويفرد الشيخ لكل دليل من هذه الأدلة فصلا مستقلا( ).
 ثم يختم هذا الباب الهام بأدلة المسالمين أو الداعين إلى السلم ، وكل ما استدل به هنا سبق أن تحدث به أثناء النقاش ونذكر من هذه الأدلة :
1-    دعوة الإسلام إلى السلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]، وقد فُسِّر {السِّلْمِ} في الآية: بالموادعة وترك الحرب، كما فُسِّر بالإسلام وشرائعه كافَّة.
2-    قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]، فشرع قتال مَن قاتلنا، ومفهومه عدم قتال مَن لم يقاتلنا، ونهى عن الاعتداء ومنه قتال مَن سالم.
3-    منعه - في سورة النساء - صراحة عن قتال مَن سالمنا، بقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء:90...
4-    أمره سبحانه بالجنوح للسلم - حتى بعد وقوع القتال - إذا جنح لها العدو، وإن كان يريد الخداع، قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال:62،61].
5-    أمر الله تعالى لرسوله بالتولِّي والإعراض عن المشركين إذا لم يستجيبوا لدعوته، ولم يُؤمر بقتالهم، ففي سورة التوبة: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [الآية:129]...
6-    وضع دستور المسالمة والمحاربة في آيتين من سورة الممتحنة: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:9،8].
7-    حديث الرسول المتفق عليه : "لا تتمنَّوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية ..." ( ).
8-    قراءة صحيحة للسيرة النبوية ولغزوات الرسول .
9-    قراءة صحيحة لفتوحات المسلمين: أنها كانت ردًّا لعدوان، أو منعا لفتنة المؤمنين.
10-    بيان أن عِلَّة القتال هي: الاعتداء والحِراب والفتنة في الدين. وليست مجرَّد الكفر، {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6].
11-    فلسفة الإسلام في كسب الناس بالسلم، والدعوة بالحُجَّة الإقناع، والأسوة الحسنة( ).
















الفصل الرابع : أهداف الجهاد (القتالي) في الإسلام
   في هذا الباب ـ وهو الباب الرابع من كتاب الجهادـ يتحدث فضيلة الشيخ عن أهداف القتال في الإسلام، وهو يشتمل على خمسة فصول؛ الفصل الأول عن رغبة الإسلام في السلم، وكراهيته للحرب، والثاني عن أهداف القتال في الإسلام، والثالث عن الأهداف المرفوضة للقتال، والرابع عن الجهاد بين الإسلام وشريعة التوراة، والخامس عن أكذوبة انتشار الإسلام بحد السيف.
وفي البداية يفرق الشيخ بين أهداف جهاد الدفع وأهداف جهاد الطلب،  فالأول (واضح الهدف، وهو مقاومة العدو الغازي بكل ما يُستطاع من قوة، حتى يجلو المحتل، ويرتد الغازي إلى حيث جاء، وتحرَّر أرض الإسلام من الغزاة. وهذا النوع من الجهاد: لا نزاع فيه، ولا خلاف عليه، فقد اتَّفقت عليه كلُّ الشرائع والقوانين، ولا يستطيع أحد أن يرتاب في مشروعيته. وأما الجهاد الذي يحتاج إلى تحديد هدفه، فهو ما يسمِّيه الفقهاء (جهاد الطلب)، أي الجهاد الذي يكون فيه العدو في بلده، ولكن المسلمين هم الذين يطلبونه ويغزونه في أرضه (( 
ثم يتحدث في الفصل الثاني عن أهداف القتال وهي:
1.    رد الاعتداء
2.    منع الفتنة أو تأمين حرية الدعوة
3.    إنقاذ المستضعفين
4.    تأديب الناكثين للعهود
5.    فرض السلام الداخلي بالقوة ( )
ثم يتحدث في الفصل الثالث عن أهداف مرفوضة للقتال في الإسلام ومنها .
1.    هدف محو الكفر من العالم مرفوض
2.    هدف قسر الناس - أو بعضهم - على الإسلام مرفوض
3.    الهدف الاقتصادي للجهاد مرفوض((
ويتحدث في الفصل الرابع عن الجهاد بين شريعة التوراة وشريعة القرآن ويذكر نصوصا من التوراة وهو النص المقدس عند اليهود والنصارى على حد سواء، ثم يقارنها بعظمة ورحمة التشريع الإسلامي في تشريع الجهاد((
ويختم الشيخ هذا الباب بالحديث عن أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف فيقول:
   أشاع كثير من المنصِّرين - أو المبشِّرين – والمستشرقين المتعصِّبين: أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا بحدِّ السيف، وإخضاع الناس لعقيدته بالقوة العسكرية، ولولا هذا ما انفتحت له القلوب، ولا اقتنعت به العقول، ولكنها أُكرهت عليه إكراها تحت بريق السيوف، فخيَّرهم بين الإسلام والقتل، فإما أن يُسلِم وإما أن يطير عنقه! وهذه فِرْية تكذِّبها تعاليم الإسلام القطعية، وتكذِّبها وقائعه التاريخية، ويكذِّبها المنصفون من المؤرخين المستشرقين أنفسهم. ((













الفصل الخامس: منزلة الجهاد، وخطر القعود عنه، وإعداد الأمة له
وفي هذا الباب تحدث الشيخ عن منزلة الجهاد، والرباط وخطر القعود عن الجهاد في سبيل الله، ورد على القاديانية التي أبطلت الجهاد، وإعداد الأمة للجهاد في سبيل الله.
ويختم هذا الفصل بتفضيل أعمال الجهاد عن حج النافلة وينقل كلام ابن النحاس عن تفضيل الجهاد إذا كان فرض عين على حج الفريضة فيقول : وما قاله العلاَّمة ابن النحاس من تقديم الجهاد إذا كان فرض عين على حجِّ الفريضة، هو الصواب بعينه، لما ذكره من وجوب فعله على الفور، ولأمر آخر هو: أن الجهاد يتعلَّق بالدفاع عن الأمة وكينونتها ورسالتها، فلو هلكت الأمة هلك الأفراد وضاع الحجُّ وغيره من العبادات والشعائر والأركان، التي لا يمكن إقامتها واستمرارها إلا بوجود الأمة. والجهاد هو الذي يصونها ويدفع عنها، ويحافظ عليها. ( )
ويتحدث في الفصل الثاني عن منزلة الرباط فيقول : ومن توابع الجهاد: الرباط. وهو الإقامة في الثغر لإعزاز الدين، ودفع خطر الأعداء عن المسلمين. والمراد بالثغر: مكان ليس وراءه إسلام. فالمرابطون بمثابة الحُرَّاس لحدود البلاد الإسلامية من هجوم المشركين والأعداء المعتدين. وكلما كان الثغر أشدُّ خوفا، واحتمال الخطر عليه من الأعداء أكبر: كانت المرابطة فيه أفضل وأعظم أجرا.
  ثم يقول الشيخ : وأعتقد أن القدس أرض الإسراء والمعراج وأرض فلسطين كلها: داخلة في مُسمَّى الشام، والمرابطة فيها - ولا سيما في عصرنا - من أفضل القُرُبات إلى الله، لأنهم يتعرَّضون لأخطار هائلة لا يتعرَّض لها غيرهم، من قتل للأنفس، واعتقال للشخصيَّات، وسَوْق إلى السجون والمعتقلات، وتدمير للمنازل، وتحريق للمزارع، واقتلاع للأشجار، وامتهان للمقدَّسات، ونزع للملكيَّات، وانتهاك للحُرُمات، وبناء للجدار العازل.
   فلا غرو أن يكون أجر المرابط فيها أكثر وأعظم من غيره. وقد روى عبد الله بن أحمد وجادة عن أبيه، والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي، أن رسول الله   قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرُّهم مَن خالفهم - إلا ما أصابهم من لأواء - حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك". قالوا: وأين هم، يا رسول الله؟ قال: "ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس"( ).
   ومما لا ريب فيه: أن فلسطين كلَّها من أكناف بيت المقدس، بل الشام كلُّها - الأردن وسورية ولبنان - من أكناف بيت المقدس، بل أحسب أن مصر أيضا من أكناف بيت المقدس. ( )
وفي الفصل الثالث يتحدث عن خطر القعود عن الجهاد في سبيل الله فيقول:(ومما يجب التنبيه عليه، ولفت الأنظار إليه، والتحذير منه: خطر القعود عن الجهاد الواجب، وفشوُّ التقاعس عنه بين القادرين عليه. وانتشار الشحِّ الهالع، والجبن الخالع، وفقدان روح الجهاد، ونيَّة الجهاد في الأمة، وشيوع روح الميوعة والطراوة بين أبنائها وشبابها، وانتشار أخلاق الفردية والأنانية، وحبِّ الدنيا، وحبِّ الذات، وانكباب كلِّ شخص على مصالحه وشؤونه الخاصة، وإهمال شأن الأمة. فهذا كله يجسِّد خطرا على الأمة: خطرا على أفرادها، وخطرا على مجموعها، حيث تثَّاقل إلى الأرض، ويغلب عليها الجبن والخَور، والركون إلى الدنيا، وكراهية الموت، والحرص على الحياة، والرضا بحياة الذلِّ والهوان.( )
وفي الفصل الرابع:  يتحدث الشيخ عن استمرار الجهاد ويرد على القاديانية التي أبطلت حكم الجهاد وجعلته خاصا بعهد النبي   وصحابته فيقول : ومما يجب التنبُّه له، والحذر والتحذير منه: ما يحاوله أعداء أمتنا: من تضليلها عن وِجهتها، وتثبيطها عن الجهاد، وإشاعة روح الهزيمة وروح القعود فيها، بوسائل مختلفة، وأساليب شتَّى، كلُّها تصبُّ في تخذيلها، وإماتة روح الجهاد فيها، لتستسلم لهم، وتقعد عن مقاومتهم، وتطهير أرضها من رجسهم، وتحرير رقبتها من نِيرهم. وأدهى من ذلك وأمر: أن يصدِّقها بعض أبنائها والمنتسبين إليها، ويسيروا في ركابها، ويعملوا جاهدين لتحقيق أهدافها، من حيث يشعرون أو لا يشعرون!
   ومن أهم هذه الوسائل والأساليب: ما سمَّوه سياسة (تجفيف المنابع)، ويعنون بها: مصادر التوجيه والتثقيف والتعليم للأمة، عن طريق مؤسسات التربية والتعليم، وعن طريق وسائل الثقافة والإعلام، بتفريغها من كلِّ معاني (الجهاد)، وما يشير إليه من قريب أو بعيد، وما يؤدِّي إليه أو ما يتَّصل به بنسب من العقائد والأخلاق والآداب والأحكام، أو من التاريخ ووقائعه.
  ثم يتحدث الشيخ في الفصل الخامس عن إعداد الأمة للجهاد في سبيل الله تعالى في شتى مجالات الحياة  العسكرية والاقتصادية والثقافية الفكرية والأخلاقية وغير ذلك فيقول : ومن أجل هذا كان واجبا على الأمة أن تقوم بالإعداد اللازم لامتلاك القوة في كلِّ جوانبها. القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والقوة البشرية: المادية والفكرية والإيمانية والأخلاقية. وإعداد الأمة للجهاد الواجب، حتى تكون على أتمِّ الاستعداد لتلبية النداء، عندما يدعو الداعي: أن حيَّ على الجهاد( )
وفي الفصل السادس والأخير من هذا الباب يتحدث عن ضرورة توفير الموارد المالية اللازمة للجهاد في سبيل الله فيقول:
ومما يتمِّم موضوع إعداد الأمة للجهاد: إعداد الموارد المالية اللازمة لنفقات الجهاد والمجاهدين، فمما لا ريب فيه، ولا خلاف عليه: أن الجهاد - بمعنى القتال - يتطلَّب نفقات هائلة، يعرفها الخبراء في هذا الفنِّ، ولا سيما في عصرنا؛ من شراء الأسلحة بأنواعها وألوانها. وفي ضوء الفقه الإسلامي: نجد مصادر عدَّة لتمويل جيش الجهاد، والقوَّات المسلَّحة، من جملة موارد مالية منها:   1- موارد الدولة وبيت المال
2- الزكاة من مصرف (في سبيل الله)
3- الوقف الخيري
4- مساهمات أهل الخير
5- ضريبة الجهاد ترتب على الموسرين
6- المكاسب الخبيثة أو التي فيها شبهة ( ).

















































الفصل السادس: جيش الجهاد الإسلامي: واجباته، وآدابه، ودستوره
    في هذا الباب يعالج فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي مسألة من أهم مسائل الجهاد الإسلامي، وهي مسألة الأخلاق والآداب التي يجب على الجيش المسلم أن يتحلى بها، وهي مسألة يغفل عنها كثير من الناس، حتى يحسب غير المتعمق في أحكام الإسلام وتعاليمه أن الإسلام لا يعرف الجانب الأخلاقي أو الإنساني ولا يعمل له حسابا، وكل ما يشغله هو إراقة الدماء هنا وهناك. 
 والجانب الأخلاقي في غاية الأهمية سواء في العبادات أو المعاملات أو غيرها، وبخاصة في باب الجهاد الذي لا يعرف عند الآخرين إلا لغة الدماء والتدمير والتخريب .
ويقسم الشيخ هذا الباب إلى خمسة فصول:
تتناول واجبات الجيش المسلم قبل المعركة، وعند خوض المعركة، وآداب الجهاد والمجاهدين، والاستعانة بغير المسلمين، والدستور الأخلاقي للحرب في الإسلام.( )
ويتحدث الشيخ في الفصل الرابع عن: الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد
فيقول الشيخ: الحق أن الفقهاء قد اختلفوا كثيرا في هذا الموضوع: ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه لا يجوز الاستعانة بكافر في القتال، لأن الكافر لا يؤمن أن يخون المسلمين أو يغدر بهم، ويطلع عدوهم على عوراتهم والقتال في الإسلام ديني الهدف والصبغة، وهو من أرقى ما يتعبد به المسلم لربه، بل هو أفضل ما يتطوع به، فلا يخلص فيه إلا أهل الدين أنفسهم، والكفر كله ملة واحدة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [الأنفال: 73]، فكيف يخلص كافر في حرب كافر مثله لحساب أهل الإسلام؟!
وحكى في (البحر) عن العترة وأبي حنيفة جواز الاستعانة بالكفار، مستدلين بأن النبي  استعان بصفوان بن أمية يوم حنين، وكان لا يزال على الشرك. وخرجت خزاعة مع النبي  على قريش عام الفتح، وهم مشركون. وفي حديث ذي مخمر: "ستصالحون الروم صلحا آمنا، وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم" الحديث ( ).
ويرجح الشيخ الاستعانة بضوابط وشروط منها:
1-    أن تتحقق الحاجة إلى ذلك، فإذا لم توجد هذه الحاجة، بأن كان المسلمون من العدد والعدة والقوة، بحيث يمكنهم الظفر بأعدائهم... فلا مبرر للجوء إلى ذلك عملا بحديث: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"( ).
2-    الاطمئنان إلى حسن ولاء المستعان به للمسلمين، وعدواته لأعدائهم، وإلا كان أخطر عليهم من عدوهم المحارب.
3-    ألا يكون داعية إلى دينه أو نحلته، فيفسد عقول المسلمين، أو يبلبل أفكارهم، في وقت أحوج ما يكونون فيه إلى صلابة الإيمان، وقوة اليقين، ووحدة الصف.
4-    ألا يكون في مركز قيادي يوجه فيه المسلمين ويأمرهم، ويحركهم كما يشاء، بل يكون تحت سلطان أهل الإسلام.
5-    ومع هذا كله ينبغي أن يقتصر استخدامهم على موضع الضرورة أو الحاجة، أخذا بالحذر، وعملا بالأحوط، مع دوام اليقظة والاحتراس( ).
-    الاستعانة بغير المسلم على المسلم:
أما استعانة المسلم بغير المسلم على أخيه فهذه استعانة لا يتوافر فيها أي شروط مما اشترطه الفقهاء لجواز الاستعانة بغير المسلمين.
أولا: لأنها استعانة بالكافر على المسلم.
وثانيا: أن هذا الكافر غير مأمون على المسلمين، فله مصالحه وأهدافه الاستراتيجية الخاصة في ديار المسلمين.
وثالثا: أنه ليس تحت سلطان المسلمين، ولا خادما لهم، بل الواقع أن المسلمين هم الذين كانوا تحت إمرته وسلطانه.
ورابعا: أن تسمية هذا النوع من التعامل (استعانة بالكافر) هو لون من الخداع للنفس، فالمستعين لا بد أن يكون أصلا، والمستعان به فرعا مكملا. وفي وضع حرب الخليج لم يكن الأمر كذلك البتة. وربما يقال: في الواقع إنه هو الذي استعان بنا، ولم نستعن نحن به. ( )
-    الدستور الأخلاقي للحرب في الإسلام
وفي الفصل الخامس يتحدث الشيخ عن الدستور الأخلاقي للحرب في الإسلام فيقول: الدستور الأخلاقي العسكري في الإسلام دستور شامل متكامل يشمل ثلاثة جوانب:
أولا: أخلاق ما قبل الحرب
ثانيا: الأخلاق أثناء الحرب
ثالثا: أخلاق ما بعد الحرب( ).
وتتمثل أخلاقيات القتال أو الحرب في الإ سلام في المبادئ التالية:
1-    تحريم العدوان
2-    لا يقتل إلا من يقاتل
3-    تحريم المثلة
4-    تحريم الغدر والخيانة
5-    تحريم قطع الشجر وهدم الأبنية
6-    النهي عن النهبة والغلول( ).

















































الفصل السابع : بماذا ينتهي القتال؟
    يتناول الشيخ في هذا الفصل، وهو الفصل السابع   من هذه الدراسة الإجابة عن السؤال السابق: بماذا ينتهي القتال؟، ويرى أن القتال ينتهي بواحدة من خمس؛ إما أن ينتهي اللقاء بغير قتال، كأن ينسحب الفريقان من ساحة المعركة، أو ينتهي بالمصالحة بين الفريقين المتقاتلين، أو ينتهي بدخول الطرف المحارب في الإسلام، أو هزيمة العدو ودفعه الجزية، أو انكسار المسلمين أمام عدوهم، ولكل حالة من هذه الحالات أحكامها.
الاحتمال الأول: أن ينتهي اللقاء بين الطرفين المتحاربين بغير قتال، وينسحب العدو بقواته المسلحة، ولا يبقى مجال للحرب، وهذا ما حدث في (غزوة الخندق) أو (غزوة الأحزاب) الشهيرة بعد أن هاجم المشركون من قريش، وغطفان، وأحابيشهما، ومن والاهما من قبائل العرب: الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في عقر دارهم بالمدينة، وأرادوا بهذا الهجوم المكثف: أن يصفوا المسلمين ويقضوا عليهم قضاء مبرما، وقد أعدوا لذلك العدد والعدة.
وفي هذا يقول القرآن: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ) [الأحزاب: 25]( )
الاحتمال الثاني: المصالحة والمهادنة (قبل المعركة أو بعدها)
وقد تنتهي المعركة بين المسلمين وأعدائهم بالصلح والمسالمة، إذا جنح العدو إلى ذلك، وطالب المسلمين بالصلح والمهادنة، وكف الأيدي عن القتال( )
الاحتمال الثالث: الدخول في الإسلام
   ويمكن أن ينتهي القتال بدخول الخصوم في الإسلام، وذلك بإعلان قبولهم للإسلام دينا، والتزامهم بأركانه وشعائره وشرائعه. وهذه هي الغاية القصوى من القتال، وما قبله وما بعده. فليس للمسلمين أهداف مادية أو دنيوية من وراء القتال، إنما هدفه النهائي أن تكون كلمة الله هي العليا. وقد كان قواد الجيوش الإسلامية، يخيرون مقاتليهم إذا لقوهم في الميدان بين ثلاث أمور: أولها: الإسلام، فإذا قبلوه، فبها ونعمت، وكفوا أيديهم عنهم، فإن أبوا، فالجزية، فإن قبلوها، كفوا عنهم، وانتهى القتال، وإن رفضوا هذه وتلك، فليس إلا القتال( )
الاحتمال الرابع: هزيمة العدو وإعطاء الجزية
ويمكن أن ينتهي القتال بهزيمة الأعداء واستسلامهم للمسلمين، وقبولهم الخضوع لسلطانهم. ودليل الخضوع لهذا السلطان: إعطاء الجزية للمسلمين. كما قال تعالى في قتال أهل الكتاب الذين ذكرهم في سورة التوبة، وجعل غاية القتال: (حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29] ( )
  وبعد أن يتحدث الشيخ عن المراحل السابقة  بالتفصيل يخص الجزية بحديث مفصَّل يتناول الحكمة من تشريعها ، وإمكانية سقوطها أو إسقاطها ، ويجيب عن كافة الشبهات المتعلقة بها( )
الاحتمال الخامس: انكسار المسلمين أمام عدوهم وآثاره
وقد تنتهي المعركة بين المسلمين وأعدائهم بانكسار المسلمين أمام خصومهم، (وكان أمر الله قدرًا مقدورا) [الأحزاب: 38]، والمسلمون مجموعة من البشر، تجري عليهم سنن الله، كما تجري على غيرهم من الأمم، فإذا قصروا في مراعاة السنن أو الأخذ بالأسباب، وإعداد ما استطاعوا من قوة ليرهبوا عدوا لله وعدوهم، أو أخطؤوا في حساباتهم وتقديرهم لقوتهم وقوة عدوهم، أو فوجئوا بهجمة عدو أكثر منهم عددًا وأشد قوة، أو أفتك أسلحة، وأكثر تدريبا واستعدادًا للحرب، ولم يتهيؤوا لملاقاته، أو انحرفوا عن دينهم ومصدر قوتهم، وأصابهم الوهن: حب الدنيا، وكراهية الموت. أو غلبت عليهم العصبيات أو الأهواء، أو الضلالات المختلفة، فتفرقوا شيعا وأحزابا،  أو غير ذلك من الأسباب، مما أدى إلى أن ينكشفوا أمام عدوهم، وأن يتغلب عليهم، فإن سنن الله لا تحابي مسلما ولا غير مسلم، فمن حفظها حفظته، ومن تجاوزها تجاوزته. ( )
ماذا يفعل المسلمون عند ضعفهم أو هزيمتهم أمام عدوهم؟
في جهاد الطلب يجب الانسحاب فور خوف الهلاك:
  فإن كان الجهاد (جهاد طلب)، أي نحن الذين نغزو العدو ونبدؤه بالقتال، كان علينا أن ننسحب إلى الخلف خطوات، ونعود متحيزين إلى دار الإسلام، وخصوصا إذا كان العدو أكثر من ضعف جيش المسلمين، فالتولي من الزحف – أو الانسحاب من المعركة – مشروع في هذه الحالة. بل قد يكون واجبا، إذا كان هناك خطر على الجيش المسلم إذا استمر في القتال.
في جهاد الدفع والمقاومة تبذل المهج ولكن لا تعرض الجماعة للهلاك:
أما إذا كان الجهاد جهاد دفع، أي جهاد مقاومة للعدو الغازي، فهذا جهاد اضطرار، لا جهاد اختيار، هو جهاد مقاومة للوقوف في وجه العدو حتى لا يدخل أرض الإسلام، أو لطرده منها إذا دخل، وفي هذا الجهاد تبذل المهج والأرواح حفاظا على الأرض والعرض، ودفاعا عن الحرمات والمقدسات، ولكن ليس إلى حد تعريض الجماعة كلها للهلاك( )



الفصل الثامن: ماذا بعد القتال؟
   يتناول الشيخ في هذا الباب ـ وهو الباب الثامن من فقه الجهاد ـ الإجابة عن هذا السؤال: ماذا بعد القتال؟، بعد أن تناول في الباب السابق بماذا ينتهي القتال؟ وقد تعرض الشيخ لست قضايا أساسية في هذا الباب وهي: أحكام الأمان والاستئمان، والموقف من أسرى العدو، والموقف من أسرى المسلمين، وغنائم الحرب وأحكامها، ودار الإسلام ودار الحرب، وأهل الذمة: حقوقهم وواجباتهم.
 ففي الفصل الأول من هذا الباب يتحدث عن أحكام الأمان والاستئمان فيقول:
   الإسلام يرتب على إعطاء الأمان للحربي حقوقا كثيرة، ويوفر له حماية لازمة، هي أوسع وأعمق مما توفره القوانين المعاصرة للأجنبي إذا دخل بلاد غيره. وسر ذلك: أن المسلم حين يلتزم بحقوق المستأمن: ينظر إليها على أنها أحكام شريعته وأوامر دينه، وأن في رعايتها ثواب الله، وفي مخالفتها عقاب الله، وفي هذا أكبر حافز على الالتزام بها، والحماس في تنفيذها( ).
ويتناول في الفصل الثاني الموقف من أسرى العدو فيقول :
    إن الإسلام يوجب معاملة الأسرى معاملة إنسانية، تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم، وتصون إنسانيتهم، ويعتبر القرآن الأسير من الفئات الضعيفة التي تستحق الشفقة والإحسان والرعاية، مثل المسكين واليتيم في المجتمع. وقد كثرت عناية القرآن والسنة بهما. يقول تعالى في وصف الأبرار المرضيين من عباده، المستحقين لدخول جنته، والفوز بمرضاته ومثوبته: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ  لاَ  نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً) [الإنسان: 8-9].
   ويخاطب الله نبيه محمدًا عليه الصلاة والسلام في شأن أسرى بدر فيقول: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الأنفال: 70].
فهو يأمره أن يخاطبهم بما يلين قلوبهم، ويجذبهم نحو الإسلام. وفي معركة بدر: سن الرسول  في فداء الأسرى سنة مهمة، وهي: أن يؤدي من ليس لديه مال لفداء نفسه خدمة مناسبة للمجتمع المسلم، يقدر عليها الأسير، ويحتاج إليها المسلمون.
   ومن أجل هذا شرع الرسول الكريم لمن كان يعرف الكتابة من أسرى المشركين: أن يكون فداؤه (تعليم عدد) من أولاد المسلمين الكتابة. ولم يخش النبي  على أبناء المسلمين من تأثير هؤلاء المشركين على عقول الصغار من ذراري المسلمين، فإن محو الأمية لا يحمل معه فكرا ولا اعتقادًا، ثم هم في قلب المجتمع المسلم، وتحت رعايته وإشرافه ورقابته ( ).
ويتناول في الفصل الثالث الموقف من أسرى المسلمين، ويبدأ هذا الفصل بالإجابة عن هذا السؤال هل يجوز للمسلم المقاتل أن يستأسر (يقبل الأسرى)؟
 ويجيب أنه يجوز للمقاتل المسلم أن يستسلم ويدخل في أسر الكافر، إذا رأي في ذلك المصلحة له ولأمته، كما له أن يرفض الأسر والاستسلام، ويستبسل في القتال ولو مات، فموته في سبيل الله.
ويوجب على الأمة أن تبذل كل ما تملك في سبيل فك هؤلاء الأسرى سواء أكانوا مسلمين أم ذميين يحاربون مع المسلمين وتحت رايتهم( )
ويتحدث في الباب الرابع عن غنائم الحرب وأحكامها
   ويفرق الشيخ هنا بين طبيعة الحرب في العصر النبوي وما تلاه حيث كان يجهز المحارب نفسه بالسلاح، والطعام، وكل ما يحتاج إليه، وبين طبيعة الحرب في العصر الحاضر الذي تتكلف الدول فيها المبالغ الطائلة، ويرى أن تقسيم الغنائم في العهد النبوي كان مرتبطا بظروف الحرب في هذا العصر.
 وبهذه الصورة تغير الوضع تماما عما كان عليه من قبل، وهذه الأحكام ليست تعبدية محضة، بل هي أحكام مفهومة مربوطة بعللها وأسبابها، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما. وقد قرر الإمام الشاطبي في (موافقاته) قاعدة مهمة هنا، وهي: أن الأصل فيما يتعلق بالعبادات الشعائرية، هو التعبد بها، والتقيد بنصوصها، دون الالتفات كثيرا إلى العلل والمقاصد المربوطة بها. بخلاف ما يتعلق بالعادات والمعاملات وشؤون الحياة، فالأصل فيها هو: النظر إلى العلل والمعاني والمقاصد من ورائها( )
ويتناول في الفصل الخامس مفهوم دار الإسلام ودار الحرب، ويرد هنا على مسألة مهمة شاعت بين بعض الفقهاء المعاصرين وكثير من المثقفين وهي أن تقسيم الدور من بدائع صنع الفقهاء وليس لهم عليه دليل! فيقول الشيخ : إن اتهام الفقهاء بذلك من العلمانيين والمستشرقين، يمكن أن يفهم، أما أهل الفقه فلا يجوز أن يصدر هذا منهم.
-    أصل فكرة التقسيم في القرآن الكريم:
والحقيقة: أن الناظر المتأمل في القرآن الكريم يجد فيه إشارات إلى هذا التقسيم يمكن أن يلمحها في قوله تعالى في سورة النساء: (وَمَا  كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) [النساء: 92].
فذكرت الآية الكريمة ثلاثة أصناف من المقتولين خطأ، وبينت حكم كل منهم. فهناك من قتل خطأ من المؤمنين بين المؤمنين، وبعبارة أخرى: (في دارهم) وهو الذي قال الله فيه: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا) [النساء: 92].
وهناك من قتل من المؤمنين خطأ، ولكنه لا يعيش بيننا، ولكنه يعيش في مجتمع آخر: مجتمع معاد لنا، فهذا تجب في قتله كفارة، وهي حق الله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) ولا تجب له الدية، لأنه يعيش في دار أخرى، ومجتمع آخر معاد لنا، وبعبارة أخرى: في دولة معادية، ولذا قال: (فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) [النساء: 92]، ولم تجب له الدية، لأن إعطاء الدية لأهله وهم في دولة معادية يقويهم على المسلمين. 
وهناك صنف ثالث نصت عليه الآية، وهو من كان يعيش في مجتمع آخر، ولكنه ليس مجتمعا معاديا لنا ولا محاربا لأمتنا، بل بينه وبيننا ميثاق وعهد، يقوم على عدم الاعتداء، أو التعايش السلمي، أو التضامن في السلم والحرب أو غير ذلك. فهذا فيه ما في الصنف الأول من وجوب الدية والكفارة، وفيه تقول الآية:(وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ) [النساء: 92].
   وهناك آيتان أخريان في أواخر سورة الأنفال، تشيران أيضا إلى هذا التقسيم، وهي قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِير) [الأنفال: 72- 73].
ففي هذا النص انقسم الناس إلى فئات وأصناف:
1-    المؤمنون الذين تضمهم دار الإسلام من المهاجرين والأنصار.
2-    المؤمنون الذين بقوا في دارهم، وهي دار معادية للمسلمين، ولم يهاجروا إلى دار الإسلام.
3-    الكفار الذين بينهم وبين المسلمين ميثاق.
4-    الكفار الآخرون الذين لم يرتبطوا مع المسلمين بأي عهد أو ميثاق ( ).
-    أصل الفكرة في السنة وهدي الصحابة:
  إلى جوار هذه الإشارات القرآنية، نجد إشارات – بل عبارات – أخرى في السنة النبوية، وآثار الصحابة، تتحدث عن دار الإسلام، ودار الهجرة( ).
-    التكييف الفقهي لعالمنا اليوم:
   والسؤال المهم هنا: كيف نصنف عالمنا اليوم؟ أيوجد فيه دار إسلام، ودار حرب، ودار عهد. أم إن هذا التقسيم ألغي نهائيا، كما يذهب إلى ذلك بعض العلماء والباحثين المعاصرين؟
في رأي: أنه لا يزال هنا مجال لهذا التقسيم، فلا نستطيع أن نقبل قول من قال: إن دار الإسلام قد انتهت، ولم يعد لها وجود في عالمنا، لأن عالمنا الجديد – في عصر العولمة – لم يعد مقسما على أساس ديني. وهذا غير مسلم تماما، فإذا كان الآخرون قد نفوا الدين من حياتهم ودساتيرهم، فنحن لم ننف ذلك، ولا يجوز لنا أن ننفي، ما دام الإسلام يمثل عقيدتنا وشريعتنا، وعليه تقوم هويتنا، واليه تعود مرجعيتنا.
-    جميع البلاد الإسلامية تعتبر (دار إسلام):
والذي أراه وأطمئن إليه: أن جميع البلاد التي تسمى الآن (البلاد الإسلامية) والتي تسكنها غالبية مسلمة: تعد كلها من (دار الإسلام) وإن كان بعضها لا يحتكم في كل أموره إلى شريعة الإسلام. بل ربما أعلن بعضها العلمانية جهارا، مثل تركيا، منذ حكمها كمال أتاتورك. وحسبنا: أن هذه البلاد إسلامية الأصل، وأن هذه البلاد إسلامية تاريخيا أيضا، وأن سكانها مسلمون في أغلبيتهم على الأقل، وأن حكامها أيضا مسلمون رسميا على الأقل ( ).
-    العالم كله دار عهد بالنسبة للمسلمين (ما عدا الكيان الصهيوني)
كما أن سائر العالم بالنسبة لنا – نحن المسلمين – يعتبر (دار عهد) فيما عدا دولة الكيان الصهيوني إسرائيل، فنحن نرتبط مع هذا العالم من حولنا بـ(ميثاق الأمم المتحدة) بوصفنا نحن المسلمين جميعا أعضاء في هذه الهيئة.
-    إسرائيل وحدها هي دار الحرب:
بقيت دولة واحدة بالنسبة لنا نحن المسلمين، نعتبرها (دار حرب)، لنا، وهي دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل)، التي اغتصبت ديارنا بالمكر والقوة الغاشمة، فلم يكن لها قبل قرن من الزمان أي وجود يذكر في أرض النبوات، أرض الإسراء والمعراج، أرض فلسطين. من أجل ذلك يعتبر الفقه الإسلامي (إسرائيل) بالنسبة للمسلمين (دار حرب) لأنها احتلت قطعة من أرضهم واستعمرتها استعمارا استيطانيا إحلاليا، حيث طردت أهلها وحلت محلهم بالقوة والاغتصاب. وفرض على المسلمين أن يستردوا هذه القطعة من أرضهم، ويعيدوها إلى أهلها. وتقع الفريضة على أهل فلسطين أولا، فإذا عجزوا انتقلت الفرضية إلى جيرانهم الأقرب فالأقرب، حتى يشمل المسلمين كافة. ( )
وفي الفصل السادس من هذا الباب يتناول حقوق أهل الذمة (أو المواطنين من غير المسلمين) ويذكر هذه الحقوق وهي:
1-    الحماية من الاعتداء الخارجي .
2-    الحماية من الظلم الداخلي
3-    حماية الدماء والأبدان
4-    حماية الأموال
5-    حماية الأعراض
6-    التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر
7-    حرية التدين وبناء الكنائس في الإسلام
8-    حرية العمل والكسب
9-    حرية الإقامة والتنقل
10-    تولي وظائف الدولة إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحو ذلك ( ).
ثانيا: واجبات أهل الذمة أو (المواطنين من غير المسلمين)
تنحصر واجبات أهل الذمة في أمور معدودة، هي:
1-    أداء الجزية والخراج والضريبة التجارية، وهذه هي واجباتهم المالية.
2-    التزام أحكام القانون الإسلامي في المعاملات المدنية ونحوها.
3-    احترام شعائر المسلمين ومشاعرهم.( )
























الفصل التاسع: القتال داخل الدائرة الإسلامية
  يتناول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في هذا الباب قضية من أخطر القضايا وهي قضية الاقتتال داخل الدوائر الإسلامية، وهي بلا شك أخطر بكثير من الاقتتال الخارجي الذي يوحد المسلمين، ويقوي رابطتهم، ويؤلف بين قلوبهم، أما الاقتتال الداخلي فهو يدمر الأمة من داخلها، ويجعل بأسها شديدا بينها، ضعيفا على أعدائها، حتى يصل بهم الأمر ـ كما نرى في أماكن كثيرة من بلادنا العربية والإسلامية ـ أن بعض المسلمين أذلة على الكافرين أعزة على المسلمين، رحماء إن تعاملوا مع أعدائهم أشداء فيما بينهم، وكأنهم عكسوا مراد الله من هذه الأمة (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ..) محمد: 29 . (...أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ...) المائدة: 54.
ويقسم الشيخ هذا الباب إلى تمهيد وثلاثة فصول، يتحدث في التمهيد عن القتال داخل الدائرة الإسلامية، وفي الفصل الأول عن الاقتتال بين الدولة الإسلامية، وفي الفصل الثاني عن قتال الفئة الباغية أو (الخارجين على الدولة)، وفي الفصل الثالث عن القتال ضد الأنظمة الحاكمة.
-    القتال داخل الدائرة الإسلامية
وهذا الاقتتال بين الدول أو البلاد الإسلامية بعضها وبعض له صور متعددة، كلها مرفوض في نظر عقيدة الإسلام، وشريعة الإسلام، وأخلاق الإسلام. نذكر منها:
1-    قتال العصبية.   
2-    قتال التنازع على الحدود الإقليمية.   
3-    القتال على الملك.
4-    القتال المذهبي أو الطائفي( )
وفي الفصل الثاني يتحدث الشيخ عن : قتال الفئة الباغية أو الخارجين على الدولة، فيقول :
   المراد من قتال البغاة: قتال الإمام العادل، للفئة الباغية عليه، أو الباغية على فئة أخرى من المسلمين، أو الفئتين الباغيتين كل منهما على الأخرى.فإن مما شرعه القرآن من القتال الداخلي: قتال الفئة الباغية، أي المعتدية على غيرها بغير حق، ولا سيما البغي على الإمام العادل المطاع.
ويذكر الشيخ شروطا، وضوابط لا بد أن تراعى قبل قتال أهل البغي منها:
1- إزالة المظالم وإزاحة الشبهات قبل القتال.
2- وجوب دفعهم بالأسهل من الوسائل.
3- لا يقتل من لا يقاتل.
4- لا يقاتل البغاة بما يعم إتلافه.
5- لا يستعان بالكفار على البغاة.
6- لا يقاتل قوم على مجرد رأيهم ما لم يشهروا السلاح.
7- لا اتباع المدبر ولا إجهاز على جريح ولا قتل لأسير.
8- لا يجوز غنيمة أموالهم ولا سبي ذريتهم .
9- الصلاة على المقتول من البغاة ودفنه في مقابر المسلمين( )
     الحكم التكليفي للبغي:
هل البغاة فاسقون أو مخطئون؟
    يقول ابن قدامة في (المغني): (والبغاة – إذا لم يكونوا من أهل البدع – ليسوا بفاسقين، إنما هم مخطئون في تأويلهم. والإمام وأهل العدل مصيبون في قتالهم. فهم جميعا كالمجتهدين من الفقهاء في الأحكام من شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلا. وهذا قول الشافعي. ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافا. وأما الخوارج وأهل البدع إذا خرجوا على الإمام، فلا تقبل شهادتهم، لأنهم فساق. (يعني: فسق الاعتقاد والتأويل لا فسق العمل والسلوك).
وفي الفصل الرابع يتحدث الشيخ عن القتال ضد الأنظمة الحاكمة فيقول:
    من أنواع الجهاد المختلف فيها: ما اشتهر في العقود الأخيرة من (قتال الأنظمة الحاكمة) التي تحكم كثيرا من بلاد المسلمين، وذلك بالخروج المسلح عليها، أو استخدام العنف ضدها، أو ضد رجالها، أو مؤسساتها وبعض مصالحها.
بدأت هذه الجماعات العنف في داخل أوطانها أنفسها، أي العنف ضد الأنظمة الحاكمة. وبررت هذا العنف بعدة تبريرات منها: 
1-     تكفير الحكومات القائمة.
2-     فتوى ابن تيمية في قتال كل فئة تمتنع عن أداء شريعة ظاهرة متواترة من الإسلام.
3-     حكومات مفروضة على الأمة قسرا.
4-     حكومات تقر المنكر وتحل ما حرم الله ( ) .
-    التوسع في التكفير.
   بعض هذه الجماعات تنظر إلى المجتمع كله: أنه يأخذ حكم هذه الأنظمة التي والاها ورضي بها، وسكت عنها، ولم يحكم بكفرها، والقاعدة التي يزعمونها: أن من لم يكفر الكافر: فهو كافر! وبهذا توسعوا وغلوا في (التكفير) وكفروا الناس بالجملة....
-    استباحة حرمات أهل الذمة.
كما يرون بالنظر إلى الأقليات غير المسلمة: أنهم نقضوا العهد، بعدم أدائهم الجزية، وبتأييدهم لأولئك الحكام المرتدين، وأنظمتهم الوضعية، ولرفضهم للشريعة الإسلامية.
-    استحلال دم المستأمنين من السياح وغيرهم.
    هم يرون: أن السياح وأمثالهم، الذين يدخلون بلاد المسلمين بتأشيرات رسمية، وترخيصات قانونية، والذين يعدهم الفقهاء (مستأمنين) ولو كانت دولهم محاربة للمسلمين، يرون هؤلاء مستباحي الدم، لأنهم لم يأخذوا الإذن من دولة شرعية، ولأن بلادهم نفسها: محاربة للإسلام، فلا عهد بينهم وبين المسلمين، والواجب: أن يقاتل هؤلاء ويقتلوا، فلا عصمة لدمائهم وأموالهم!! ( )
ثم يذكر الشيخ جوانب الخلل في فقه العنف ، وأنه يتمثل في عدة جوانب:
1-    خلل في فقه الجهاد ، والعلاقة بغير المسلمين وخصوصا أهل الذمة.
2-    خلل في فقه تغيير المنكر .
3-    خلل في فقه الخروج على الحكام .
4-    خلل في فقه التكفير ( ).
-    الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله.
   ثم يتطرق الشيخ إلى الحديث عن حكم الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله تعالى وهم في عالمنا العربي والإسلامي كثير، بعضهم نفض يده من الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا ، ولم يبق منها على شيء وبعضهم تعلق بأجزاء من الشريعة الإسلامية لا يتعارض تطبيقها مع مصالحه وبقائه في منصبه، فيقول: والحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله، أو بكل ما أنزل الله: هل هم كفرة خارجون من الملة أو فسقة عصاة، ولكنهم باقون في الملة؟ رأى الخوارج ومن وافقهم قديما وحديثا: أنهم كفرة كفرا مخرجا من الملة، كما تدل عليه ظواهر النصوص، مثل قوله تعالى: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ) [المائدة: 44]، (فَلاَ وَرَبِّكَ  لاَ  يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ  لاَ  يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 65].
   وهذا هو تفكيرهم، وفق مبدئهم العام في تكفير مرتكب الكبيرة. ورأي أهل السنة: أن الكفر هنا هو: الكفر الأصغر، كفر المعصية، لا كفر العقيدة، فهم يؤمنون بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، ولكنهم غلبتهم شهواتهم، وضعف أنفسهم، وحبهم للدنيا، فتركوا كثيرا مما أنزل الله، اتباعا للهوى، أو إرضاء لسادتهم من الغربيين وأمثالهم، أو لغير ذلك من الدوافع. شأنهم شأن من يزني من الأفراد، أو يشرب الخمر، أو يأكل الربا، أو يأكل مال اليتيم، ونحو ذلك، اتباعا لشهواته، وإيثارًا لدنياه على آخرته( ).
-    وقفة مع الحكام المعاصرين
   بقي أن يقال هنا: إن جماعات العنف ترى أن الحكام الحاليين قد ارتكبوا (كفرا بواحا عندهم فيه من الله برهان): حينما عطلوا بعض أحكام الشرع عمدا، مثل إقامة الحدود، ومثل تحريم الربا، وأحلوا ما حرم الله جهارا، مثل إباحة الخمر، ومثل نشر الخلاعة في أجهزة الإعلام المختلفة، بل إن بعضهم ليحارب المرأة المحتشمة، ويعتبر لبسها الخمار جريمة، في حين يطلق العنان للكاسيات العاريات، أو العاريات غير الكاسيات، ومنهم: من يعتبر الدعوة إلى تحكيم الشريعة جريمة مخالفة للدستور، ويسوق دعاتها إلى المعتقلات أو المحاكم العسكرية. إلى غير ذلك مما يعلمه الخاص والعام.وأحب هنا أن أفرق بين نوعين من الحكام في ديار الإسلام:
النوع الأول: هو الذي يعترف بالإسلام دينا للدولة، وبالشريعة مصدرا للقوانين، ولكنه مفرط في تطبيق الشريعة في بعض الجوانب، فهذا أشبه بالمسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويلتزم بأحكام الإسلام عامة، ولكنه يرتكب بعض الكبائر: من فعل محظور، أو ترك مأمور، فالخوارج، ومن وافقهم يكفرونه، وأهل السنة وجمهور المسلمين يعتبرونه مسلما عاصيا، غير خارج من الملة، ما لم يستحل ذلك، أو ينكر معلوما من الدين بالضرورة، وجل الحكام من هذا النوع.
والنوع الثاني: هو العلماني المتطرف، الذي يجاهر بالعداوة لشريعة الإسلام، ويسخر منها، ويعتبرها مناقضة للحضارة والتقدم، فهو يرفض الشريعة رفضا، فهو أشبه بإبليس الذي رفض أمر الله بالسجود لآدم، ووصفه القرآن بأنه: (أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ) [البقرة: 34]. وقليل من الحكام: هم الذين يمثلون هذا النوع، الذي يباهي بعدواته لشريعة الله، ويستحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، ويسقط ما فرضه الله، ويتبع غير سبيل المؤمنين، بل يتبع سبيل المجرمين، ويعمل جاهدا في تجفيف ينابيع التدين في أنفس جماهير المسلمين وفي حياتهم، ويجاهر بذلك ويتبجح.
   وهؤلاء هم الذين يجب مقاومتهم والخروج عليهم، ولكن هذا كله مقيد بحدود القدرة والإمكان، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وكثير ما يؤدي استعمال القوة في غير موضعها إلى كوارث كبيرة، ربما عاقت العودة إلى الشريعة، زمنا قد يقصر أو يطول.
     والأولى بالمسلمين هنا: أن يتفقوا على آليات سلمية للتغيير، ويستفيدوا مما وصل إليه العالم عن طريق الوسائل الديمقراطية في التغيير، أو أي طرق أخرى لا تترتب عليها فتنة في الأرض وفساد كبير. والمؤمن يلتمس الحكمة من أي وعاء خرجت. ولا حرج على المسلمين أن يقتبسوا من الوسائل عند غيرهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ما دامت هذه الوسائل غير مخالفة لنصوص الشرع ولا قواعده، بل هي من (المصالح المرسلة) التي تتحقق بها مقاصد الشريعة ومنافع الناس( )















































الفصل العاشر : الجهاد وقضايا الأمة
  هذا هو الباب الأخير في كتاب فقه الجهاد لفضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، ويشتمل على ستة فصول، ويتناول فيه القضايا التالية:
1- الجهاد والإرهاب.
2- حقيقة المعركة بيننا وبين الكيان الصهيوني.
3- علاقتنا بالنصاري: حوار أم صدام؟
4- علاقة المسلمين مع الوثنيات الشرقية (الهندوسية والبوذية).
5- صدام جماعات الجهاد مع الحكومات وآثاره.
6- الجهاد الواجب على الأمة في هذا العصر.
وأبرز ما جاء في هذا الفصل بعد حديث الشيخ عن الإرهاب وأنواعه، وعلاقته بالجهاد  حديثه عن  العمليات الاستشهادية، وأنها  ليست إرهابا ولا انتحارا
 وهذه القضية من أخطر القضايا التي أثيرت في السنوات الماضية؛ وهي قضية العمليات الاستشهادية من الفصائل الفلسطينية، هذه المسألة التي أثيرت حولها شبهات متعددة، فتارة يقولون إنها إرهاب، وتارة أخرى يقولون إنها انتحار محرم ، وتارة يقولون إنها تضر بمصالح القضية الفلسطينة.
 وكان فضيلة الشيخ العلامة هو الفارس البارز في هذا الميدان قبل طباعة هذا الكتاب فقد نشر فتواه المطولة المؤصلة على موقع إسلام أون لاين ، ـ وكان لي شرف الإشراف على قسم الفتوى وقتها، فأزال الشبهات بحجة ومنطق لا يمكننا الاستدراك عليه، ونفى أن تكون إرهابا أو انتحارا، أما أنها تعود عليهم بالضرر أو النفع فترك الأمر لأهل الحل والعقد من الفلسطيننين أنفسهم فهم أدرى وأولى بمعرفة هذا الضرر إن كان واقعا .
  وقد سمعت كثيرا من قادتهم أن الفترات التي يمارسون فيها العمليات الاستشهادية يخف الضغط والقتل من جانب اليهود الغاصبين، وفي الفترات التي يتم وقف العمليات الاستشهادية يكون العدوان أكثر وأضخم. وهذا شجاعة ليست غريبة عن الشيخ، وليس غريبا عنها، فهذا كان ظن المسلمين فيه، وهو لم يخيب ظنهم حتى لو اتهم هو بالإرهاب والتطرف ، فإن هذا إن كان من أعداء الأمة الإسلامية فهو شرف يستحقه الشيخ ( ) .
-    حقيقة المعركة بيننا وبني الكيان الصهيوني
   يتحدث الشيخ في الفصل الثاني عن حقيقة المعركة بيننا وبني الكيان الصهيوني ويتساءل هل نعادي إسرائيل لأنها سامية؟والجواب: أن هذا أبعد ما يكون عن تفكير المسلمين، ولا يتصور أن يرد هذا بخواطرهم؛ لسببين أساسيين:
الأول: أننا – نحن العرب – ساميون، ونحن مع بني إسرائيل في هذه القضية أبناء عمومة، فإذا كانوا هم أبناء إسرائيل – وهو يعقوب – ابن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام، فنحن أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
والثاني: أن المسلمين عالميون إنسانيون بحكم تكوينهم العقدي والفكري، وليسوا ضد أي عرق من العروق أو نسب من الأنساب، وقد علمهم دينهم أن البشرية كلها أسرة واحدة، تجمعهم العبودية لله، والبنوة لآدم( ).
-    هل نعادي إسرائيل لأنها يهودية؟
  إذا كانت (السامية) ليست واردة في أسباب حربنا وعدواتنا لإسرايل، فكذلك (اليهودية) باعتبارها ديانة ليست هي السبب إن اليهودية في نظر المسلمين (ديانة كتابية) من الديانات السماوية، جاء بها رسول الله موسى، الذي اصطفاه الله برسالاته وبكلامه، وأنزل عليه التوراة فيها هدى و نور، وهو من أولى العزم من الرسل ( ).
-    السبب الحقيقي لمعركتنا مع اليهود.
   الواقع أن المعركة بدأت بيننا وبين اليهود، بسبب واحد لا شريك له، وهو: أنهم اغتصبوا أرضنا – أرض الإسلام، أرض فلسطين – وشردوا أهلنا، أهل الدار الأصليين، وفرضوا وجودهم الدخيل بالحديد والنار، والعنف والدم.
وهذا لا ينفي الطابع الديني عن المعركة فالمعركة – وإن كانت من أجل الأرض – لها بواعثها الدينية، وأهدافها الدينية. فكل معركة يدخلها المسلم للدفاع عن حق، أو لمقاومة باطل، أو لإقامة عدل، أو للثورة على ظلم، فهي معركة دينية، لأنها معركة في سبيل الله.
   وفي الفصل الرابع يتحدث الشيخ عن علاقة المسلمين مع الوثنيات الشرقية (الهندوسية والبوذية)، وهل تأخذ أحكام أهل الكتاب أم أن لها أحكاما مختلفة فيقول :  والذي أقرِّره ابتداء: أن دعوة الإسلام إلى السلم دعوة عالمية عامة، تشمل الوثنيين على اختلاف مِللهم ونِحلهم، كما شملت أهل الكتاب.
وأساس ذلك من مصادر الإسلام وتعاليمه:
1-    أن الله تعالى أرسل نبيه محمدا رحمة للعالمين، وليس رحمة لأهل الكتاب دون غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، فلا بد أن تشملهم هذه الرحمة العامة، كما شملت غيرهم، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].
2-    أن النصوص النبوية والقرآنية التي وضعت أسس العلاقات بين المسلمين وغيرهم جاءت عامة لم تخصص بأهل الكتاب ( ).
ويتحدث الشيخ في الفصل الرابع من هذا الباب عن صدام جماعات (الجهاد) مع الحكومات وآثاره، فيتحدث الشيخ هنا عن جماعات العنف التي نشأت في الثمانينات من القرن الماضي، كما يتحدث عما انتهت إليه فيقول:
   لقد أعلنت جماعات (الجهاد) ومَن في حكمها، مثل: جماعة التكفير، والجماعات الإسلامية، والسلفية الجهادية، انتهاء بـ(تنظيم القاعدة): الحرب على الحكومات القائمة، واختارت أسلوب الصدام المسلَّح، ولم تكتفِ بالبيان والبلاغ، أو التربية والتوجيه، أو أسلوب التغيير السلمي بالكفاح الشعبي في الجامعات والنقابات، والمساجد، والتغيير الفكري والثقافي والنفسي والأخلاقي، والكفاح السياسي بدخول حَلْبة الانتخابات ودخول البرلمان، لمقاومة التشريعات المخالفة للإسلام، أو لحريات الشعب ومصالحه.
   ولما كانت هذه الجماعات لا تملك القوة العسكرية المكافئة أو المقاربة لقوة الحكومات، فقد اتَّخذت أساليب في المصادمة تتَّفق مع إمكاناتها ، منها: أسلوب الاغتيال للمسؤولين والشخصيات الكبيرة. ومنها: أسلوب التخريب للمنشآت الحكومية. وقد انتصرت الحكومات دائما على جماعات العنف التي لم تكسب شيئا، بل خسرت على عدَّة مستويات:
1-    مستوى الخسائر الشخصية، فكثيرا ما يُقتل هؤلاء الشباب ومَن لا يُقتل منهم يساق إلى السجون، ويقضي سنين كثيرا ما تطول، ويتعرَّض للأذى البدني والنفسي.
2-    مستوى الخسائر للدعوة الإسلامية نفسها، في الداخل والخارج.
3-    إعطاء الذريعة لضرب التيار الإسلامي كلِّه.
4-    خسائر على مستوى الوطن، بشغل بعضه ببعض، وضرب بعضه ببعض( ).
  وأخيرا يتحدث الشيخ في الفصل السادس والأخير من هذه الدراسة الممتعة  عن الجهاد الواجب على الأمة في هذا العصر فيقول :
  الواقع أن ثمة مجالا رحبا للجهاد والمجاهدين في عصرنا، لم يقُم المسلمون بحقِّه كما ينبغي، وهو مطلوب منهم طلبا مؤكَّدا، يكاد يصبح فرض عين على الأمة كلَّها. لأن فروض الكفاية إذا تعطَّلت: أثمت الأمة جميعا، وتوجَّه طلب تحقيق الفرض المضيَّع إليها جميعا. وهذا الجهاد قطعا فرض عليها جميعا بالتضامن في المسؤولية. وسنعرض هنا لثلاثة أنواع من الجهاد كلُّها فرائض واجبة على الأمة في هذا العصر.
1-    جهاد التحرير من الاستعمار (وفي مقدمته تحرير فلسطين).
2-    جهاد التغيير للأنظمة الكافرة.
3-    جهاد تبيلغ الدعوة للعالم ( ).


























الخاتمة
    بعد هذه الجولة الشاقة والممتعة في آن واحد  في هذا السفر الجليل  أحسب أن الشيخ قدم شيئا ذا بال في مجال فقه الجهاد والأحكام المتعلقة به ، وما يميز الشيخ ـ أمد الله في عمره ومتعه بوافر الصحة والعافية ـ أنه كالنائحة الثكلى لا المستأجرة، فهو إذ يتحدث عن الجهاد يتحدث عن شيء عاشه وعايشه، وبذل فيه ثمرة شبابه ، وخبرة شيخوخته ، فهو ليس منظرا عاديا يتحدث عن الشيء من واقع قراءاته فقط بل من واقع خبرته وتجاربه كذلك .
   والشيخ  - حفظه الله – كتب هذا الكتاب في ظروف بالغة الصعوبة ، ولولا ما تميز به الشيخ من صلابة في الحق ، وقوة في الحجة، وإخلاص للعلم ، وتعال على ذهب المعز وسيفه لجنح بهذا الكتاب لا قدر الله إلى ما لاتحمد عقباه، فعلى الرغم من حاجة المكتبة الإسلامية إلى الكتاب إلا أننا كنا نخشى لو تصدى لهذا الموضوع  أحد العلماء فربما يتأثر بحالة الضعف التي تعيشها الأمة الإسلامية عامة، والعربية خاصة، هذا الضعف الذي يتناول كافة المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية.
  لكن الله أعلم حيث يجعل رسالته، فقيض لهذا الموضوع الخطير رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم ، لا يخضع إلا للحق ، ولا يقنع بغير الدليل ، ولا يغازل بهذا الكتاب حاكما ولا محكوما .
 فآفة  كثير من العلماء مردها إلى أحد أمرين :
الأمر الأول : إما أنه يخاف من السلطان الجائر  فهو يدور في فلكه، فلا يستطيع إغضابه، ولا يجرؤ على كلمة حق عند سلطان جائر ، وبالتالي فهو بين أمرين أحلاهما مر ، إما أن يسكت عن الحق أو ينطق بالباطل .
الأمر الثاني: الخوف من العوام، والخشية من المجتمع الذي يخلط بين العرف والعادة وبين الشرع، فلا يكاد يميز بينهما ، وليس عنده استعداد أن يغير عاداته ومألوفاته حتى لو كانت تخالف مقاصد الشريعة العامة، ويخشى العالم لو نطق بالحق أن ينصرف عنه الناس، وتخفت عنها الأضواء، ويعيش في عزلة لا يعرف كيف يقطعها، وبالتالي هو يعرف الحق ويؤمن به لكنه لا يستطيع أن يجهر به خوفا من سلطان العرف ، وبطش العادات والتقاليد والمألوف .
والحمد لله قد عفا الله شيخنا من هاتين الآفتين ، فهو لا يخشى السلطان ولا يخشى العوام ، ولا ينشغل إذا قبل الناس قوله فأقبلوا عليه ، أو رفضوه فانصرفوا عنه. ولذلك نجد بعض الفتاوى الجديدة على المثقف تصدمه في أول الأمر؛ لكنه سرعان ما يرجع إلى الحق أو يراجعه خاصة إن لم يكن متعصبا لرأي بعينه فلا يملك إلا احترام رأي الشيخ سواء عمل به أو لم يعمل لقوة دليلة ونقاء حجته .
   وقد حدث لنا هذا كثيرا أثناء عملنا في الفتوى عبر موقع إسلام أون لاين ، فصدمتنا بعض الفتاوى، منها مصافحة الرجل للمرأة، ومنها فتاوى الغناء وما يتعلق بها، ومنها إسلام المرأة دون زوجها وما يترتب على هذا من أحكام ، ومنها مشاركة المسلم الأمريكي في الحرب على أفغانستان( ) وغيرها، وبعض هذا الفتاوى اقتنعنا بها بعد القراءة الثانية أو الثالثة، أو بعد معرفة وفهم الواقع والسياق التي كتبت فيه ، وبعضها لم نستوعبه حتى الآن ، لكننا لا نملك إلا الاحترام والتقدير لصاحب الفتوى، لأنه صاحب منهج ، لا صاحب هوى .
قد وفق الله تعالى الشيخ لمعالجة قضايا جديدة كانت غائبة عن كثير من المسلمين منها :
1-    توسيعه لمفهوم الجهاد وعدم قصره على القتال فقط، وهذا يتيح الفرصة لكل مسلم ومسلمة أن يجد له مكانا يستطيع أن يجاهد فيه، بخلاف القتال أو الجهاد العسكري الذي لا يقوى عليه إلا فئة قليلة من المسلمين، ونستطيع القول إن الجهاد بمفهومه الشامل  فرض عين على كل مسلم ومسلمة، أما القتال فهو فرض كفاية إذا قام به من يقدر عليه سقط عن الباقين .
2-    ما كتبه حول حكم الجهاد  بمعناه الضيق أي القتال وأنه فرض كفاية ، وأنه ليس غاية في ذاته بل هو وسيلة لإعلاء كلمة الله ، ونشر دعوة الله ، فإن وجدنا وسيلة أخرى لتوصيل دعوة الله إلى الناس كافة فلسنا متعطشين لإراقة الدماء ، ولا مغرمين بالقتل وإزهاق النفوس، ومن ثمَّ فالأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هي السلم وليس الحرب، وهذه أفكار جديرة بالتأمل والفهم .
3-    حديثه عن جهاد الاستبداد في الداخل وأنه مقدم على قتال المستعمر الخارجي كلام دقيق، وفهم راق لا يأتي إلا من الشيخ وأمثاله، ولعل هذا هو ما ذكره المفكر مالك بن نبي عندما تحدث عن قابلية الشعوب للاستعمار.
4-    كلامه عن احترام المواثيق والمعاهدات الدولية بشأن الأسرى والرقيق وغير ذلك كلام موفق وإن كان القائمون على أمر هذه الهيئات لا يحترمونها إلا إن كانت في صالحهم ، ويوجهونها لخدمة أهدافهم ، لكننا أصحاب قيم ومبادىء والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها، وقد يأتي  زمان يكون للمسلمين الكلمة العليا على الناس فيصلحوا من شأن هذه المؤسسات ويجعلونها خالصة لنصرة المظلوم والوقوف في وجه الظالم.
5-    كلام الشيخ عن الجهاد المدني يعتبر إضافة لما كتبه العلامة ابن القيم رحمه الله في توسيع مفهوم الجهاد في سبيل الله تعالى .
6-    تقسيمه للدور ودفاعه عن تقسيم الفقهاء القدامى ، ومحاولة إنزال الأحكام الفقهية على الواقع المعاصر، وتكييفه لعلاقتنا بدولة الكيان الصهيوني الغاصب المحتل، وغيره من الدور كلام فقيه عاقل ، ومفكر محترف يعرف الواقع جيدا، ويعرف الأحكام الفقهية، ويعرف كيف ينزل الأحكام على الواقع المعاصر.
7-    الكلام عن العمليات الاستشهادية التي تخبط بعض العلماء، وكثير من الساسة في الحكم عليها، فمرة يقولون إنها إرهاب، ومرة يقولون إنها  انتحار، وثالثة يقولون إنها تضر بمصلحة الفلسطينين خاصة والأمة العربية والإسلامية عامة ، فأزال الشيخ الشبهات، ورد على الترهات بحجة بالغة، وبصيرة نيرة.
8-     قضايا كثيرة أخرى نترك للقارىء التعرف عليها من خلال هذه القراءة التي قرأناها للكتاب أو من خلال الرجوع إلى الكتاب نفسه ، وهي جديرة بالنظر والتأمل .
-    ما ينقص جهاد القرضاوي
في أول جلسة جمعتنا بفضيلة الشيخ في بيته بعد صدور الكتاب قال إنه يريد إعادة النظر في الكتاب مرة أخرى بعد أن ينشر ويسمع أراء الفقهاء والمفكرين والساسة والإعلاميين ، وقال إنه طبع منه نسخا قليلة حتى يعيد طباعته بعد مراعاة الملاحظات التي تأتي حول الكتاب( )وإذا عرفنا أن فكرة الكتاب كانت في عقل وفكر الشيخ منذ أكثر من ثلث قرن كما قال في التمهيد للكتاب إنه فكر في موضوع الكتاب بعد الانتهاء من فقه الزكاة، عرفنا مدى المعاناة التي يتحملها العلماء والصبر حتي يخرجوا لنا شيئا يستحق الدراسة والقراءة .
ونستطيع أن نقول إن الشيخ لو أعاد طباعة هذا الكتاب فلا شك أنه سيستدرك كثيرا من الموضوعات التي أفرزتها الثورات المباركة في مصر وغيرها من البلدان العربية ، وسيكون لفقه الثورات وما يتصل بها من قضايا وجود واضح في جهاد القرضاوي سواء كان في هذا الكتاب ، أو في كتاب مستقل.
  فثمة قضايا إيجابية وأخرى سلبية نتجت وانبثقت من رحم هذه الثورات تحتاج إلى أحكام فقهية واضحة حتى لا تأخذنا الفرحة بالثورة وتنسينا الأخطاء التي نقع فيها عامدين أو غير عامدين .كذلك موقف المسلمين من المعاهدات التي أبرمت مع الكيان الصهيوني في غيبة من الشعوب أو تغييبا متعمدا لها سيكون له وجود بارز أيضا في كتاب الجهاد.
    وأيضا الجهاد العلمي وأحكامه وضوابطه وكيفية الإنفاق عليه أمر هام وإن كان الشيخ أشار إليه في هذا الكتاب ، وذكره في كتبه الأخرى لكنه يحتاج إلى معالجة أخرى .
   ثم فقه الانقلابات العسكرية وما يترتب عليها من أحكام ، ويناول تعريف الانقلاب، سواء أكان عسكريا أم مدنيا، وحكمه ، وواجب الشعوب والحكومات من هذا الانقلاب ، وحكم مقاومته وما يترب على هذه المقاومة من أحكام .
 كذلك الموقف من الحكومات  والجيوش التي تنتسب إلى الإسلام ، وهي في الواقع أشد حربا على الإسلام والمسلمين من أعتى وأعدى أعدائه، وذلك بعد أن حصحص الحق ووضح من مع الإسلام ومصالح المسلمين ومن ضدهم.
وأخير نسأل الله أن ينفع الأمة الإسلامية بعلم علمائها العدول  ، وأن يتقبل هذا الجهد من شيخنا الجليل وأن يشركنا معه في الأجر والثواب، فإنهم القوم لا يشقى بهم جليسهم والحمد لله رب العالمين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More