الخميس، 16 يونيو 2016

من فقه المعاملات المالية المعاصرة إجراء العقود عبر شبكة الانترنت









من فقه المعاملات المالية المعاصرة

إجراء العقود عبر شبكة الانترنت



د. رجب أبومليح محمد

الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون جامعةالإنسانية - ماليزيا



بحث محكم قدم للمنظمة العربية للثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية




















- مقدمة
أخذت العقود بعدا مختلفا بعد انتشار الشبكة العنكبوتية، فأصبح من اليسير توقيع العقود عبر الانترنت بكافة صورها وأشكالها بداية من عقود الزواج ومرورا بكافة المعاملات المالية وانتهاء بالاشتراك في الخدمات المتعددة ...
وللشريعة الإسلامية رأي في مسألة توثيق العقود فأجازت بعض العقود عن طريق الانترنت ومنعت البعض الآخر .
ونريد أن نعرض في هذه الورقة إلى ضوابط الجواز والمنع في إجراء هذه العقود مع التركيز على عقود الزواج والعقود المالية المعاصرة مستفيدين من خبرة (إسلام أون لاين) خلال ثمان سنوات ماضية قطع فيها الموقع شوطا كبيرا في التعامل مع هذه العقود .
وقد قسمت هذه الورقة إلى تمهيد، ومبحثين، تناولت في التمهيد التعريف الموجز للفظة (الفقه ـ المعاملات ـ المالية ـ المعاصرة ـ وسائل الاتصال الحديثة )
وتناولت في المبحث الأول أركان العقد الخاصة بالصيغة والعاقدين والمعقود عليه، وتناولت في المبحث الثاني إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة وقرارات المجامع الفقهية والتعليق على هذه القرارات .

- تمهيد
سنتناول ـ بمشيئة الله تعالى ـ في هذا التمهيد التعريف الموجز لمفردات عنوان البحث وهي على الترتيب ( فقه ـ المعاملات ـ المالية ـ المعاصرة ـ وسائل الاتصال الحديثة )

- الفقه لغة واصطلاحا:

الفقه لغة: الفهم مطلقا، سواء ما ظهر أو خفي. وهذا ظاهر عبارة القاموس والمصباح المنير. وذهب بعض العلماء إلى أن الفقه لغة هو فهم الشيء الدقيق، والمتتبع لآيات القرآن الكريم يدرك أن لفظ الفقه لا يأتي إلا للدلالة على إدراك  الشيء الدقيق، كما في قوله تعالى:(وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون)(الأنعام:97)([1])
  والفقه في الاصطلاح : هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية العملية المستمدة من الأدلة التفصيلية.
- المعاملات في اللغة: جمع معاملة ؛ وهي مأخوذة من العمل وهو لفظ عام في كل فعل يقصده المكلف.
وأما في الاصطلاح: فهي الأحكام الشرعية المتعلقة بأمور الدنيا سواء تتعلق بالأموال أو النساء حيث قال ابن عابدين ـ رحمه الله ـ والمعاملات خمسة: المعاوضات المالية ، والمناكحات ، والمخاصمات ، والأمانات ، والتركات.([2])
وخصها بعض الفقهاء بالأحكام المتعلقة بالمال حيث قسموا الفقه الإسلامي إلى عبادات، ومعاملات، ومناكحات (أحوال شخصية) وعقوبات.
وهذا التعريف الأخير هو ما استقر عليه التصنيف في الكتابات المعاصرة، وهو ما نلتزمه من خلال هذا البحث .

ـ المالية: يطلق المال في اللغة: على كل ما تملكه الإنسان من الأشياء.

وفي الاصطلاح: اختلف الفقهاء في تعريف المال على النحو التالي: عرف فقهاء الحنفية المال بتعريفات عديدة ، فقال ابن عابدين: المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم.
 وعرف المالكية المال بتعريفات مختلفة ، فقال الشاطبي: هو ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه.
 وقال ابن العربي: هو ما تمتد إليه الأطماع ، ويصلح عادة وشرعا للانتفاع  به.
وقال عبد الوهاب البغدادي: هو ما يتمول في العادة ويجوز أخذ العوض عنه.
 وعرف الزركشي من الشافعية المال بأنه ما كان منتفعا به ، أي مستعدا لأن ينتفع به.
وحكى السيوطي عن الشافعي أنه قال: لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها ، وتلزم متلفه ، وإن قلت ، وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك.
وقال الحنابلة: المال شرعا ما يباح نفعه مطلقا ، أي في كل الأحوال ، أو يباح اقتناؤه بلا حاجة([3]).
والرأي الراجح في هذه المسألة هو التوسع في مفهوم المال حتى يشمل المنافع والحقوق المالية حتى لا نقف عند المفهوم الضيق للمال فيعتدى على المنافع والحقوق بحجة أنها ليست من الأموال.
وقد حسم مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة عند بحثه للحقوق المعنوية وهذا نص قراره.
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس  بالكويت  من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ/ 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية ) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولًا: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها أصبح لها في  العرف  المعاصر  قيمة مالية  معتبرة لتمول الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقًا ماليًا.
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها([4])
واستقرت الفتوى على أن حق التأليف ـ أيا كانت صورته التي خرج عليها سواء كان كتبا أو برامج الكترونية ( Cdes) أو غيرها ـ محفوظ لأصحابه، ولا يجوز التصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرف إلا بعد الرجوع لأصحاب هذه الحقوق وأخذ الأذن منهم كتابة أو مشافهة، وأيا كان الغرض من استعمالها شخصيا أو تجاريا أو دعويا فلا يجوز الاعتداء على هذه الحقوق بحال من الأحوال.
ـ المعاصرة:  وهي التي حدثت في العصر الذي نعيش فيه، ونستطيع أن نحدد المدى الزمني لهذه المعاملات من النصف الثاني للقرن الماضي ( القرن العشرين) وحتى الآن وهذا تحديد اجتهادي يحق لأي باحث الاختلاف معه والزيادة والنقصان منه.
- وسائل الاتصال الحديثة: والمقصود بها كل وسيلة تتيح لطرفي العقد التواصل والتفاهم وتوقيع العقود مثل التليفون والفاكس والتلكس والتلفاز والانترنت وغير ذلك من الوسائل سواء كانت موجودة الآن أو تستحدث في المستقبل .
المبحث الأول: أركان العقد في الشريعة الإسلامية
(الركن) في اصطلاح علماء الأصول من الحنفية: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، وكان جزءا داخلا في حقيقته؛ ففي العبادات يُعد الركوع والسجود وقراءة القرآن أركانا للصلاة، وفي المعاملات: الإيجاب والقبول أو ما يقوم مقامها هو ركن العقد. فركن العقد: هو كل ما يعبر عن اتفاق الإرادتين، أو ما يقوم مقامها من فعل أو إشارة أو كتابة.
هذا هو مذهب الحنفية، وأما بقية العناصر أو المقومات التي يقوم عليها العقد من محل معقود عليه وعاقدين؛ فهي لوازم لا بد منها لتكوين العقد؛ لأنه يلزم من وجود الإيجاب والقبول وجود عاقدين، ولا يتحقق ارتباط العاقدين إلا بوجود محل يظهر فيه أثر الارتباط([5])
وغير الحنفية يقولون: إن للعقد أركانا ثلاثة، هي: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة. فالعاقد في البيع هو البائع والمشتري، والمعقود عليه هو الثمن والمثمَّن، والصيغة هي الإيجاب والقبول. باعتبار أن الركن عند الجمهور هو ما يتوقف عليه وجود الشيء وإن لم يكن جزءًا داخلا في حقيقته.
وأيًّا كان هذا الاختلاف فهو اصطلاح لا تأثير له من حيث النتيجة ([6])

الركن الأول: الصيغة (الإيجاب والقبول):

    الإيجاب والقبول يكونان صيغة العقد؛ أي العبارات الدالة على اتفاق الطرفين المتعاقدين.

وتعريفهما عند الحنفية ما يأتي:

الإيجاب: إثبات الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أولا من كلام أحد المتعاقدين، أو ما يقوم مقامه، سواء وقع من المملك أو المتملك؛ فقول العاقد الأول في البيع هو الإيجاب، سواء صدر من البائع أو من المشتري، فإذا قال البائع أولا: (بعت) فهو الإيجاب، وإذا ابتدأ المشتري الكلام فقال: (اشتريت بكذا) فهو الإيجاب.
والقبول: ما ذكر ثانيا من كلام أحد المتعاقدين، دالا على موافقته ورضاه بما أوجبه الأول.
فالمعتبر إذن أولية الصدور وثانويته فقط، سواء أكان من جهة البائع أم من جهة المشتري في عقد البيع([7])
وعند غير الحنفية: الإيجاب: هو ما صدر ممن يكون منه التمليك، وإن جاء متأخرًا، والقبول: هو ما صدر ممن يصير له الملك، وإن صدر أولا.
والواقع أن تسمية إحدى عبارتي العاقدين إيجابًا، والأخرى قبولا، هي تسمية اصطلاحية، ليس لها أثر يذكر، والأصل العام في الإيجاب أن يقع من البائع أولا ويقع القبول من المشتري ثانيًا([8])
والصيغة في البيع هي كل ما يدل على رضاء الجانبين البائع والمشتري وهي أمران:

الأول: القول

وما يقوم مقامه من رسول أو كتاب، فإذا كتب لغائب يقول له. قد بعتك داري بكذا أو أرسل له رسولاً فقبل البيع في المجلس فإنه يصح، ولا يفتقر له الفصل إلا بما يفتقر في القول حال حضور المبيع.

الثاني: المعاطاة

وهي الأخذ والإعطاء بدون كلام كأن يشتري شيئاً ثمنه معلوم له فأخذه من البائع ويعطيه الثمن وهو يملك بالقبض، ولا فرق بين أن يكون المبيع يسيراً كالخبز والبيض ونحوهما مما جرت العادة بشرائه، متفرقا أو كثيراً كالثياب القيمة.
وأما القول فهو اللفظ الذي يدل على التمليك والتملك، كبعت واشتريت ويسمى ما يقع من البائع إيجاباً أو ما يقع من المشتري قبولا، وقد يتقدم القبول على الإيجاب كما إذا قال المشتري: يعنى هذه السلعة بكذا.
ويشترط للإيجاب والقبول شروط منها: أن يكون الإيجاب موافقاً للقبول في القدر والوصف والنقد والحلول والأجل، فإذا قال البائع: بعت هذه الدار بألف فقال المشتري: قبلتها بخمسمائة لم ينعقد البيع، وكذا إذا قال: بعتها بألف جنيه ذهباً فقال الآخر: قبلتها بألف جنيه ورقاً، فإن البيع لا ينعقد، إلا إذا كانت الألف الثانية مثل الأولى في المعنى من جميع الوجوه فإن البيع ينعقد في هذه الحالة ومنها أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد، فإن قال أحدهما: بعتك هذا بألف ثم تفرقا قبل أن يقبل الآخر فإن البيع لا ينعقد، ومنها أن لا يفصل بين الإيجاب والقبول فاصل يدل على الإعراض، أما الفاصل اليسير وهو الذي لا يدل على الإعراض بحسب العرف فإنه لا يضر.
ومنها سماع المتعاقدين من كلام بعضهما، فإذا كان البيع بحضرة شهود فإنه يكفي سماع الشهود، بحيث لو أنكر أحدهما السماع لم يصدق. فإذا قال: بعت هذه السلعة بكذا، وقال الآخر: قبلت ثم تفرقا، فادعى البائع أنه لم يسمع القبول، أو ادعى المشتري بأنه لم يسمع الثمن مثلاً فإن دعواهما لا تسمع إلا بالشهود.([9])

يقول ابن قدامة ـ رحمه الله ـ:

 والبيع على ضربين ؛ أحدهما، الإيجاب والقبول. فالإيجاب، أن يقول: بعتك أو ملكتك، أو لفظ يدل عليهما. والقبول، أن يقول: اشتريت، أو قبلت، ونحوهما. فإن تقدم القبول على الإيجاب بلفظ الماضي، فقال: ابتعت منك. فقال: بعتك. صح ؛ لأن لفظ الإيجاب والقبول وجد منهما على وجه تحصل منه الدلالة على تراضيهما به، فصح، كما لو تقدم الإيجاب. وإن تقدم بلفظ الطلب، فقال: بعني ثوبك. فقال: بعتك.  ففيه روايتان، إحداهما، يصح كذلك. وهو قول مالك، والشافعي. والثانية، لا يصح. وهو قول أبي حنيفة ؛ لأنه لو تأخر عن الإيجاب، لم يصح به البيع، فلم يصح إذا تقدم، كلفظ الاستفهام، ولأنه عقد عري عن القبول، فلم ينعقد، كما لو لم يطلب. وحكى أبو الخطاب فيما إذا تقدم بلفظ الماضي، روايتين أيضا، فأما إن تقدم بلفظ الاستفهام، مثل أن يقول: أتبيعني ثوبك بكذا؟ فيقول: بعتك. لم يصح بحال. نص عليه أحمد وبه يقول أبو حنيفة، والشافعي. ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ؛ لأن ذلك ليس بقبول ولا استدعاء.
الضرب الثاني، المعاطاة، مثل أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزاً. فيعطيه ما يرضيه، أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار. فيأخذه، فهذا بيع صحيح. نص عليه أحمد، في من قال لخباز: كيف تبيع الخبز؟ قال: كذا بدرهم. قال: زنه، وتصدق به. فإذا وزنه فهو عليه. وقول مالك نحو من هذا، فإنه قال: يقع البيع بما يعتقده الناس بيعا.
 وقال بعض الحنفية: يصح في خسائس الأشياء. وحكي عن القاضي مثل هذا، قال: يصح في الأشياء اليسيرة دون الكبيرة. ومذهب الشافعي، رحمه الله، أن البيع لا يصح إلا بالإيجاب، والقبول. وذهب بعض أصحابه إلى مثل قولنا.
 ولنا، أن الله أحل البيع، ولم يبين كيفيته، فوجب الرجوع فيه إلى العرف، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتفرق، والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك، ولأن البيع كان موجودا بينهم، معلوما عندهم، وإنما علق الشرع عليه أحكاما، وأبقاه على ما كان، فلا يجوز تغييره بالرأي والتحكم، ولم ينقل عن النبي r  ولا عن أصحابه، مع كثرة وقوع البيع بينهم، استعمال الإيجاب والقبول، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلا شائعا، ولو كان ذلك شرطا، لوجب نقله، ولم يتصور منهم إهماله والغفلة عن نقله، ولأن البيع مما تعم به البلوى، فلو اشترط له الإيجاب والقبول لبينه -صلى الله عليه وسلم- بياناً عاماً، ولم يخف حكمه ؛ لأنه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا، وأكلهم المال بالباطل، ولم ينقل ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم -ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه، ولأن الناس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كل عصر، ولم ينقل إنكاره من قبل مخالفينا، فكان ذلك إجماعا....([10])
وهذا الذي ذكره ابن قدامة ـ رحمه الله ـ هو ما يناسب العصر، إذ تتم كثير من عمليات البيع والشراء دون ذكر لفظ الإيجاب أو القبول، إنما تتم بالمعاطاة، وهو عندما أرجع الأمر إلى العرف وسع على الناس كثيرا فكل ما يدل على الإيجاب والقبول ويمنع التنازع بين البائع والمشتري فهو إيجاب وقبول لازم للبائع والمشتري.
وهذا ما ذهبت إليه مجلة الأحكام العدلية حيث ورد فيها :(بما أن المقصد الأصلي من الإيجاب والقبول هو تراضي الطرفين ينعقد البيع بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي ويسمى هذا بيع التعاطي. مثال ذلك: أن يعطي المشتري للخباز مقداراً من الدراهم فيعطيه الخباز مقداراً من الخبز بدون تلفظ بإيجاب وقبول، أو أن يعطي المشتري الثمن للبائع ويأخذ السلعة ويسكت البائع، وكذا لو جاء رجل إلى بائع الحنطة ودفع له خمسة دنانير وقال: بكم تبيع المد من هذه الحنطة؟ فقال: بدينار فسكت المشتري، ثم طلب منه الحنطة، فقال البائع: أعطيك إياها غدا ينعقد البيع أيضا وإن لم يجر بينهما الإيجاب والقبول وفي هذه الصورة لو ارتفع سعر الحنطة في الغد إلى دينار ونصف يجبر البائع على إعطاء الحنطة بسعر المد بدينار وكذا بالعكس لو رخصت الحنطة وتدنت قيمتها فالمشتري مجبر على قبولها بالثمن الأول، وكذا لو قال المشتري للقصاب: اقطع لي بخمسة قروش من هذا الجانب من هذه الشاة فقطع القصاب اللحم ووزنه وأعطاه إياه انعقد البيع وليس للمشتري الامتناع من قبوله وأخذه أي أن المقصد في البيع تراضي الطرفين إلا أن تراضي الطرفين بما أنه من الأمور الباطنة فقد أقيم مقامه الإيجاب والقبول ؛ لأنهما يدلان عليه... ([11]).

الإشهاد في البيع

  ويستحب الإشهاد في البيع ؛ لقول الله تعالى: (وأشهدوا إذا تبايعتم) (البقرة:282) وأقل أحوال الأمر الاستحباب. ولأنه أقطع للنزاع، وأبعد من التجاحد، فكان أولى، ويختص ذلك بما له خطر، فأما الأشياء القليلة الخطر، كحوائج البقال، والعطار، وشبههما، فلا يستحب ذلك فيها ؛ لأن العقود فيها تكثر، فيشق الإشهاد عليها، وتقبح إقامة البينة عليها، والترافع إلى الحاكم من أجلها، بخلاف الكثير. وليس الإشهاد بواجب في واحد منهما، ولا شرطا له. روي ذلك عن أبي سعيد الخدري وهو قول الشافعي، وأصحاب الرأي، وإسحاق وأبي أيوب وقالت طائفة: ذلك فرض لا يجوز تركه. وروي ذلك عن ابن عباس. وممن رأى الإشهاد على البيع عطاء وجابر بن زيد، والنخعي ؛ لظاهر الأمر، ولأنه عقد معاوضة فيجب الإشهاد عليه كالنكاح. ولنا، قول الله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) (البقرة:283). وقال أبو سعيد: صار الأمر إلى الأمانة. وتلا هذه الآية، ولأن النبي r :  (اشترى من يهودي طعاماً، ورهنه درعه) ([12]) (واشترى من رجل سراويل) ([13])، (ومن أعرابي فرساً، فجحده الأعرابي حتى شهد له خزيمة بن ثابت) ([14]) ولم ينقل أنه أشهد في شيء من ذلك. وكان الصحابة يتبايعون في عصره في الأسواق، فلم يأمرهم بالإشهاد، ولا نقل عنهم فعله، ولم ينكر عليهم النبي r  ولو كانوا يشهدون في كل بياعاتهم لما أخل بنقله. وقد أمر النبي r  عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية. ولم يأمره بالإشهاد، وأخبره عروة أنه اشترى شاتين فباع إحداهما، ولم ينكر عليه ترك الإشهاد. ولأن المبايعة تكثر بين الناس في أسواقهم وغيرها، فلو وجب الإشهاد في كل ما يتبايعونه، أفضى إلى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج). والآية المراد بها الإرشاد إلى حفظ الأموال والتعليم، كما أمر بالرهن والكاتب، وليس بواجب، وهذا ظاهر. ([15])

الركن الثاني: العاقــد

وأما العاقد سواء كان بائعاً أو مشترياً فإنه يشترط له شروط: منها:
1- أن يكون مميزاً فلا ينعقد بيع الصبي الذي لا يميز، وكذلك المجنون، أما الصبي المميز والمعتوه اللذان يعرفان البيع وما يترتب عليه من الأثر ويدركان مقاصد العقلاء من الكلام ويحسنان الإجابة عنها، فإن بيعهما وشراءهما ينعقد ولكنه لا ينفذ إلا إذا كان بإذن من الولي في هذا الشيء الذي باعه واشتراه بخصوصه. ولا يكفي الإذن العام.
فإذا اشترى الصبي المميز السلعة التي أذن وليه في شرائها انعقد البيع لازماً، وليس للولى رده. أما إذا لم يأذن وتصرف الصبي المميز من تلقاء نفسه فإن بيعه ينعقد، ولكن لا يلزم إلا إذا أجازه الولي، أو أجازه الصبي بعد البلوغ.
2- أن يكون رشيداً. وهذا شرط لنفاذ البيع، فلا ينعقد بيع الصبي مميزاً كان أو غيره، ولا بيع المجنون والمعتوه والسفيه إلا إذا أجاز الولي بيع المميز منهم، أما بيع غير المميز فإنه يقع باطلاً، ولا فرق في المميز بين أن يكون أعمى أو مبصراً.
وهذا يعني أن العاقد لا بد له من أهلية للتعاقد بالأصالة عن نفسه، أو ولاية شرعية للتعاقد بالنيابة عن غيره.
والذي يهمنا من بحث الأهلية أن العاقد يشترط فيه عند الحنفية والمالكية أن يكون عاقلا؛ أي مميزًا أتم سن السابعة؛ فلا ينعقد تصرف غير المميز لصغر أو إغماء أو جنون، وتصح تصرفات الصبي المميز المالية على التفصيل الآتي:
أ -  التصرفات النافعة نفعًا محضًا، وهي التي يترتب عليها دخول شيء في ملكه من غير مقابل، كالاحتطاب، والاحتشاش، والاصطياد، وقبول الهبة والصدقة والوصية والكفالة بالدين. تصح من الصبي المميز دون إذن ولا إجازة من الولي؛ لأنها لنفعه التام.
ب -  التصرفات الضارة ضررًا محضًا: وهي التي يترتب عليها خروج شيء من ملكه دون مقابل؛ كالطلاق والهبة والصدقة والإقراض وكفالته لغيره بالدين أو بالنفس.. لا تصح من الصبي العاقل ولا تنفذ ولو أجازها وليه؛ لأن الولي لا يملك إجازة هذه التصرفات لما فيها من الضرر.
ج -  التصرفات المترددة بين الضرر والنفع: وهي التي تحتمل الربح والخسارة؛ كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والزواج والمزارعة والمساقاة والشركات ونحوها تصح من الصبي المميز، ولكنها تكون موقوفة على إذن الولي أو إجازته ما دام صغيرًا، أو على إجازته لنفسه بعد البلوغ؛ لأن للمميز جانبًا من الإدراك غير قليل، فإن أجيزت نفذت وإلا بطلت، والإجازة تجبر نقص الأهلية.
والأشخاص بالنسبة للأهلية: إما عديم الأهلية وغير المميز؛ فتعد تصرفاتهما باطلة، أو ناقص الأهلية كالصبي المميز فيصح بعض تصرفاته، ويبطل بعضها الآخر، ويتوقف بعضها على الإجازة على التفصيل السابق، أو كامل الأهلية وهو الراشد الذي تصح منه كل التصرفات وتنفذ ما لم يكن محجورًا عليه بسبب السفه أو الدين، أو كان ممنوعًا من التصرف بسبب مرض الموت أو الفقد أو الغياب([16])
3- أن يكون العاقد مختاراً، فلا ينعقد بيع المكره.

الركن الثالث: محل العقد:

محل العقد أو المعقود عليه: هو ما وقع عليه التعاقد، وظهرت فيه أحكامه وآثاره. وهو قد يكون عينا مالية كالمبيع والمرهون والموهوب، وقد يكون عينا غير مالية كالمرأة في عقد الزواج، وقد يكون منفعة كمنفعة الشيء المأجور في إجارة الأشياء من الدور والعقارات ومنفعة الشخص في إجارة الأعمال.
وليس كل شيء صالحًا ليكون معقودًا عليه؛ فقد يمتنع إبرام العقد على شيء شرعًا وعرفًا؛ كالخمر لا تصلح أن تكون معقودًا عليها بين المسلمين، والمرأة المحرمة بسبب رابطة النسب أو الرضاع، لا تصلح أن تكون زوجة لقريبها.
لذا اشترط الفقهاء أربعة شروط في محل العقد، وهذه الشروط هي:

1 -  أن يكون موجودًا وقت التعاقد:

فلا يصح التعاقد على معدوم كبيع الزرع قبل ظهوره لاحتمال عدم نباته، ولا على ماله خطر العدم؛ أي احتمال عدم الوجود؛ كبيع الحمل في بطن أمه؛ لاحتمال ولادته ميتًا، وكبيع اللبن في الضرع؛ لاحتمال عدمه بكونه انتفاخا، وكبيع اللؤلؤ في الصدف، ولا يصح التعاقد على مستحيل الوجود في المستقبل؛ كالتعاقد مع طبيب على علاج مريض متوفى، فإن الميت لا يصلح محلا للعلاج، وكالتعاقد مع عامل على حصاد زرع احترق فكل هذه العقود باطلة.
وهذا الشرط مطلوب عند الحنفية والشافعية، سواء أكان التصرف من عقود المعاوضات أو عقود التبرعات؛ فالتصرف بالمعدوم فيها باطل، سواء بالبيع أو الهبة أو الرهن، بدليل نهي النبي r عن بيع حبل الحبلة، ونهيه عن المضامين والملاقيح، وعن بيع ما ليس عند الإنسان؛ لأن المبيع فيها وقت التعاقد معدوم.
واستثنى هؤلاء الفقهاء من هذه القاعدة العامة -في منع التصرف بالمعدوم- عقود السلم والإجارة والمساقاة والاستصناع مع عدم وجود المحل المعقود عليه حين إنشاء العقد استحسانا؛ مراعاة لحاجة الناس إليها، وتعارفهم عليها، وإقرار الشرع صحة السلم والإجارة والمساقاة ونحوها، واكتفى المالكية باشتراط هذا الشرط في المعاوضات المالية، أما في عقود التبرعات كالهبة والوقف والرهن فأجازوا ألا يكون محل العقد موجودًا حين التعاقد، وإنما يكفي أن يكون محتمل الوجود في المستقبل.
وأما الحنابلة فلم يشترطوا هذا الشرط، واكتفوا بمنع البيع المشتمل على الغرر الذي نهى عنه الشرع، مثل بيع الحمل في البطن دون الأم، وبيع اللبن في الضرع، والصوف على ظهر الغنم، وأجازوا فيما عدا ذلك – كما قرر ابن تيمية وابن القيم بيع المعدوم – عند العقد إذا كان متحقق الوجود في المستقبل بحسب العادة كبيع الدار على الهيكل أو الخريطة؛ لأنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام الصحابة، وإنما ورد في السنة النهي عن بيع الغرر؛ وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء أكان موجودًا، أو معدومًا كبيع الفرس والجمل الشارد؛ فليست العلة في المنع لا العدم ولا الوجود؛ فبيع المعدوم إذا كان مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر، لا للعدم.
بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض المواضع؛ فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدء صلاحه، والحب بعد اشتداده، والعقد في هذه الحالة ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد.
وأما حديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان فالسبب فيه هو الغرر لعدم القدرة على التسليم، لا أنه معدوم([17])

2 -  أن يكون المعقود عليه مشروعًا:

يشترط أن يكون محل العقد قابلا لحكمه شرعًا باتفاق الفقهاء، بأن يكون مالا مملوكًا متقومًا، فإن لم يكن كذلك كان العقد عليه باطلا؛ فبيع غير المال كالميتة والدم، أو هبتها أو رهنها أو وقفها أو الوصية بها باطل؛ لأن غير المال لا يقبل التمليك أصلا، وذبيحة الوثني والملحد والمجوسي والمرتد كالميتة.
ويبطل بيع غير المملوك أو هبته؛ وهو المباح للناس غير المحرز كالسمك في الماء، والطير في الهواء، والكلأ، والحطب، والتراب، والحيوانات البرية،  أو المخصص للنفع العام كالطرقات، والأنهار، والجسور، والقناطر العامة؛ لأنها غير مملوكة لشخص، أولا تقبل التملك الشخصي،  والتصرف بغير المتقوم باطل أيضًا، وهو ما لا يمكن ادخاره ولا الانتفاع به شرعًا كالخمر والخنزير بين المسلمين([18])

3 -  أن يكون مقدور التسليم عند التعاقد:

يشترط باتفاق الفقهاء توافر القدرة على التسليم وقت التعاقد؛ فلا ينعقد العقد إذا لم يكن العاقد قادرًا على تسليم المعقود عليه، وإن كان موجودًا ومملوكًا للعاقد، ويكون العقد باطلا.
وهذا الشرط مطلوب في المعاوضات المالية باتفاق العلماء، وفي التبرعات عند غير الإمام مالك، فلا يصح بيع الحيوان الشارد ولا إجارته ورهنه وهبته ووقفه ونحوها، ولا يصح التعاقد بيعًا أو إجارة أو هبة على الطير في الهواء، والسمك في البحر، والصيد بعد فراره، والمغصوب في يد الغاصب، والدار في الأرض المحتلة من العدو؛ لعدم القدرة على التسليم.
وأجاز الإمام مالك أن يكون معجوز التسليم حال التعاقد محلا لعقد الهبة وغيره من التبرعات؛ فيصح عنده هبة الحيوان الفارّ وإعارته والوصية به؛ لأنه في التبرع لا يثور شيء من النزاع حول تسليم المعقود عليه؛ لأن المتبرع فاعل خير ومحسن، والمتبرع له لا يلحقه ضرر من عدم التنفيذ؛ لأنه لم يبذل قليلا ولا كثيرًا، فلا يكون هناك ما يؤدي إلى النزاع والخصام الذي يوجد في المعاوضات المالية([19])

4 -  أن يكون معينًا معروفًا للعاقدين:

لابد عند الفقهاء أن يكون محل العقد معلومًا علمًا يمنع من النزاع؛ للنهي الوارد في السنة عن بيع الغرر وعن بيع المجهول، والعلم يتحقق إما بالإشارة إليه إذا كان موجودًا، أو بالرؤية عند العقد أو قبله بوقت لا يحتمل تغيره فيه، ورؤية بعضه كافية إذا كانت أجزاؤه متماثلة، أو بالوصف المانع للجهالة الفاحشة، وذلك ببيان الجنس والنوع والمقدار، كأن يكون المبيع حديدًا من الصلب أو الفولاذ من حجم معين.
فلا يصح التصرف بالمجهول جهالة فاحشة، وهي التي تفضي إلى المنازعة، ويكون العقد فاسدًا عند الحنفية، باطلا عند غير الحنفية، وتغتفر الجهالة اليسيرة وهي التي لا تؤدي إلى المنازعة، ويتسامح الناس فيها عادة، كما لا يصح التصرف بما يشتمل على الغرر. ويلاحظ أن الغرر أعم من الجهالة؛ فكل مجهول غرر، وليس كل غرر مجهولا؛ فقد يوجد الغرر بدون الجهالة كما في شراء الشيء الهارب المعلوم الصفة، ولكن لا توجد الجهالة بدون الغرر([20])

5 -  أن يكون محل العقد طاهرًا:

أن يكون محل العقد طاهرًا لا نجسًا ولا متنجسًا؛ لأن جواز الإجارة يتبع الطهارة؛ فكل ما كان طاهرًا (أي ما يباح الانتفاع به شرعًا) يجوز بيعه وإجارته عندهم، وأما النجس والمتنجس فيبطل، والنجس مثل الكلب ولو كان معلمًا للنهي عن بيعه، وكذلك إجارته، والخنزير والميتة والدم والزبل والحشرات والبهائم الكاسرة التي لا يؤكل لحمها كالأسد والذئب، والطيور الجارحة كالنسر والغراب والحدأة، والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره؛ كالخل والدبس واللبن. لكن أجاز هؤلاء الفقهاء بيع المختلف في نجاسته كالبغل والحمار، وبيع الهر وطيور الصيد كالصقر والعقاب المعلم، والطير المقصود صوته كالهزاز والبلبل والببغاء. ولم يشترط الحنفية هذا الشرط، فأجازوا بيع النجاسات كشعر الخنزير والميتة والدم، كما أجازوا بيع الحيوانات المتوحشة، والمتنجس الذي يمكن الانتفاع به في غير الأكل. والضابط عندهم: أن كل ما فيه منفعة تحل شرعًا؛ فإن بيعه يجوز؛ لأن الأعيان خلقت لمنفعة الإنسان.. بدليل قوله تعالى )خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا(  البقرة:29 ([21])

 6- أن لا يكون العقد مؤقتاً : كأن يقول له: بعتك هذا البعير بكذا لمدة سنة([22]).
جاء في أنوار البروق للقرافي المالكي:  أن ما يجوز بيعه عبارة عما اجتمع فيه شروط خمسة أربعة منها في صحته وجوازه ولزومه معا:
 الأول: الطهارة لقوله u  في الصحيحين: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل له يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلى بها السفن ويستصبح بها فقال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) ([23]).
 الثاني: أن يكون منتفعا به انتفاعاً شرعياً حالا أو مآلا ليصح مقابلة الثمن له.
 الثالث: أن يكون مقدوراً على تسليمه حذرا من الطير في الهواء والسمك في الماء ونحوهما لنهيه u  عن بيع الغرر.
 الرابع:أن يكون معلوما للعاقدين لنهيه عليه السلام عن أكل المال بالباطل.
 الخامس: وهو أن يكون الثمن والمبيع مملوكين للعاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه شرط في الجواز واللزوم معا دون الصحة ؛ لأن بيع الفضولي وشراءه وإن كان صحيحاً علم المشتري أنه فضولي أم لا كما في المختصر إلا أنه محرم على المشهور وغير لازم يتوقف لزومه على رضا المالك كما في المختصر وغيره
 وبقي شرط سادس أخذه  من قول خليل في المختصر ووقف مرهون على رضا مرتهنه ا هـ. وعده من شروط الصحة وهو أن لا يكون لغير العاقد والمعقود له أو من أقيما مقامه حق في المعقود عليه ثمنا أو مثمنا.. ([24]).

المبحث الثاني : إجراء العقود بوسائل الاتصالات الحديثة
  بعد هذه الثورة في عالم الاتصالات، وبعد انتشار الشبكة العنكبوتية وسهولة التواصل بالصوت والصورة مهما تباعدت المسافات ظهرت طرق أخرى للخطبة والنكاح فيدخل الشاب أو الرجل أيا كان سنه ويتجول عبر هذه الشبكة ليصطاد فارسة أحلامه وفي كثير من الأحيان يكون هو هدفا للنساء اللاتي يبحثن عن الزوج أو الصاحب أو العشيق ويتعرف الناس عبر الانترنت ويقضون الساعات الطوال سواء كانوا جادين أم هازلين يتبادلون الصور والأخبار ، وتنشأ هذه العلاقات عبر هذا الكون الفسيح، وربما تكتشف المرأة بعد هذا التعلق أن من كانت تحدثه طوال هذه الفترة وتسمعه أحلى كلام في العشق والغرام هي امرأة قامت بدور الرجل، وربما يكتشف الرجل أن فتاة أحلامه التي سهر الليل وأضاع العمر والمال والجهد من أجلها هي رجل مثلُه مثَّلَ عليه دور المرأة المتعلقة به العاشقة له.
وقد يكون المتحدث يهوديا أو نصرانيا أو ملحدا يحدث فتاة مسلمة، وتكتشف هذا بعد تعلقها به، قد يكون هذا الكلام بين شباب مراهق لم يخض غمار الحياة الزوجية أو بين امرأة أهملها زوجها فراحت تبحث عن كلام العشق والغرام عبر هذا الوهم، أو بين رجل لم تعطه زوجته ما يتخيل وما يريد ففر من واقعه التعس إلى خيال أشد تعاسة.
كل هذا جعل الأسئلة تكثر وتتنوع منها على سبيل المثال: هل تصح الخطبة عبر الانترنت ؟؟ وهل يجوز الزواج بناء على هذه الخطبة؟ وما دور الولي هنا ؟ وما الآداب التي ينبغي للمسلم مراعاتها عند التعامل مع الجنس الأخر ؟ وهل يجوز للمرأة أن تدعو رجلا أو العكس عبر الانترنت كل ذلك كان ينبغي أن نتصدى له ونقدم الإجابة عنه بصورة متزنة لا تغلق الباب أمام الجميع في كل الحالات ولا تفتحه دون رابط أو ضابط.
ثم ماذا عن العقود التي تعقد عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومن أهمها الانترنت الآن ؟ هل تصح هذه العقود جملة وتفصيلا بعد هذه الثورة الهائلة والتحكم التقني الذي يقوم مقام التوثيق وينتفي من خلاله الغرر والجهالة والضرر ؟ أم تحرم جملة وتفصيلا حتى لا يقع المتعاقدون تحت رحمة القراصنة الذين يخترقون الحجب ويطلعون على المستور ويستولون على ممتلكات الناس وأموالهم ؟ أم أن الأمر فيه تفصيل نظرا لاختلاف وسيلة التعاقد واختلاف العقد نفسه وما يحيط به من أركان وشروط ؟؟
هذا ما سنتعرف عليه في الصفحات التالية بمشيئة الله تعالى
- الخطبة والزواج عن طريق الانترنت.
الخطبة ليست عقدا ولكنها وعد بين الخاطب والمخطوبة بإتمام الزواج، ويستطيع أن يعتذر كل طرف عن إتمامه ما دام قد وجد مسوغا لعدم إتمامه ، أو بان له شيء من صاحبه لم يكن يعرفه من قبل وبالتالي يجوز أن يكون التعرف بين الرجل والمرأة يبدأ عن طريق الانترنت ، ثم يتم التعرف بعد ذلك بصوره التقليدية التي يرى فيها الخاطب مخطوبته وتراه ويتعرف على وليها وأهلها ويتعرفون على أهله وأقاربه حتى تتم الخطبة عن بينة ووضوح تام حيث إنها مقدمة لعقد النكاح وما يبنى على باطل فهو باطل، وذلك تحقيقا للحديث النبوي الشريف (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) وظاهر النص وإن كان يتحدث عن النظرة العابرة غير أننا نرى أنه يحمل من المعاني الكثير ، فهو يحث الخاطب والمخطوبة على النظر الذي يتأكد كل منهما أن الآخر عنده ما يحصنه ويعفه عن الحرام ، ثم إن المشاهدة الحقيقية قد تحمل على الارتياح القلبي والاطمئنان النفسي الذي يكون له الدور الأكبر في القبول أو الرفض، ثم يأتي التعارف الأسري بين أهل الخاطب وأهل المخطوبة وتعرّف كلا الأسرتين على الأخرى من حيث المستوى الاجتماعي والثقافي والعلمي ليؤكد هذا المعنى أيضا، ومن خلال التعارف والتعامل فترة الخطبة تتأكد الصفات الخلقية والسلوكية سواء كانت إيجابية أو سلبية ، وكل ذلك لن يتأتى إلا عن طريق التعرف المباشر، أما الانترنت فإنه لا يظهر إلا الجانب العاطفي والكلام المعسول الذي يخفي كل شيء ولا يظهر إلا التجمل والتزين وهذا لا يكفي لأخذ الرأي النهائي في هذا الارتباط المقدس والميثاق الغليظ .
وكانت الفتوى حول هذه المسألة تدور حول الضوابط التالية :
لا حرج في إنشاء مواقع على الإنترنت لتقريب وجهات النظر بين الراغبين في الزواج،  ولكن لا بد من مراعاة الآتي:
أولا: أن يكون القائمون على هذه المواقع على قدر من الأمانة والمسئولية بحيث لا تكون هذه المواقع قناة لمرضى النفوس والقلوب يشبعوا من خلالها نزواتهم ورغباتهم.
ثانيا: على الفتاة التي تبحث عن شريك الحياة أن تكون على حذر تام وأن يقتصر الحديث مع الراغب في الزواج على بيان ما هو ضروري ولا يخرج عن موضوع الخطبة وألا يطول الحديث معه لأي سبب من الأسباب حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه.
ثالثا: إن قدر الله خيرا فعلى ولي الأمر أن يحتاط لأمر ابنته بالسؤال عن من يتقدم لخطبتها، لمعرفة دينه وخلقه.
وأخيرا نؤكد على أن الإنترنت وسيلة لتقريب وجهات النظر أما الزواج فلا يجوز إلا بحضور العاقدين والشهود في مجلس عقد واحد، مع توافر أركان العقد الشرعية.
- المجامع الفقهية ورأيها في إبرام العقود عبر وسائل الاتصال الحديثة
    أولا : مجمع الفقه الإسلامي بجدة
في مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.
  تقدم تسعة من الباحثين ببحوثهم في هذا الموضوع ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف : منهم من أطال وفصَّل في المقال ومنهم من أوجز ومنهم من توسط. وملخصها هو : أن التعاقد إما أن يتم بين متعاقدين حاضرين ويشترط حينئذٍ اتحاد  مجلس العقد  ، فلا يصح  الإيجاب  في مجلس والقبول في آخر. ولا بد من تحقق أركان العقد والشرائط الأخرى وذلك في غير  الوصية  وعقود أخرى كعقد  الوكالة  . وإما أن يتم التعاقد بين متعاقدين غائبين لا يجمعهم مكان واحد ولا يرى أحدهم الآخر ولا يسمع كلامه وطريق الاتصال بينهما إما الكتابة وإما الرسول ويلحق بالكتابة الوسائل المستجدة كالتلغراف والتلكس والفاكس وما يستجد من ذلك. وإما أن يتم التعاقد بين متعاقدين حاضرين غائبين في آن واحد بمعنى أن يكون في مكانين متباعدين أوفي بلدين ولكن يسمع كل منهما كلام الآخر وربما يشاهده كالاتصالات التي تتم بواسطة التليفون واللاسلكي والراديو أو التلفزيون وما يستجد من وسائل. أما الصورة الأولى فليست محل البحث. وأما الثانية وهي التعاقد عن طريق الكتابة. والكاتب إما أن يكتب بنفسه وإما أن يستكتب من يكتب له ، والتلغراف من هذا القبيل إذ يقوم المرسل بكتابة ما يريد ثم يقوم مكتب البريد بإرساله إلى بلد المرسل إليه ، وهناك يقوم موظف بريد بكتابة ذلك على ورقة خاصة ثم يسلمها ساع إلى المرسل إليه. والتلكس يتم الاتصال فيه من خلال جهازين مرتبطين بوحدة تحكم دولي ينقل كل واحد منهم إلى الآخر المعلومات المكتوبة دون توسط شيء آخر بطرق فنية. وأما الفاكس فيتم الاتصال فيه من خلال جهازين مرتبطين بالخطوط التلفونية حيث يضع المرسِل الورقة المكتوبة في الجهاز ويضرب أرقام الجهاز الثاني فتنطبع صورة تلك الورقة على الورقة الموجودة في الجهاز الثاني لتظهر للمرسَل إليه. والفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى أنه في الصورة الأولى يتعين عدم الفصل بين  الإيجاب والقبول، أما في الصورة الثانية فإنه يجوز أن يتراخى القبول عن المجلس لأن التراخي مع غيبة المشتري ، مثلًا لا يدل على إعراضه عن  الإيجاب  بخلاف ما لو كان حاضرًا.
حكم التعاقد بالكتابة : لا خلاف في الجملة في جواز التعاقد عن طريق الكتابة وما في معناها .
قال المالكية : إن البيع ينعقد بما يدل على الرضى من المتعاقدين من قول منهما أو فعل أو قول من أحدهما وفعل من الآخر أو إشارة منهما أو من أحدهما وقول أو فعل من الآخر.([25])
وكذلك الحنفية قالوا : إن التعاقد عن طريق الكتابة ومثلوا له بقولهم : أن يكتب شخص إلى آخر : أما بعد ، فقد بعت منك كذا بكذا ، فبلغه الكتاب فقال في مجلسه : اشتريت. انعقد العقد بينهما ويكون كأن الموجب حضر بنفسه وخاطب الآخر بالإيجاب وقبل منه الآخر في المجلس. وقال  ابن عابدين  : ويكون بالكتابة من الجانبين فإذا كتب : اشتريت كذا بكذا ، فكتب إليه البائع : قد بعتك. فهذا بيع ، كما في التترخانية.
قال : وقوله : فيعتبر مجلس بلوغهما ، أي بلوغ الرسالة أو الكتابة. ونقل عن المبسوط : ينعقد سائر التصرفات بالكتابة أيضًا.
وتجدر الإشارة إلى أن الحنفية قد أوردوا رأيًا آخر قاسوا فيه البيع على النكاح في انعقاده في مجلس آخر([26]).
وهنا مسألة تجدر الإشارة إليها وهي هل يجوز للموجب أن يرجع عن إيجابه ؟ قالوا : لو كتب شطر العقد ثم رجع صح رجوعه. فها هنا أولى. وكذا لو أرسل رسولا ثم رجع ، لأن الخطاب بالرسالة لا يكون فوق المشافهة ، وذا محتمل الرجوع فها هنا أولى. ولكنهم اشترطوا في الرجوع بأن لا يصل كتابه إلى المكتوب إليه ، ولم يشترطوا لصحة الرجوع علم الآخر به. وقالوا : لا يصح الرجوع بعد قبول المكتوب إليه لأن العقد قد تم وخرج الأمر من يد الكاتب. وكذلك الحكم في الرسول. ([27])
أما المالكية فإنهم يقولون : إن الإيجاب ملزم للموجب وليس له الرجوع عنه. وعلى ذلك يتم العقد بمجرد إعلان القبول على هذين المذهبين . وهما لا يقولان بخيار المجلس ، فليس لهما بعد ذلك حق في الرجوع.
أما الشافعية فقد اشترطوا أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب، في الرأي الأصح عندهم. وفي وجه ضعيف أنه لا يشترط القبول بل يكفي التواصل اللائق بين الكتابين. ([28])
حكم الخيار في التعاقد بين الغائبين : قال  الغزالي  : إذا صححنا البيع بالمكاتبة ، فكتب إليه فقبل المكتوب إليه ثبت له  خيار المجلس  ما دام في مجلس القبول ، قال : ويتمادى خيار الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه ، حتى لو علم أنه رجع عن  الإيجاب  قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع.
وقال في حاشية الجمل : لا ينقطع خيار كل منهما إلا بإلزامه العقد أو مفارقة المجلس نفسه. ومجلس الكاتب هو الذي كان فيه عند قبول المكتوب إليه وأوله من حين القبول. ([29])
منزع  القوانين الوضعية:  القوانين الوضعية  أخذت بجواز التعاقد بالطرق المشار إليها. ويهتم القانون بنقطتين هما: مسألة انعقاد العقد من حيث الزمان والمكان. والثانية : مسألة التزام الموجب بالإبقاء على إيجابه بعد أن يبعث به إلى الموجب له.
أما المسألة الأولى فقد جاء نص المادة ( 49 ) من القانون المدني الكويتي ، ويماشي معظم القوانين الأخرى وخاصة القانون المصري ، ونصها : ( يعتبر التعاقد بالمراسلة أنه قد تم في الزمان والمكان اللذين يتصل فيهما القبول بعلم الموجب ما لم يتفق على غير ذلك ، أو يقضي القانون أو  العرف  بخلافه ) . ومفاد هذه المادة أنها سرت باتجاه  القانون المصري  الذي أخذ بمذهب العلم. وخرج عن هذا الأصل المادة ( 98 ) إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف يدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحًا بالقبول فإن العقد يعتبر قد تم إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب ، واعتبر السكوت قبولًا إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل أو إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه.
ولتحديد مكان العقد أهمية في القانون وذلك لمعرفة القانون الواجب التطبيق على التصرفات ذات العنصر الأجنبي هل هو قانون بلد الموجب أو قانون بلد المقابل ؟ ويدور ذلك مع الأخذ بأي من المذهبين ، فإن أخذ بمذهب الإعلان كان القانون الواجب تطبيقه قانون بلد القابل ، وإن أخذ بمذهب العلم كان القانون الواجب تطبيقه بلد الموجب.
ونشير إلى أن القوانين منها ما تأخذ بنظرية إعلان القبول ، ومنها ما تأخذ بنظرية تصدير القبول ، ومنها ما تأخذ بنظرية تسليم القبول ، ومنها ما تأخذ بنظرية العلم بالقبول ، والفقه الإسلامي ، كما سبق يتفق مع النظرية الأولى وهي نظرية إعلان القبول.
وأما الصورة الثالثة ، وهي التعامل عن طريق الهاتف وما شابهها كالراديو واللاسلكي وكل وسيلة تجعل متعاقدين حاضرين غائبين. وقد ذكر الشافعية مسألة قريبة الشبه من هذه الصورة وهي أن المتعاقدين لا يشترط فيهما قرب المكان ولا رؤية بعضهما لصحة العقد وانعقاده ، ويسري ثبوت الخيار ، وجاء في المجموع : لو تناديا وهما متباعدان وتبايعا صح البيع بلا خلاف ، وأما الخيار ، فقد قال إمام الحرمين يحتمل أن يقال لا خيار لهما لأن التفرق الطارئ يقطع الخيار فالمقارن يمنع ثبوته ويحتمل أن يقال ثبت ما داما في موضعهما فإذا فارق أحدهما موضعه بطل خياره. وهل يبطل خيار الآخر أم يدوم إلى أن يفارق مكانه فيه احتمالان للإمام ، وقطع المتولي بأن الخيار يثبت لهما ما داما في موضعهما ، فإذا فارق أحدهما موضعه ووصل إلى موضع لو كان صاحبه معه في الموضع عُدَّ تفرُّقًا حصل التفرق وسقط الخيار ، ثم قال والأصح في الجملة ثبوت الخيار وأنه يحصل التفرق بمفارقة أحدهما موضعه وينقطع بذلك خيارهما جميعًا ، وسواء في صورة المسألة كانا متباعدين في صحراء أو ساحة أو كانا في بيتين من دار، أو في صحن وصفة ، صرح به المتولي.([30])
والذي تجدر الإشارة إليه أن لجنة تعليل مجلة الأحكام العدلية نصت على صحة التعاقد بالتلغراف والتلفون في سنة 1921م ، وأفتى الشيخ أحمد إبراهيم سنة 1935م بنحو ذلك وقال : وأما العقد بالتليفون فالذي يظهر أنه كالعقد مشافهة مهما طالت الشُّقة بينهما ، ويعتبر العاقدان كأنهما في مجلس واحد إذ المعنى المفهوم من اتحاد المجلس أن يسمع أحدهما كلام الآخر ويتبيَّنه وهذا حاصل في الكلام بالتليفون.([31] )
وقد أخذت القوانين بهذه الوجهة ونصت على أن التعاقد بالتليفون أو بأي وسيلة أخرى مماثلة يعتبر كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان.
بقيت مسألتان : الأولى : التعاقد عن طريق العقل الإلكتروني ، وهذا كما قال المالكية يعتبر من فعل الإنسان ، فإذا انضبطت أموره وأمن اللبس كان التعاقد بواسطته كالتعاقد فيما سبق.
المسألة الثانية : ما أثاره البعض في احتمال التزوير والانتحال فهذه مسألة خاضعة لقواعد الإثبات.([32])
وبعد مناقشة البحوث التسعة والتعليق عليها من قبل الأعضاء والخبراء والحضور خرج قرار  مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة.
ونظرًا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات.
وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكاتبة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس (عدا الوصية والإيصاء والوكالة) وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والموالاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف:
قرر:
1 - إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول)، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الكومبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2 - إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
3 - إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.
4 - أن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
5 - ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.([33])
وجاء أيضا قرار مجمع الفقه بالهند في النقاط التالية:
1- المراد من المجلس: الحال التي يشتغل فيها العاقدان بإجراء التعاقد، والقصد من اتحاد المجلس أن يتصل الإيجاب بالقبول في وقت واحد، ومن اختلاف المجلس أن لا يتصل الإيجاب بالقبول في وقت واحد.
2- يصح الإيجاب والقبول في البيع عن طريق الهاتف ومؤتمر الفيديو، وإذا كان العاقدان على الإنترنيت في وقت واحد ويظهر الطرف الآخر قبوله بعد الإيجاب بالفور فينعقد البيع، ويعتبر مجلس العاقدين في هذه الصورة متحدا.
3 - إذا أجاب أحد في البيع على الإنترنت ولم يكن الطرف الآخر متواجدا على الإنترنت في وقت الإيجاب، وبعد وقت استلم الإيجاب، فهذه إحدى صور البيع بالكتابة، وعند ما يقرأ الإيجاب يلزمه إظهار القبول في حينه.
4 -إذا أراد المشتري والبائع إخفاء تعاقدهما واستخدما لذلك الأرقام السرية، فلا يجوز لشخص آخر الإطلاع على هذا التعاقد، أما إذا كان لشخص ما حق الشفعة أو حق شرعي آخر متعلقا بذلك العقد أو البيع فيجوز له الإطلاع عليه.
5 -إن عقد النكاح يحمل خطورة أكثر من عقد البيع، وفيه جانب تعبدي،ويشترط فيه الشاهدان، لذلك لا يعتبر مباشرة الإيجاب والقبول للنكاح على الإنترنيت ومؤتمر الفيديو والهاتف، أما إذا استخدمت هذه الوسائل لتوكيل شخص للنكاح، ويقوم الوكيل من جانب موكله بالإيجاب والقبول أمام الشاهدين فيصح النكاح، ويلزم في هذه الصورة أن يكون الشاهدان يعرفان الموكل أو يذكر الموكل باسمه واسم أبيه عند الإيجاب والقبول.
والله أعلم .
- التعليق على قرارات المجامع الفقهية .
أحسب أن  العلة في القبول أو المنع  في قرارات المجامع الفقهية هي انتفاء الغرر أو الضرر الواقع على طرفي العقد، أو مخالفة الشروط الواجب توافرها في العقد، ومن ثمَّ منعت المجامع الفقهية التعاقد عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومنها (الانترنت ) في عقد النكاح لوجوب حضور الشهود مجلس العقد ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
وأضاف مجمع الفقه بالهند حكمة أخرى في عقد النكاح أن فيه جانبا تعبديا، وهي لفتة طيبة من المجمع إذ أشار إلى ذلك .
وحتى كتابة هذه السطور لم نسمع أن وسائل الاتصالات الحديثة قد حلت مشكلة فورية القبض حيث إن البنوك لا يمكنها القيام بالتسوية الفورية .
يقول الدكتور : سامي السويلم (باحث في الاقتصاد الإسلامي من علماء المملكة العربية السعودية ):- هناك فرق بين إجراء البيع والشراء وبين التسوية، فإجراء العقد يتم في ثوان. أما التسوية (settlement)، فهي تعني دخول المبلغ في حساب المشتري، ودخول العوض في حساب البائع، بحيث يمكن لكل طرف أن يتصرف في المبلغ لمصلحته الخاصة بالسحب وغيره، وبهذا يتحقق التقابض بين الطرفين.
ولا يوجد حتى الآن في سوق العملات الدولية تقابض أو تسوية فورية تتم في لحظة إنجاز العقد، بل يتأخر التقابض لمدة يومين (ويشار إليه بـ( T+2) أو أكثر. في بعض الحالات يمكن للمتعامل اشتراط أن تتم التسوية في نفس اليوم (T+) لكن الأصل هو التأخرأ.هـ
ويترتب على ذلك أنه إذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة أوروبية يوم الجمعة فسيكون التسليم الفعلي يوم الثلاثاء بإهدار يومي السبت والأحد لأنهما عطلة رسمية في أوروبا وأمريكا.
وإذا تم تبادل بين عملة أوروبية أو أمريكية مقابل عملة شرق أوسطية يوم السبت فسيكون التسليم الفعلي يوم الأربعاء بإهدار أيام الجمعة والسبت والأحد ؛ لأنها أيام عطلة في الشرق الأوسط فكأن العملية تمت يوم الاثنين فيكون التسليم يوم الأربعاء بعد يومي عمل، وما يحدث يوم التعاقد هو تسجيل للعملية فقط.
ويعود السبب في ذلك لأمور تنظيمية وإدارية لتمكين الأطراف المعنية من التأكد من صحة كل جوانب العملية وتدقيقها وإنجاز الوثائق الخاصة بها.
وقد ناقش مجمع الفقه موضوع القبض في نفس الدورة التي ناقش فيها موضوع إجراء العقود بوسائل الاتصالات الحديثة وخرج بهذا القرار:
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس)1990م .
 بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع : "القبض : صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها" .
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .
قرر :  أولاً : قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد ، أو الكيل أو الوزن في الطعام ، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض ، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًا . وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها .
ثانيًا : إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا .
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في  حساب العميل  في الحالات التالية :
( أ ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية .
(ب ) إذا عقد العميل عقد صرف ناجزا بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .
(ج ) إذا اقتطع المصرف – بأمر العميل – مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخر بعملة أخرى ، في المصرف نفسه أو غيره ، لصالح العميل أو لمستفيد آخر ، وعلى  المصارف  مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية .
 ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي ، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل . على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي .
2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف. أ . هـ.
 وقد تحل هذه المشكلة آجلا أو عجلا نظرا للتطور السريع، والطفرات المتلاحقة في وسائل الاتصالات، فساعتها يجوز إجراء الصرف والسلم، لكن ما نؤكد عليه أن يستمر هذا الحظر بخصوص عقد النكاح لأمرين : أن فيه معناً تعبدياً كما أشار مجمع فقهاء الشريعة بالهند ، وأنه ميثاق غليظ به تحل الفروج، وتنشأ الحرمات نتيجة المصاهرة ، وتستجد حقوق متبادلة بين الزوجين لم تكن موجودة قبل العقد.
ومن مقاصد الشرع الاحتياط في مسألة الفروج والأعراض  أكثر من الاحتياط في مسألة الأموال، ومن ثم يجب أن يستمر الحظر فلا يعقد هذا العقد إلا في وجود  طرفي العقد والولي وشاهدي عدل كما اشترط جمهور الفقهاء .
وأمر آخر لم يذكره جمهور الفقهاء وهو من الأهمية بمكان ويحتاج إلى بحث خاص ، وهو الطلاق عبر وسائل الاتصالات الحديثة، فعلى الرغم من أن المجامع سكتت عنه، والسكوت يعني القبول ، وقد أفتى عدد من الفقهاء القدامى والمعاصرين بجواز الطلاق ووقوعه عبر وسائل الاتصالات الحديثة ومنها الانترنت غير أني أرى أن الموضوع يحتاج إلى تحقيق وتدقيق وتأمل.
فقد نظر عدد من الفقهاء إلى الطلاق البدعي فلم يعدوه طلاقا خلاقا لجمهور الفقهاء، واشترط بعض الفقهاء المعاصرين التوثيق في الطلاق كما اشترطوا التوثيق في النكاح.
ولو خرج تقنين يوجب حضور الزوجين والشهود العدول مجلس الطلاق ما جانبه الصواب، وما بعد عن الحق ، فإنه ميثاق غليظ، فلن تفك عراه إلا بالطريقة التي عقدت به، ولعل نظرة من المرأة التي يريد زوجها طلاقها تذكره بخير كبير قد مضى أو أيام سعادة وساعات مرح قد انقضت تجعله يعدل عن هذه الخطوة ، ولعل نظرة من الزوج يذكر بها زوجته أنه صاحب فضل ، وكانت له يد بيضاء تجعلها تعدل عن قرارها إن كانت هي طالبة الطلاق.
ولعل شاهد عدل يعظ الزوجين فيقتنعا بالعدول عن هذا القرار الخطير الذي به تهدم الأسرة ويضيع الأولاد ويحرما من التربية المتكاملة المتوازنة .
إن مباشرة عقد الطلاق وحضور هذا المجلس سيعطي لهذا القرار خطورته فلا يأخذه أحد الأطراف دون المجتمع، وهذا لاشك يختلف تماما عن رسائل المحمول أو رسائل البريد الالكتروني التي يرسلها الزوج دون تفكير ولا روية، ودون وعظ ولا إرشاد.
إن المجتمع شريك للزوجين في هذه العلاقة فهو الذي ينهض وينمو من استمرار هذه الأسر مربية أولادها على الأخلاق الكريمة والخصال الحميدة التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير والبركة، كما أن المجتمع سيضعف ويدمر من جراء هذه الأسر المفككة، وهؤلاء الأطفال الضائعين ، ولا يجوز للشريك أن يتصرف في عقد الشركة بعيدا عن شريكه ودون مشاورة معه.
إننا بحال من الأحوال لن ننزع هذا الحق من الزوج ولن نصل أبدا إلى درجة التحريم المطلق للطلاق، ولكننا نسعى ـ كما هو مقصد الشرع ـ إلى تضييق دائرة الطلاق وانحساره في   أضيق نطاق حتى يكون علاجا أخيرا بعد تجريب كل الوسائل المتاحة والمباحة .
الخلاصة والتوصيات
نخلص من خلال هذه الورقة المختصرة إلى أن الشريعة الإسلامية أتاحت نوعا من المرونة في باب المعاملات إذ الأصل فيها الجواز، والأصل في الشروط والوسائل التي تعقد بها العقود الجواز أيضا، ومن ثمَّ فقد تركت المجال رحبا للإبداع والابتكار، سواء في العقود نفسها من حيث إنشاء عقود جديدة لم تكن في الصدر الأول، أو الإفادة من النتاج البشري عند الآخرين ما دام لم يصطدم هذا بالقواعد العامة والضوابط التي تحكم المعاملات .
ووسائل الاتصال الحديثة من نعم الله التي أنعم بها على الناس أجمعين فهي قادرة على تقصير المسافات واختصار الأوقات وتوفير الجهود والأموال، وبالتالي لن تقف الشريعة في وجه هذه الوسائل ، ولا تمنع إجراء العقود من خلالها مالم يؤدِ هذا إلى الضرر أو الغرر، أو يتنافى مع مقصد من مقاصد الشرع التي من أجلها شرع هذا العقد .
ويوصي الباحث  بتجسير الفجوة بين علماء الفقه والعلماء المتخصصين في وسائل الاتصال الحديثة حتى يفهم كل منهم على الأخر، ويستطيعوا الإفادة من بعضهم البعض، حتى تخرج  الفتوى من المفتي منضبطة لعلمه بالواقع الذي يحيط بالفتوى، وهذا الواقع متشابك ومتداخل بحيث يصعب على الفرد كائنا من كان أن يحيط به بكافة تفاصيله وملابساته ، وهذا ما تقوم بجزء منه المجامع الفقهية حيث تجمع العلماء من كافة التخصصات حتى يسمع بعضهم من بعض ، وهذا الذي تفعله المجامع والندوات المتخصصة والمؤتمرات وإن كان هاما ومفيدا  لكننا نود  أن تكون العلاقة ممتدة داخل المجامع الفقهية وخارجها وألا يستعلى الفقهاء على المتخصصين في هذا الشأن، أو يستنكفوا من طلب العلم والتعلم، أو يتجاوز المتخصصون تخصصهم فيقوموا بعملية الإفتاء...، فدورهم يقف عند وصف الواقع وصفا دقيقا بجعل المفتي أو الفقيه مدركا للواقع ، وبذلك يتكامل دور العالم الشرعي مع العالم التقني وكلاهما مأجور إن شاء الله .  
والحمد لله أولا وآخره وظاهرا وباطنا الحمد لله أبدا أبدا.



([1]) الموسوعة الفقهية 1 / 11، 12 وانظرا أيضا البحر المحيط 1/ 30 -33، التقرير والتحبير 1 / 20 -23،تحفة المحتاج في شرح المنهاج 1/ 21
([2]) حاشية ابن عابدين 1 / 79.
([3]) الموسوعة الفقهية  36 / 31 – 32.
([4]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 5/ 3/ 2579 – 2581.
([5]) كشف الأسرار شرح أصول البزدوي لعلاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (730هـ-1330م)3/ 262 دار الكتاب الإسلامي، التقرير والتحبير في شرح التحرير 2/214.
([6]) التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (792هـ).2/ 262 مكتبة صبيح، التاج والإكليل لمختصر خليل لمحمد بن يوسف العبدري 7/ 493-495، دار الكتب العلمية، وأسنى المطالب شرح روض الطالب 2/403، والغرر البهية في شرح البهجة 3/311، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل 5/41، وتحفة المحتاج في شرح المنهاج 6/123، ودقائق أولي النهى لشرح المنتهى 2/240، وبدائع الصنائع 4/173، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 5/105، الموسوعة الفقهية 1/255- 258، والفقه الإسلامي وأدلته 4/ 92-94.
([7]) بدائع الصنائع 2/232، فتح القدير 3/190.
([8]) المنتقى شرح الموطأ 4/156، مواهب الجليل 4/23-24، حاشية العدوي 4/40، والفقه الإسلامي وأدلته 4/ 92-94، وينظر أحكام المعاملات الشرعية للأستاذ علي الخفيف ص 435.
([9]) الفقه على المذاهب الأربعة 2/ 157.
([10]) المغني4/  3- 5.
([11]) مجلة الأحكام العدلية مادة 175ج1/ 143.
([12]) البخاري في كتاب الرهن باب: من رهن درعه 5/143(2509).
([13]) أبوداود كتاب البيوع باب الرجحان في الوزن 3/245(3336).
([14]) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/18 والبيهقي في سننه 10/146
([15]) المغني4/ 184، وينظر الأم للشافعي 3/ 88، أحكام القرآن لابن العربي 3/ 510.
([16]) كشف الأسرار شرح أصول البزدوي 4/238- 239، وشرح التلويح على التوضيح 2/225-233، التقرير والتحبير 2/164-168، الموسوعة الفقهية 7/ 152، أحكام المعاملات الشرعية 258- 265، الفقه الإسلامي وأدلته 4/114-115، أصول الفقه الإسلامي د. وهبة الزحيلي 1/163- 168 دار الفكر دمشق، أصول التشريع الإسلامي أ. علي حسب الله، 392-395، ط دار المعارف.
([17]) المبسوط15/83، تبيين الحقائق 4/82، بدائع الصنائع 5/257، 6/119، أنوار البروق في أنواع الفروق 3/248، 273، إعلام الموقعين 2/16، الموسوعة الفقهية 14/144-145، الفقه الإسلامي وأدلته 4/172-175.
([18]) بدائع الصنائع 6/179-180، المنتقى شرح الموطأ 4/180، كشف الأسرار 4/5-6، أسنى المطالب 2/8-9، المجموع شرح المهذب 11/170، الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 177.
([19]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 5/113، حاشيتا قليوبي وعميرة 13/84 معالم القربة في معالم الحسبة لمحمد بن محمد بن أحمد القرشي المعروف بابن الأخوة 53-58 دار الفنون كمبردج، البحر الرائق 5/279-280، الفتاوى الكبرى 6/196، الفقه الإسلامي وأدلته 4/179.
([20]) المدونة 4/261، الأم 3/132، المحلى 7/23، أنوار البروق في أنواع الفروق 1/148، 150، تبيين الحقائق 4/7-8، فتح القدير 8/210، الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام ( شرح ميارة ) لمحمد بن أحمد ميارة الفاسي 1/279دار المعرفة، الموسوعة الفقهية 16/174. والفقه الإسلامي وأدلته 4/179.
([21]). وينظر مواهب الجليل 4/261، الفروع لابن مفلح 4/9، المجموع شرح المهذب 1/183، الإنصاف 1/90، 4/280،أسنى المطالب 4/160، رد المحتار على الدر المختار 5/71، 72، الموسوعة الفقهية 23/214، 215، الفقه الإسلامي وأدلته 4/179.
([22]) الفقه على المذاهب الأربعة 2/157-  167 باختصار وتصرف، العقود المسماة في الفقه الإسلامي د. وهبة الزحيلي ص 18 – 19ط 1 1407هـ - 1987م.
([23]) أخرجه البخاري كتاب البيوع باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه 4/414(2224) ، وصحيح مسلم كتاب المساقاة باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير 3/1207(71/1581).
([24]) أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي 3/ 238 باختصار وتصرف.
[25] - مواهب الجليل في شرح مختصر خليل لمحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحطاب 4/ 486 دار الفكر ، الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام لمحمد بن أحمد الفاسي (ميارة ) 2/ 71- 72  دار المعرفة . ، منح الجليل شرح مختصر خليل لمحمد بن أحمد بن محمد (عليش ) 5/ 255 .
[26] - العناية شرح الهداية 6/ 255، فتح القدير 6/ 255، البحر الرائق شرح كنز الدقائق 5/ 290 ، رد المحتار  على الدر المختار 4/ 512 -513 .
[27] - بدائع الصنائع 5/ 138، الفتاوى الهندية 3/ 9، الموسوعة الفقهية 30 / 213.
[28] - المنتقى شرح الموطأ 4/ 286، منهج الطلاب 3/ 30 .
[29] - المجموع شرح المهذب 9/ 189، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية 2/ 446، فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب 3/ 10 ، التجريد لنفع العبيد ( حاشية الجمل ) 2/ 169 .
[30] - المجموع شرح المهذب 9م 213 -214 .
[31] - درر الحكام شرح مجلة الأحكام 1/ 141- 142 .
([32])العارض لهذه البحوث  هو الشيخ عبد الله محمد عبد الله باختصار وتصرف يسير .
([33]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 6/ 2/ 1265- 1268.

1 التعليقات:

How to Play Baccarat - FBCasino.com
With a very standard 52-card deck of cards, febcasino the septcasino dealer can choose to remove all three suits, as well as two suits. One suits are: Ace, 카지노 Black,

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More