الأربعاء، 22 يونيو 2016

من المستجدات الفقهية في المعاملات المالية المعاصرة

من المستجدات الفقهية في المعاملات المالية المعاصرة


(المسابقات والتسوق الشبكي)

د. رجب أبومليح محمد



بحث محكم قدم لمؤتمر دار العلوم بجامعة الفيوم ـ القاهرة




















مقدمة
شهد الثلث الأخير من القرن الماضي معاملات مالية جديدة، كان الدافع من ورائها تقديم البديل الشرعي للمعاملات الربوية، فأصبحنا نسمع عن المرابحة للآمر بالشراء ، والمضاربة المشتركة، والإجارة والمشاركة المنتهيتان بالتمليك ، وسمعنا عن تطبيقات معاصرة لعقود الاستصناع والسلم وغير ذلك الكثير..
لكن حدثت طفرة في العشر سنوات الأخيرة ربما فاقت التطورات في القرن الماضي كله، وكان ذلك بسبب الشبكة العنكبوتية، والفضائيات التي حولت العالم كله إلى غرفة صغيرة يستطيع الجالس فيها أن يحيط بأبعادها وما يحدث فيها.
فتطورت بطاقات الائتمان وتنوعت صورها واستخداماتها، ونشأت المسابقات التليفونية أو التلفازية، ونشأ التسوق الشبكي أو الهرمي في صور متعددة فمن (البنتاجون ) إلى معاملات (جولد كوست) إلى (بزناس) وغيرها من الصور التي تدور في فلك واحد وهو التسويق الشبكي الذي جنى من ورائه قلة من الناس الملايين ثم دفع هذه الملايين وأضعافها آلاف من الشعوب الكادحة التي تلهث وراء سراب الثراء السريع تحسبه ماء حتى إذا جاءته وجدت الوهم والضياع  .
ونريد أن نقف في هذه الورقة وقفة سريعة حول المسابقات بأنواعها والتسوق الشبكي نظرا لشيوع هاتين المعاملتين وذيوعهما وسط الشباب خاصة والرجال والنساء عامة .
وقد قسمت هذا البحث إلى :
ـ تمهيد : يتناول المقصود بالمستجدات، والمعاملات المالية.
ـ المبحث الأول : بعض الضوابط  العملية التي تُبنى عليها أحكام هذه المعاملات.
ـ المبحث الثاني : بعض الضوابط الأخلاقية التي تبنى عليها أحكام المعاملات .
ـ المبحث الثالث: جوائز التسوق والمسابقات الهاتفية.
ـ المبحث الرابع: التسوق الشبكي والنصب الهرمي.
أولا : التمهيد
ـ المستجدات:  هي تلك القضايا الحادثة التي لم يسبق أن تكلم فيها الفقهاء القدامى بصورتها الحالية، نظرا لعدم حدوثها في عصرهم، ومصدر الجدة هنا ربما لا يأتي من المسألة نفسها لكن قد يأتي من تغير الزمان والمكان والأحوال، وهذا يؤثر في تغير الأحكام.
 وهذه المعاملات الحادثة لا بد وأن تكون منضبطة بالضوابط العامة للمعاملات المالية.
 ـ المعاملات في اللغة: جمع معاملة ؛ وهي مأخوذة من العمل وهو لفظ عام في كل فعل يقصده المكلف.
وأما في الاصطلاح: فهي الأحكام الشرعية المتعلقة بأمور الدنيا سواء تتعلق بالأموال أو النساء حيث قال ابن عابدين ـ رحمه الله ـ والمعاملات خمسة: المعاوضات المالية ، والمناكحات ، والمخاصمات ، والأمانات ، والتركات.([1])
وخصها بعض الفقهاء بالأحكام المتعلقة بالمال حيث قسموا الفقه الإسلامي إلى عبادات، ومعاملات، ومناكحات (أحوال شخصية) وعقوبات.
وهذا التعريف الأخير هو ما استقر عليه التصنيف في الكتابات المعاصرة، وهو ما نلتزمه من خلال هذا البحث .

ـ المالية: يطلق المال في اللغة: على كل ما تملكه الإنسان من الأشياء.

وفي الاصطلاح: اختلف الفقهاء في تعريف المال على النحو التالي: عرف فقهاء الحنفية المال بتعريفات عديدة ، فقال ابن عابدين: المراد بالمال ما يميل إليه الطبع ، ويمكن ادخاره لوقت الحاجة. والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم.
 وعرف المالكية المال بتعريفات مختلفة ، فقال الشاطبي: هو ما يقع عليه الملك، ويستبد به المالك عن غيره إذا أخذه من وجهه.
 وقال ابن العربي: هو ما تمتد إليه الأطماع ، ويصلح عادة وشرعا للانتفاع  به.
وقال عبد الوهاب البغدادي: هو ما يتمول في العادة ويجوز أخذ العوض عنه.
 وعرف الزركشي من الشافعية المال بأنه ما كان منتفعا به ، أي مستعدا لأن ينتفع به.
وحكى السيوطي عن الشافعي أنه قال: لا يقع اسم المال إلا على ما له قيمة يباع بها ، وتلزم متلفه ، وإن قلت ، وما لا يطرحه الناس مثل الفلس وما أشبه ذلك.
وقال الحنابلة: المال شرعا ما يباح نفعه مطلقا ، أي في كل الأحوال ، أو يباح اقتناؤه بلا حاجة[2].
والرأي الراجح في هذه المسألة هو التوسع في مفهوم المال حتى يشمل المنافع والحقوق المالية حتى لا نقف عند المفهوم الضيق للمال فيعتدى على المنافع والحقوق بحجة أنها ليست من الأموال.
وقد حسم مجمع الفقه الإسلامي هذه المسألة عند بحثه للحقوق المعنوية وهذا نص قراره.
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس  بالكويت  من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409 هـ/ 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (الحقوق المعنوية ) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولًا: الاسم التجاري، والعنوان التجاري، والعلامة التجارية، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصة لأصحابها أصبح لها في  العرف  المعاصر  قيمة مالية  معتبرة لتمول الناس لها. وهذه الحقوق يعتد بها شرعًا فلا يجوز الاعتداء عليها.
ثانيًا: يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بعوض مالي إذا انتفى الغرر والتدليس والغش باعتبار أن ذلك أصبح حقًا ماليًا.
ثالثًا: حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعًا ولأصحابها حق التصرف فيها، ولا يجوز الاعتداء عليها([3])
واستقرت الفتوى على أن حق التأليف أيا كانت صورته التي خرج عليها سواء كان كتبا أو برامج الكترونية ( Cdes) أو غيرها فحقوقها محفوظة لأصحابها، ولا يجوز التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرف إلا بعد الرجوع لأصحاب هذه الحقوق وأخذ الأذن منهم كتابة أو مشافهة، وأيا كان الغرض من استعمالها شخصيا أو تجاريا أو دعويا فلا يجوز الاعتداء على هذه الحقوق بحال من الأحوال.
ـ المعاصرة:  وهي التي حدثت في العصر الذي نعيش فيه، ونستطيع أن نحدد المدى الزمني لهذه المعاملات من النصف الثاني للقرن الماضي ( القرن العشرين) وحتى الآن وهذا تحديد اجتهادي يحق لأي باحث الاختلاف معه والزيادة والنقصان منه.

المبحث الأول : بعض الضوابط  العملية التي تُبنى عليها أحكام هذه المعاملات: 

أردت أن أقدم هذه الضوابط العامة حيث إنها ضوابط لا تختص بمعاملة دون الأخرى ولكنها ضوابط نحتاج إليها في معظم المعاملات المالية سواء كانت معاصرة أم قديمة .

أولا: الأصل في العقود الجواز:

اختلف الفقهاء قديمًا وحديثًا حول هذه المسألة؛ فمنهم من يرى أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما ورد في الشرع منعه، ومنهم من يرى أن الأصل في العقود المنع إلا ما ورد في الشرع جوازه، وسنفرد هذه المسألة بشيء من التفصيل في السطور التالية:
ذهب بعض الفقهاء إلى أن الأصل في العقود الإباحة، وقد قال بهذا الرأي الإمام الشافعي، والزيلعي من الحنفية، والشاطبي من المالكية، وهو رأي ابن تيمية وابن القيم([4]واستدل أصحاب هذا الرأي بما يلي:
من القرآن الكريم قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)([5])(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولا)([6] أي كل العهود التي تجرى بين الناس مما لم يمنعه الشارع.
وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار)ِ([7])
واستدلوا له من السنة بقول النبي r: (المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالاً أو أحل حرامًا)([8])
وقوله r: (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)([9])
- وكذلك يرى أصحاب هذا الرأي أن العقود من باب الأفعال العادية، والأصل فيها عدم التحريم وقد كان الأوس والخزرج يحرمون على الرجل إتيان امرأته في فرجها إذا كانت مجبية، (أي إتيانها في القبل من الخلف)، وأيضًا كانت قريش تحرم السعي بين الصفا والمروة… إلى غير ذلك من الأفعال التي أنكرها الله على أهل الجاهلية، ولو لم يفعلوها لما لحقهم الإنكار.
 يقول ابن تيمية: إذا حرمنا العقود والشروط بين الناس في معاملاتهم العادية بغير دليل شرعي كنا محرِّمين ما لم يحرمه الله، بخلاف العقود التي تتضمن شرع دين لم يأذن به الله؛ فإن الله حرم من الدين ما لم يأذن به؛ فلا تشرع عبادة إلا بشرع الله، ولا تحرم عبادة إلا بتحريم الله، والعقود والمعاملات من العادات التي يفعلها المسلم والكافر، وإن كان فيهما قربة من وجه آخر؛ فليست من العبادات التي يفتقر فيها إلى شرع كالعتق والصدقة([10])
كما استدلوا بأن الأصل في العقود رضا المتعاقدين، وموجبها ما أوجباه على أنفسهما، قال تعالى: (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)؛ فعلق جواز التجارة على الرضا تعليق الجزاء بشرطه، فدل على أنه سبب له، والرضا شرط زائد على مجرد البيع (التجارة)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الأصل في العقود والشروط عند الإمام أحمد وقريب منه الإمام مالك الجواز والصحة؛ فلا يحرم منها ولا يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه أو بطلانه نصًا أو قياسًا، وليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشرط من الإمام أحمد)([11])

وذهب بعض الفقهاء إلى أن الأصل في العقود الحظر والمنع، إلا ما ورد في الشرع جوازه وإباحته

واستدل أصحاب الرأي الثاني على قولهم بما يلي:

1 - حديث السيدة عائشة رضي الله عنها المتفق عليه في قصة عتق مولاتها بريرة لما اشترط أهلها الولاء لهم، قال رسول الله r لعائشة: (خذيها واشترطي لهم الولاء)، ثم قال r: (ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق)([12])
2 - حديث عائشة رضي الله عنها (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)([13])
3 - حديث أبي هريرة في قصة العسيف (الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام)([14])
4 - حديث (نهى النبي r عن بيع وشرط).
ويرد على الاستدلال بالحديث الأول بأن الشرط في الحديث بمعنى المشروط، كما تقول العرب: (هذا الدرهم ضرب الأمير)؛ أي: مضروبه؛ فالمراد المشروط لا نفس التكلم به، وقوله في الحديث: (وإن كان مائة شرط)، لا يراد به تكرار التكلم بالشرط، وإنما المراد تكرار المشروط؛ بدليل قوله في الحديث: (كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق)، ثم المراد بكتاب الله العموم للجزئيات والكليات.
 ويرد على الاستدلال بالحديث الثاني أن المراد بالأعمال هي أعمال العبادات؛ حيث إن الأصل فيها التوقف؛ فلا يُعبد الله إلا بما شرع، أما أفعال المعاملات (العقود) فهي عادية، الأصل فيها الإباحة.
- ويرد على الاستدلال بالحديث الثالث أن النبي r أبطل هذا الصلح؛ لمخالفته لأدلة الشرع، وتضمنه إسقاط الحد الشرعي، ولو لم يصادم الشرع لكان جائزًا.
- ويرد على الاستدلال بالحديث الرابع أنه لم يرد في كتب السنة، وقد أنكره الإمام أحمد وغيره من العلماء، وذكروا أنه لا يعرف، بل الأحاديث الصحيحة تعارضه كحديث بيع جمل جابر وغيره([15])
هذا وقد رد أصحاب الرأي الأول شبه القائلين بأن الأصل في العقود والشروط الحظر والبطلان إلا ما نص الشرع على جوازه وصحته، كما ردوا على شبهتهم المتعلقة بأن الشروط تحل الحرام، وتحرم الحلال بقولهم: (إن المشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله، ولا يحرم ما أباحه الله؛ فإن شرطه حينئذ يكون مبطلا لحكم الله، وكذلك ليس له أن يسقط ما أوجبه الله، وإنما المشترط له أن يوجب بالشرط ما لم يكن واجبًا بدونه؛ فمقصود الشرط وجوب ما لم يكن واجبًا ولا حرامًا، وعدم الإيجاب ليس نفيًا للإيجاب حتى يكون المشترط مناقضًا للشرع، وكل شرط صحيح لا بد أن يفيد وجوب ما لم يكن واجبًا؛ فإن المتبايعين يجب لكل منهما على الآخر من الإقباض ما لم يكن واجبًا، ويباح أيضًا لكل منهما ما لم يكن مباحًا، ويحرم على كل منهما ما لم يكن حرامًا، وكذلك كل من المتآجرين والمتناكحين)([16])

والذي يؤخذ من هذه النصوص أمران:

الأول: إن الشروط التي يشترطها المتعاقدون يحكم بجوازها وصحتها شرعًا، ما لم يرد نص عن الشارع بالحظر والإبطال.
الثاني: إن الشروط توجب ما لم يكن واجبًا من المباحات، وهي مجال الشروط، بخلاف الواجبات والمحرمات المطلقة في الشرع([17])

ثانيا: الاعتبار في العقود بظواهرها أم بمعانيها؟

اختلفت آراء الفقهاء حول هذه القاعدة؛ فمنهم من غلب جانب اللفظ على المعنى؛ فيأخذ بظاهر اللفظ تاركًا المعنى وقصد المتعاقدين، ومنهم من غلب جانب المعنى وقصد المتعاقدين على ظواهر الألفاظ، ومع هذا فإنهم لا يهملون جانب اللفظ متى أمكن الجمع بينهما([18])
أشار الإمام النووي -رحمه الله- في المجموع لهذه المسألة، فقال: (قال المتولي: لو قال وهبت لك هذا بألف، أو هذا لك بألف، أو هذا لك هبة بألف فقبل.. هل ينعقد هذا العقد؟ فيه خلاف مبني على قاعدة أن الاعتبار في العقود بظواهرها أم بمعانيها؟ وفيه وجهان:
أحدهما: الاعتبار بظواهرها؛ لأن هذه الصيغ موضوعة لإفادة المعاني، وتفهيم المراد منها عند إطلاقها فلا تترك ظواهرها، ولهذا لو استعمل لفظ الطلاق وأراد به الظهار أو عكسه تعلق باللفظ دون المعنى، ولأن اعتبار المعنى يؤدي إلى ترك اللفظ، ولأنا أجمعنا على ألفاظ اللغة فلا يعدل بها عما وضعت له في اللغة، فيطلق اللفظ لغة على ما وضع له، فكذا ألفاظ العقود، ولأن العقود تفسر باقتران شرط مفسر؛ ففسادها بتغيير مقتضاها أولى.
والرأي الثاني: أن الاعتبار بمعانيها؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، فإذا تعذر حمْلُه عليه حملناه على الاستحباب، وأصل النهي التحريم، فإذا تعذر حمْلُه عليه حملناه على كراهة التنزيه، وكذا هنا إذا تعذر حمل اللفظ على مقتضاه يحمل على معناه، ولهذا لو باعه بعشرة دراهم، وفي البلد نقود أحدها غالب حملناه على الغالب طلبًا للصحة، قال المتولي: ويتفرع على هذه القاعدة مسائل، منها:
المسألة الأولى: وهي إذا قال وهبته لك بألف، فإذا اعتبرنا المعنى انعقد بيعًا، وإن اعتبرنا اللفظ فسد العقد، فإذا حصل المال في يده كان مقبوضًا بحكم عقد فاسد.
المسألة الثانية: لو قال بعتك ولم يذكر ثمنًا، فإن اعتبرنا المعنى انعقد هبة، وإلا فهو بيع فاسد.
المسألة الثالثة: لو قال أسلمت هذا الدينار أو دينارًا في هذا الثوب، فإن اعتبرنا المعنى انعقد بيع عيني، وإلا فهو سلم فاسد([19])
ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين:
)الألفاظ بالنسبة إلى مقاصد المتكلمين ونياتهم وإرادتهم لمعانيها ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن تظهر مطابقة القصد للفظ، وللظهور مراتب تنتهي إلى اليقين والقطع بمراد المتكلم بحسب الكلام في نفسه، وما يقترن به من القرائن الحالية واللفظية، وحال المتكلم به وغير ذلك، كما إذا سمع العاقل والعارف باللغة قوله r: (إنكم سترون ربكم عيانًا كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، وكما ترون الشمس في الظهيرة صحوًا ليس دونها سحاب، لا تضارون في رؤيته إلا كما تضارون في رؤيتها)([20])ولا يشك في مراد المتكلم، وإنه رؤية البصر حقيقة، وليس في الممكن عبارة أوضح ولا أنص من هذه…
القسم الثاني: ما يظهر بأن المتكلم لم يرد معناه، وقد ينتهي هذا الظهور إلى حد اليقين؛ بحيث لا يشك السامع فيه، وهذا القسم نوعان: أحدهما: أن لا يكون مريدًا لمقتضاه ولا لغيره، والثاني أن يكون مريدًا لمعنى يخالفه؛ فالأول كالمكره والنائم والمجنون، ومن اشتد به الغضب والسكران، والثاني كالمعرّض والمورّي والمتأول.
القسم الثالث: ما هو ظاهر في معناه، ويحتمل إرادة المتكلم له، ويحتمل إرادته لغيره، ولا دلالة على واحد من الأمرين واللفظ على المعنى الموضوع له، وقد أتى به اختيارًا.
وعند هذا يقال: إذا ظهر قصد المتكلم لمعنى الكلام، أو لم يظهر قصد يخالف كلامه.. وجب حمل كلامه على ظاهره..
فالواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله، وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره، وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب، ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك.
ولكن حمل كلام المتكلمين على ظاهره، لا ينبغي صرفه عن ذلك لدلالة تدل عليه، كالتعريض ولحن الخطاب والتورية وغير ذلك، وهذا أيضًا مما لا ينازع فيه العقلاء، وإنما النزاع في الحمل على الظاهر حكمًا بعد ظهور مراد المتكلم، والفاعل بخلاف ما أظهره؛ فهذا هو الذي وقع فيه النزاع، وهو: هل الاعتبار بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد والنيات بخلافها، أم للقصود والنيات تأثير يوجب الالتفات إليها، ومراعاة جانبها، وقد تظاهرت أدلة الشرع وقواعده على أن القصود في العقود معتبرة، وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده، وفي حله وحرمته، بل أبلغ من ذلك وهي أنها تؤثر في الفعل الذي ليس بعقد تحليلا وتحريمًا فيصير حلالاً تارة، وحرامًا تارة باختلاف النية والقصد، كما يصير صحيحًا تارة وفاسدًا تارة باختلافها، وهذا كالذبح؛ فإن الحيوان يحل إذا ذبح لأجل الأكل، ويحرم إذا ذبح لغير الله، وكذلك الحلال يصيده للمحرم فيحرم عليه، ويصيده للحلال فلا يحرم على المحرم، وكذلك الرجل يشتري الجارية ينوي أن تكون لموكله فتحرم على المشتري، وينوي أنها له فتحل له، وصورة الفعل والعقد واحدة، وإنما اختلفت النية والقصود..
فالنية روح العمل ولبه وقوامه، وهو تابع لها يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، والنبي r قد قال كلمتين كفتا وشفتا، وتحتهما كنوز العلم وهما قوله: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)([21])الأولى أن العمل لا يقع إلا بالنية، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بين في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعم العبادات والمعاملات والأيمان والنذور وسائر العقود والأفعال، وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا، ولا يعصمه من ذلك صورة البيع)([22])
ويقول ابن رجب في القاعدة الثامنة والثلاثين: (فيما إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها.. فهل يفسد العقد بذلك، أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟ فيه خلاف: يلتفت إلى أن المغلب هو اللفظ أو المعنى)([23])
كما أورد السيوطي في الأشباه والنظائر مثالا للقاعدة الخامسة.. هل العبرة بصيغ العقود وبمعانيها؟ وساق عدة أمثلة، منها قوله: (لو عقد الإجارة بلفظ البيع، فقال: بعتك منفعة هذه الدار شهرًا؛ فالأصح لا ينعقد؛ نظرًا إلى اللفظ، وقيل ينعقد نظرًا إلى المعنى)([24])
ومن هذا العرض يظهر أن بعض المذاهب يجعل العبرة للمعاني وهم الأحناف، كما ذكر ابن نجيم والمجلة، ومنهم من يجعل التغليب للفظ وهم الشافعية، وأما الحنابلة فإن الذي يفهم من قواعد ابن رجب جريان الخلف في المذهب، أما ابن القيم فإنه يقطع بأن العبرة للقصد، وينقل المالكية بأن القصود عندهم في العقود معتبرة([25])

ومن خلال ما سبق نخلص إلى ما يلي:

1 - الأصل في العقود محاولة الجمع بين اللفظ والمعنى ما أمكن.
2 - العبرة في العقود للمعاني والمقاصد في حالة اتفاق طرفي العقد، وإقرارهما أنهما ينويان عقدًا واحدًا محددًا بعينه.
3 - إذا حدث خلاف بين طرفي العقد فلا سبيل إلى معرفة نواياهما؛ لأن هذا أمر يعلمه الله سبحانه وتعالى؛ فيصار إلى اللفظ قضاء، وإن كانت العبرة بالمعنى ديانة؛ لأن الشارع الحكيم أناط الأحكام بالظواهر المنضبطة، وأمرنا أن نأخذ بالظواهر، ونكِل النيات لعلام السرائر.

ثالثا: الشروط وأثرها على العقود:

 يرى الحنفية أن البائع إذا شرط شرطًا لا يقتضيه العقد، ولم يرد بالشرع جوازه، ولكنه يلائم العقد ويوافقه؛ كأن يشتري شيئًا بشرط أن يعطي للبائع كفيلاً بالثمن.. فلا يخلو الأمر من حالين:
(أ) إما أن يكون الكفيل أو الرهن معلومًا بالإشارة أو التسمية، وإما ألا يكون معلومًا بهما؛ كأن يقول: أبيعك بشرط أن تعطيني كفيلا بالثمن، ولم يسم إنسانًا أو يشر إليه؛ فالبيع فاسد؛ لأن هذه جهالة تفضي إلى منازعة مانعة عن التسليم والتسلم.
 أما إذا كان معلومًا بالإشارة أو التسمية؛ فالقياس عندهم أنه لا يجوز البيع، وبه أخذ زفر. وفي الاستحسان يجوز، وهو قول علمائنا، وهو الصحيح؛ لأن الرهن أو الكفالة –شرعًا- توثيق للمثمن؛ فيكون شرطًا مقررًا لما يقتضيه العقد معنى.
(ب) وإذا شرط شرطًا لا يقتضيه العقد، ولا يتعارفه الناس، وفيه منفعة لأحد العاقدين؛ كأن يشتري حنطة على أن يطحنها البائع؛ فالبيع فاسد، وهذا مذهب علمائنا، وقال ابن أبي ليلى: إن البيع جائز، والشرط باطل. وقال ابن شبرمة: إن البيع جائز، والشرط جائز. ولو شرطا شرطًا فيه ضرر لأحد العاقدين بأن باع ثوبًا أو حيوانًا سوى الدقيق بشرط ألا يبيعه ولا يهبه؛ فالبيع بهذا الشرط صحيح. وقال أبو يوسف بفساده([26])
 أما المالكية فالشروط عندهم ثلاثة أقسام:

الأول: شروط تبطل هي والبيع معًا.

 الثاني: شروط تجوز هي والبيع معًا.

 الثالث: شروط تبطل ويثبت البيع.

 وذلك راجع إلى كثرة ما يتضمن الشروط من صنفي الفساد، وهما الربا والغرر، وإلى قلته، وإلى التوسط في ذلك.. فما كان دخول هذه الأشياء فيه كثيرًا من قبل الشرط أبطله وأبطل الشرط، وما كان قليلا أجازه وأجاز الشرط. وما كان متوسطًا أبطل الشرط وأجاز البيع. وبهذا تجتمع الأحاديث([27])حسن في هذا الموضوع، وهو (كل عقدين يتضادان وضعًا، ويتناقضان حكمًا لا يجوز الجمع بينهما)([28])
وذكر القرافي ستة أنواع من العقود لا يجوز اجتماعها مع البيع جمعت في جملة (جص مشنق)؛ فالجيم للجعالة، والصاد للصرف، والميم للمساقاة، والشين للشركة، والنون للنكاح، والقاف للقراض، والسر في ذلك أن العقود أسباب لتحصيل سببها بطريقة المناسبة، والشيء الواحد لا يناسب المتضادين؛ فكل عقدين بينهما تضاد لا يجمعهما عقد واحد، فلا يجتمع عقد النكاح مع البيع لتضادهما بالمكايسة بالعوض والمعوض؛ فالمسامحة في النكاح، والمشاحة في البيع؛ فحصل التضاد، والمصارفة مبنية على التشديد فامتنع فيها التأجيل، وخيار الشرط والبيع بخلافها فتضاد البيع والصرف حينئذ. فيمتنع الجمع بينهما، وهكذا سائر العقود الستة. وأما غيرها كالإجارة مع البيع أو السلم مع البيع مثلاً فلا تضاد بينهما في الوضع؛ فالإجارة والسلم والبيع عقود على عوض قابلة للأجل، ولا تناقض بينهما لقيامها على المشاحة([29])
ومذهب الشافعية أن ما لا يقتضيه مطلق البيع من الشروط، ولا هو من مصلحة البيع؛ فإنه يفسد البيع إلا شرط العتق. وذلك مثل أن يشتري سلعة على أن يحملها البائع إلى بيته، أو ثوبًا على أن يخيطه، أو دابة على أن يسلمها في بلد كذا، أو وقت كذا، أو على ألا خسارة عليه في المبيع؛ فالعقد فاسد؛ لأنه شرط يصير به الثمن مجهولا، وكذلك لو باع داره وشرط رضا الجيران أو رضا فلان ففاسد([30])
وجاء في (مغني المحتاج): (ولو جمع في صفته مختلفي الحكم كإجارة وبيع؛ كأن يقول: أجرتك داري شهرًا، وبعتك ثوبي هذا بدينار، أو إجارة وسلم؛ كأن يقول: أجرتك داري شهرًا، وبعتك ثوبي هذا بدينار، أو إجارة وسلم كأن يقول: أجرتك داري شهرًا، وبعتك صاع قمح في ذمتي سلمًا بكذا.. صحا في الأظهر، ويوزع المسمى على قيمتهما؛ أي قيمة المؤجر من حيث الأجرة، وقيمة المبيع أو المسلم فيه([31])
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الأصل في العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم منها إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصًا أو قياسًا، وأصول أحمد المنصوصة عنه أكثرها يجري على هذا القول. ومالك قريب منه، لكن أحمد أكثر تصحيحًا للشروط. فليس في الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه([32])
وقد أورد الإمام البخاري في صحيحه كتاب الشروط، وترجم باب (ما يجوز من الشروط في الإسلام، والأحكام والمبايعة)، ثم أورد حديث شروط الصلح في الحديبية، وفيها (كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي r ألا يأتيك منا أحد -وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه؛ فكره المؤمنون ذلك، وامتعضوا منه، وأبى سهيل ذلك؛ فكاتبه النبي r على ذلك)، ثم بين البخاري التزامه r بهذا الشرط التزامًا وثيقًا؛ حيث رد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل، ولم يأته أحد إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلمًا.
ثم ترجم البخاري في باب الشروط في البيع، وباب الشروط في المعاملة، وباب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، وباب الشروط في المزارعة، وباب الشروط في الطلاق، وباب الشروط مع الناس بالقول، وباب الشروط في الجهاد.. وباب الشروط في الوقت([33])
وقد ختم ابن تيمية -رحمه الله- ذلك بقوله: (العقد له حالان: حال إطلاق، وحال تقييد؛ ففرق بين العقد المطلق، وبين المعنى المطلق من العقود؛ فإذا قيل هذا شرط ينافي مقتضى العقد، فإن أريد به ينافي العقد المطلق، فكذلك كل شرط زائد، وهذا لا يضره، وإن أريد ينافي مقتضى العقد المطلق والمقيد، احتاج إلى دليل على ذلك، وإنما يصح هذا إذا نافى مقصود العقد؛ فإن العقد إذا كان له مقصود يراد في جميع صوره، وشرط فيه ما ينافي ذلك المقصود؛ فقد جمع بين المتناقضين؛ بين إثبات المقصود ونفيه؛ فلا يحصل شيء. ومثل هذا الشرط باطل بالاتفاق، بل هو مبطل للعقد عندنا، والشروط الفاسدة قد تبطل لكونها تنافي مقصود الشارع؛ لقوله r: (كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق)، فإذا كان الشرط منافيًا لمقصود العقد كان لغوًا، وإذا كان منافيًا لمقصود الشارع كان مخالفًا لله ورسوله، فأما إذا لم يشتمل على واحد منهما؛ فلم يكن لغوًا ولا اشتمل على ما حرمه الله ورسوله فلا وجه لتحريمه، بل الواجب حله؛ لأنه عمل مقصود للناس، يحتاجون إليه؛ إذ لولا حاجتهم إليه ما فعلوه؛ فإن الإقدام على الفعل مظنة الحاجة إليه، ولم يثبت تحريمه فيباح لما في الكتاب والسنة مما يرفع الحرج)([34])

الضابط الرابع: منع الغرر:

الغرر في اللغة يطلق على معان منها: النقصان والخطر والتعرض للتهلكة والجهل.
وأما في الاصطلاح: فهو ما لا يعرف حصوله أو لا يعرف حقيقته ومقداره
وهذا الضابط باتفاق الأئمة وأنه لابد من منع الغرر في المعاملات، ويدل لهذا حديث أبي هريرة أن النبي r ( نهى عن بيع الغرر ) كما في صحيح مسلم.
وكذلك أيضاًَ من الأدلة عليه ما ورد من النهي عن بيع حَبَل الحَبَلة والمراد به بيع ولد ولد الناقة، وكذلك بيع المضامين والمراد بها ما في بطون النوق من الأجنة، وكذلك بيع الملاقيح وهي ما في أصلاب الفحول، فهذه كلها تدل لهذا الضابط وأنه يمنع الغرر في المعاملات.
وكذلك أيضاًَ النهي عن بيع الملامسة والمنابذة وبيع المعجوز عن تسليمه، هذا كله يدل على هذا الضابط.[35]

الضابط الخامس: منع الربا:

أولا: الربا لغة وشرعا:

الربا في اللغة هو: الزيادة، قال الله تعالى: (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)([36])، وقال: (... أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّة)ٍ([37])؛ أي: أكثر عددا.. يقال: أربى فلان على فلان إذا زاد عليه([38]).
والربا في اصطلاح الفقهاء: عرفه الحنفية بأنه: (فضل خالٍ عن عوض مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة)([39])، وعرفه الشافعية بأنه: (عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد، أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما)([40]). وعرفه الحنابلة بأنه: (تفاضل في أشياء، ونسء في أشياء، مختص بأشياء ورد الشرع بتحريمها -أي تحريم الربا فيها- نصا في البعض، وقياسا في الباقي منها)([41]).
 وعرف المالكية كل نوع من أنواع الربا على حدة؛ فعرفوا ربا الفضل بقولهم: ومن الربا في غير  النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا، وكذلك الذهب بالذهب، ولا يجوز فضة بفضة ولا ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد. وعرفوا ربا النسيئة بقولهم: وكان ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه، وإما أن يربى له فيه([42]).
وكل عقد يشتمل على الربا بأي صورة من الصور فهو محرم ديانة باطل قضاء.

الضابط السادس: منع الميسر:

الميسر لغة: قمار العرب بالأزلام، وقال صاحب القاموس هو اللعب بالقداح أو هو النرد، أو كل قمار. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي. وقال ابن حجر المكي: الميسر: القمار بأي نوع كان، وقال المحلي: صورة القمار المحرم التردد بين أن يغنم وأن يغرم. وقال مالك: الميسر: ميسران، ميسر اللهو وميسر القمار فمن ميسر اللهو النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار ما يتخاطر الناس عليه. وبمثل ذلك قال ابن تيمية.([43])
اتفق الفقهاء على تحريم الميسر في الجملة لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون). جاء النص على الحكمة في تحريم الميسر في قوله تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)، كما جاء النص على أن في الميسر إثما وذلك في قوله تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)  قال ابن تيمية: إن مفسدة الميسر أعظم من مفسدة الربا لأنه يشتمل على مفسدتين: مفسدة أكل المال بالحرام، ومفسدة اللهو الحرام، إذ يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقع في العداوة والبغضاء، ولهذا حرم الميسر قبل تحريم الربا. وقال ابن حجر المكي: سبب النهي عن الميسر وتعظيم أمره أنه من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل). ثم ذكر حديث: (من حلف فقال في حلفه واللاتي والعزى فليقل لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق). وقال: فإذا اقتضى مطلق القول طلب الكفارة والصدقة المنبئة عن عظيم ما وجبت له أو سنت فما ظنك بالفعل والمباشرة.([44])

الضابط السابع: الأصل في المعاملات التعليل والالتفات إلى المعاني

 قال الشاطبي ـ رحمه الله ـ : وأما إن الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني فلأمور:
 الأول: الاستقراء، فنرى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز كالدرهم بالدرهم إلى أجل: تمتنع في المبايعة، ويجوز في القرض. وكبيع الرطب من جنس بيابسه. يمتنع حيث يكون مجرد غرر وربا من غير مصلحة، ويجوز إذا كان فيه مصلحة راجحة (كما في تمر العرايا أبيح بيعه بالتمر توسعة على الناس)، ولتعليل النصوص أحكام العادات بالمصلحة كما في قوله تعالى: (ولكم في القصاص حياة) وفي آية تحريم الخمر (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) وفي حديث: (لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان) ونحو ذلك.
 والثاني: أن أكثر ما علل الله تعالى في العادات بالمناسب الذي إذا عرض على العقول تلقته بالقبول، ففهمنا من ذلك أن قصد الشارع فيها اتباع المعاني، لا الوقوف مع النصوص. بخلاف العبادات، فإن المعلوم فيها خلاف ذلك ; ولهذا توسع مالك حتى قال بقاعدة المصالح المرسلة، والاستحسان.
 والثالث: أن الالتفات إلى المعاني في أمور العادات كان معلوما في الفترات، واعتمد عليه العقلاء، حتى جرت بذلك مصالحهم، سواء أهل الحكمة الفلسفية وغيرهم. إلا أنهم قصروا في جملة من التفاصيل، فجاءت الشريعة لتتمم مكارم الأخلاق. ومن هنا أقرت الشريعة جملة من الأحكام التي كانت في الجاهلية، كالدية، والقسامة، والقراض، وكسوة الكعبة، وأشباه ذلك مما كان من محاسن العوائد ومكارم الأخلاق التي تقبلها العقول.([45])


المبحث الثاني : بعض الضوابط الأخلاقية التي تبني عليها المعاملات المالية

الضابط الأول: منع الظلم:

الظلم لغة:

يأتي الظلم وما يُشْتَقُّ منه على مَعَانٍ منها:
1- الجَوْر أو مجاوزة الحَدِّ، تقول: ظلَم فلانٌ فلانًا: جار عليه، أو جاوَز الحدَّ معه.
2- وَضْع الشيء في غيرِ موضعِه، وفي المثَل: (مَن أَشْبَهَ أباه فما ظلَم)، وفي المثل أيضًا: (مَنِ استَرْعى الذِّئب الغَنَم فقد ظلم)، يُضْرَب لمَن يُولِّي غير الأمين.
3- الغصْب والنقْص، تقول: ظلَم فلانًا حقَّه: غصَبَه، ونقصَه إياه.
4- السواد، تقول: ظلَم الليلُ ظلمًا فهو ظليمٌ: اسْوَدَّ، وأظلَم الليلُ: اسودَّ كذلك.
5- التمويه والتزويق، تقول: هذا شيء مُظلِم: مُمَوَّه، ومُزَوَّق بالذهب والفضة([46])
ولا تَعَارُض بَين هذه المعاني جميعًا، إذ بعضها يُعبِّر عن حقيقة الظلم وهو الأول، والثاني، وبعضها يُعَبِّر عن بعض صُوَرِه، وهو الثالث، وبعضها يُعَبِّر عن الحال أو الهيئة التي يخرج بها للناس وهو: الرابع والخامس، وكأنه: جُور ومُجاوَزة للحدِّ، أو وضع الشيء في غير موضِعِه كالغصْب والنقص، ونحو ذلك تارة بصورة مكشوفة سافرة سوداء، وتارة بصورة مُمَوَّهة ومُزَوَّقة بما يُشبِه الذهب والفضة.

اصطلاحًا:

مُجاوَزَة حدود الله في أي صورة من الصوَر، إنْ بالكُفْر: شِرْكًا أو إلحادًا، وجحودًا، أو إنكارًا لمعلوم من الدين بالضرورة أو استحلالًا لِمَا حَرَّم الله، أو تحريمًا لِمَا أَحَلَّ الله ونحوها من صور الكفر، وإن بما دون ذلك من المعاصي والسيئات: كبيرها وصغيرها، ظاهرها وباطنها، وحسبنا قوله سبحانه:
(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)([47]).
وفعل المحظور، وكذلك ترك المأمور وضع للشيء في غير محله شرعاًَ فهو ظلم.
وهذا الضابط مما اتفق عليه؛ بل إن الشرائع اتفقت على وجوب العدل في كل شيء فالله عز وجل أرسل الرسل وأنزل الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، والأدلة على منع الظلم كثيرة جداًَ منها قوله تعالى: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ)([48])، ومنها قوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) ([49]).
ومنها حديث أبي بكرة - كما في الصحيحين - أن النبي r قال: ( إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام).
ومنها قول النبي r: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).
ومنها حديث أبي ذر في صحيح مسلم أن النبي r قال: (قال الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماًَ فلا تظالموا).
ولهذا نهى النبي r عن النجش وعن التصرية وعن أن يبيع المسلم على بيع أخيه المسلم وأن يشتري على شرائه وأن يسوم على سومه لما في ذلك من الظلم والاعتداء.

الضابط الثاني: الصدق والأمانة:

والصدق في اللغة: يدل على قوة في الشيء وهو مطابقة الحكم للواقع.
والأمانة في اللغة: سكون القلب والوفاء والتصديق.
والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي.
فالصدق في المعاملات: هو أن يطابق قول العاقد الواقع ولا يخالفه.
والأمانة في المعاملات في الاصطلاح: إتمام العقد في المعاملة والوفاء به وعدم مخالفته.
والأدلة على هذا الضابط من القرآن والسنة والإجماع.
    أما القرآن فقول الله عزَّ وجل:(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم) ([50]) الآية، وقوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)([51])  الآية، وقوله: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) ([52])، وقوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وأما السنة فمثل حديث حكيم بن حزام وفيه قول النَّبيّ r: (البيعان بالخيار) إلى أن قال ( فإن بينا وصدقا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما)([53]) وفي حديث أبي ذر في الصحيحين أن النَّبيّ r قال ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة – وذكر منهم – الذي ينفق سلعته بالحلف الكاذب)([54]). فدلَّ ذلك على وجوب الصدق والأمانة عند إجراء العقود، وقد ذكر الغزالي الضابط في ذلك فقال: ألا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه فكل ما عومل به شقَّ عليه وثقل على قلبه فلا يعامل به أخاه. وفي الصحيح من حديث أنس أن النَّبيّ r قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)([55]).

الضابط الثالث: تحري الحلال في المعاملات المالية

يقول الله تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ([56] )
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)  ([57] ) 
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)  ([58] )  
ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم – (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا...)([59])
ويقول - صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم، وقال يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب  يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب له)([60]) 
ويقول - صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ أمن حلال أم من حرام؟)([61])
ويقول - صلى الله عليه وسلم: (كل دم نبت من سحت فالنار أولى به)([62])

الضابط الرابع: الابتعاد عن الشبهات

وينبغي للمؤمن الحريص على دينه: أن يتقي الشبهات؛ استبراء لدينه وعرضه؛ وبعدًا عن مَظَنَّة الحرام، والاقتراب من مراتعه، فإن من رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم: (إن الحلال بين والحرام بين وينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرا من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه....)([63])
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)([64])
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس)([65])

الضابط الخامس: السماحة في البيع والشراء

فقد حث الإسلام على السماحة واللين في البيع والشراء، ولا بد أن يكون هذا الخلق متبادلا بين البائع والمشتري، وكم نرى أناسا من المشترين يلحون على البائع من أجل أن يبخسونه في سلعته إلى الحد الذي يجره عن صوابه وحلمه ويكره عمله وبضاعته، وكذلك بعض البائعين الذي يبالغون في مكاسبهم ويقفون عندها لا ينازلون عن كثير ولا قليل منها، مستغلين حاجة المشتري، أو قلة الشيء الذي يبيعونه.
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عبدا سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى).([66])
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال ثم أتي الله  بعبد من عباده آتاه   الله  مالا فقال له ماذا عملت في الدنيا قال ولا يكتمون الله حديثا  قال يا رب آتيتني مالك فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أتيسر على الموسر وأنظر المعسر فقال الله: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي فقال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري هكذا سمعناه من في رسول  الله صلى الله عليه وسلم)([67])
وكان من خلق الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا استلف شيئا وأراد أن يرده رد خيرا منه وأفضل. عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استسلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره فرجع إليه أبو رافع فقال لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا فقال أعطه إياه إن خيار الناس أحسنهم قضاء) ([68])

الضابط السادس: إقالة النادم بنقض البيع معه

هي في اصطلاح الفقهاء: رفع العقد، وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من أقال مسلما بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة)([69])
والإقالة دائرة بين الندب والوجوب بحسب حالة العقد، فإنها تكون مندوبا إليها إذا ندم أحد الطرفين، للحديث السابق. وقد دل الحديث على مشروعية الإقالة، وعلى أنها مندوب إليها، لوعد المقيلين بالثواب يوم القيامة، وتكون الإقالة واجبة إذا كانت بعد عقد مكروه أو بيع فاسد، لأنه إذا وقع البيع فاسدا أو مكروها وجب على كل من المتعاقدين الرجوع إلى ما كان له من رأس المال صونا لهما عن المحظور، لأن رفع المعصية واجب بقدر الإمكان، ويكون ذلك بالإقالة أو بالفسخ. كما ينبغي أن تكون الإقالة واجبة إذا كان البائع غارا للمشتري وكان ثمة غبن في البيع.([70])

الضابط السابع: التناصح بين البائع والمشتري

وهذا خلق عزيز وهام، فإن الحياة التي نحياها بعد أن طغت عليها المادة حتى صارت هي المهيمنة، وانزوت فيها الأخلاق حتى بدت ضعيفة خافتة، حول العلاقة بين البائع والمشتري أو بلبين طرفي العقد إلى علاقة تصارع يجاول كل طرف من طرفي العقد أن يستنزف الطرف الآخر، ويفرح فرحا شديدا بمقدار ما استطاع أن يأخذه من الطرف الآخر بغير حق.
ولو استحضر المسلمون روح الأخوة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها (المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعا فيه عيب أن لا يبينه)([71])
 وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على بذل النصيحة وجعلها لب الدين حيث قال (الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم)([72])
وهذا في جانب البائع وفي جانب المشتري نهي الإسلام عن أن يبخس المشتري البائع حقه في سلعته ولا يستغل حاجته في أن ينقص من ثمنها يقول الله تعالى (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الأعراف 85]
وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [هود 85]
وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [الشعراء 183]
وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ.الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين 1-  3].

الضابط الثامن: الوفاء بالعهد والوعد

قد أولت الشريعة الإسلامية خلق الوفاء بالوعد أو العهد عناية فائقة، حيث إن فقدان هذا الخلق بين طرفي العقد يجعل العلاقة بينهما ضربا من المشقة والعسر، فلا البائع يفي للمشتري بما وعده من وجود الشيء المباع بصفته التي حدداها سلفا ولا المشتري يفي بالثمن الذي ارتضاه لهذه السلعة.
 يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)([73])
(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)([74])
(… وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَاسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَاسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)([75])
(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)([76])
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ...)([77])
(وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)([78])
(وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)([79])
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)([80])
(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَان مَسْؤُولاً)([81])
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)([82])
(وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا)([83])
(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا)([84])
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ 8 كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)([85])
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)([86])
ورويا في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r: (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها.. إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)([87])
وروى البخاري بسنده عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله r (كان يدعو في الصلاة، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم؟ قال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)([88])
وروى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: لما مات النبي r جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي، فقال أبو بكر: من كان له على النبي r دين أو كانت له قبله عدة فليأتنا، قال جابر: فقلت: وعدني رسول الله r أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا، فبسط يده ثلاث مرات، قال جابر: فعد في يدي خمسمائة، ثم خمسمائة، ثم خمسمائة([89])
وروى البخاري بسنده عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له: سألتك ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة نبي([90])
هذه بعض الأسس والضوابط التي رأيت أن أضعها كتمهيد بين يدي هذه الدراسة لا أزعم أنها تأتي على كل الأسس والضوابط الحكمية أو الأخلاقية لكنها أهمها ومعظمها.
المبحث الثالث: جوائز التسوق والمسابقات الهاتفية
المسابقات في اللغة مأخوذة من السبق وهو التقدم والغلبة .
وأما في الاصطلاح : فهو عقد يكون بين فردين أو فريقين في مجال علمي أو عسكري أو رياضي من أجل معرفة السابق من المسبوق .
وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسابق بين أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ على الخيل، والإبل، وإصابة الأهداف في الرماية، ويشجعهم على ذلك بالمال وغيره، انطلاقاً من عموم قوله ـ تعالى: "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ"([91]).
وقد اتفق العلماء على جواز المكافأة أو الجائزة في التسابق إذا كان على أدوات القتال؛ لِمَا صح من قوله ـ صلى الله عليه وسلم: "لا سَبْقَ إلا في خُفٍّ أَو نَصْلٍ أَو حَافِرٍ"([92])، والسَّبْقُ بفتح الباء: الجائزة، ولكنهم اختلفوا في الجائزة على التسابق في غير أدوات القتال، والصحيح جوازه ما دام في أمر مشروع كالمسابقات الرياضية، والعلمية؛ لأن من شأن هذه الأمور وأمثالها من الأمور المشروعة تحقيق معنى القوة، التي يجب أن يتصف بها المؤمن وتكسبه الخيرية والأفضلية، لما صح من قوله ـ صلى الله عليه وسلم: (المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ المُؤْمنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ)([93]) .
وقد استحسن الفقهاء أن تكون هذه الجائزة من الدولة، أو من هيئة، أو شخص غير المتسابقين، فإن كان من بعض المتسابقين دون بعض جاز ذلك؛ لكن إذا كانت الجائزة من جميع المتسابقين فإن جمهور الفقهاء يرون منع ذلك، إلا إذا دخل بينهم ما يسمونه بالمحلل، وهو شخص، أو ناد لا يدفع شيئاً، وإذا ربح أخذ الجائزة، وإذا خسر لم يخسر شيئاً، محاولة من هؤلاء الفقهاء لتجنب شبهة القمار ([94])
ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ ذهبا إلى جواز ذلك، وأنكرا فكرة المحلل هذه؛ لأنه شخص أو نادٍ مثلاً يأخذ إذا ربح، ولا يخسر شيئاً إذا خسر، وقالا: "إن هذا ظلم لا تأتي الشريعة الإسلامية بمثله؛ لأن من قواعد الشريعة الإسلامية أن الغنم بالغرم، والغرم بالغنم. فمن يتحمل عبء الخسارة عند التأخر يجب أن يحصل على الجائزة عند السبق والتفوق، ومن لا يتحمل في الخسارة لا يحصل على شيء من المكافأة" ([95])
لكن الذي يحدث هذه الأيام لا يمت إلى موضع المسابقات التي اختلف حولها الفقهاء بصلة،
لكن الذي يحدث أن عددا من القنوات الفضائية أو مواقع الانترنت أو غيرها  تطالعنا كل يوم بمسابقة جديدة، غالبا ما تكون الأسئلة التي ترد فيها تافهة يعرفها كل الناس ولكنها تشترط لإرسال الإجابة عن هذه المسابقة الاتصال برقم معين يكون ثمن المكالمة من خلاله أكثر من المكالمات العادية ، وفارق التكلفة تقتسمه الشركة المنظمة لهذه المسابقة مع شركة الاتصالات بنسب متفق عليها، وفي البداية قد يستسهل المشترك قيمة المكالمة لكن الشركة المنظمة تدخله في دوامة لا تنتهي فكلما دفع مبلغا ولم يحصل على شيء دفع مرة أخرى حتى يعوض الخسارة ويظل يلهث وراء هذا السراب الخادع حتى ينتهي كل ما يملك ، وإما أن يحص على المليون فيعوض الخسارة وهذا يحدث بنسبة ضئيلة جدا ، وأما أن يعود ناقما على من فاز وعلى هذه الشركة التي سلبته ماله دون أن يحصل على شيء.
هذا ببساطة تصور المسألة قبل الحكم عليها ، ولا يخفى على أحد الآثار السلبية التي تترتب على مثل هذه المسابقات من إشاعة روح التواكل والتعلق بالوهم وحب الثراء السريع دون بذل وقت ولا جهد كما تعودنا من خلال السنن التي وضعها الله في هذه الحياة ، وأنه لا بد من الصبر والمثابر لجمع المال بالطرق المشروعة .
وقد تنوعت هذه المسابقات فتارة ترتبط بشراء سلعة من السلع وتارة أخرى بمسابقة ثقافية وغير ذلك من الصور المتنوعة لكنها تدور حول معنى واحد هو جمع المال الكثير من الناس الطامعين في الثراء السريع ثم إعطاء الفتات من هذا المال لبعض المتسابقين وأخذ الباقي وهو يتجاوز الملايين إلى المليارات لجيوب الشركات المنظمة والمشرفة على هذا القمار.
ولو طبقنا القواعد السابقة على هذه المعاملات لاتضح لنا الحكم واضحا جليا لا لبس فيه ولا غموض، فالشريعة حرمت كل معاملة تشتمل على الغرر أو الميسر والمقامرة، وجاءت لرفع الضرر عن الناس جميعا فلا ضرر ولا ضرار.
وقد عرضنا لمثل هذه المسائل من خلال موقع (إسلام أون لاين) منذ أكثر من سبع سنوات.
وقد اختلفت كلمة الفقهاء والمفتين حول الجوائز التي تبذلها بعض الشركات دعاية وترويجا لمنتجاتها فمنعها بعض الفقهاء وأجازها آخرون ، والذين منعوها احتجوا بما يلي:
1- إن المشتري يقدم على الشراء وهو على خطر فربما يحصل على الجائزة وربما لا يحصل عليها.
2- إن التجار الذين يمارسون هذا النوع من الترويج لبضائعهم يقومون برفع أثمان السلع حتى يتمكنوا من تغطية قيمة الجوائز من مجموع المشترين فيربح واحد من المشترين أو اثنان مثلاً ويخسر الآخرون.
3- إن مثل هذه الأساليب تدفع كثيراً من الناس إلى الشراء دونما حاجة رغبة في الحصول على الجائزة الموعودة وهذا يؤدي إلى الإسراف وترسيخ النهج الرأسمالي في الاستهلاك.
4- إن مثل هذه الأساليب تؤدي إلـى تنمية الضغينة والحقد والحسد في قلوب الخاسرين من المشترين وهم الأكثر لأن الرابحين القلة.
ولا شك أن هذا الأسلوب يدخل في الميسر المحرم (القمار) يقول الله سبحانه وتعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ([96]).
وفرق بعض العلماء بين الهدايا البسيطة التي يقدمها التجار تقديراً للمشتري وترغيباً له في الشراء وبين الهدايا ذات القيمة الكبيرة التي يجري عليها السحب بالأرقام كاليانصيب، فالنوع الأول حلال أما الثاني فمحرم

يقول الدكتور مصطفى أحمد الزرقا ـ رحمه الله ـ:  إن رأيي في هذه المسألة هو التمييز بين الهدايا البسيطة التي هي من عادة التجار وعرفهم (أن من يشتري كمية كبيرة من البضائع عندهم يقدمون إليه هدية بسيطة تقديرية وترغيبية له كعبارة عن لعبة أولاد أو قطعة أو قطعتين زيادة عما اشتراه)، وبين هذه الهدايا ذات القيمة الكبيرة التي يجري عليها سحب بطريقة السحب على اليانصيب بالأرقام، فيفوز بها أحد حاملي هذه البطاقات (الكوبونات) من الزبائن.

فتلك الهدايا البسيطة المعتادة بين جميع التجار لمن يشتري كمية كبيرة أو مجموعة من الأصناف هي حلال لأنها تقدمه تعبيرية عن تقديرات التاجر لذلك الزبون.
أما هذا النوع من الهدايا ذات القيمة الكبيرة كالسيارة والثلاجة، مما يجري عليه سحب بحسب أرقام القسائم التي يعطونها لمن يشتري ما لا يقل عن مقدار معيَّن من المشتريات، ثم يسحب دوريًا على القسائم لاستحقاق تلك الهدية الثمينة، والتي أصبح المشترون يشترون من عند هذا التاجر لأخذ هذه القسائم، فلا أراها إلا من قبيل اليانصيب التجاري الذي هو اليوم في نظر علماء الشريعة ضَرب من المقامرة محرَّم يأثم فيه الطرفان التاجر والزبون، ولا يكون ما يستحقه بهذه الطريقة حلالاً، ولا سيما أنه يضرُّ اقتصاديًا بصغار التجار الذين لا يملكون مثل هذه الوسائل القمارية المغرية، فيصرف عنهم الناس ويخرجهم من السوق، وهذا ضررّ اقتصادي كبير، والله سبحانه أعلم.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي:

أنا أؤيد هذا النظر الفقهي العميق، وأرى – إضافة إلى ذلك- أن هذا الأسلوب هو – في النهاية- إغلاء لقيمة السلع على حساب عموم المستهلكين، وهو يعُبر عن النمط الغربي الذي يغري الناس بكثرة الاستهلاك للسلع، وإن لم يكن بهم حاجة إليها، على خلاف المنهج الإسلامي الذي يحثُ على الاعتدال أبدًا.
  أما المسابقات الهاتفية من أجل الحصول على المليون أو غيره فلم نسمع أن أحدا من الفقهاء المعاصرين أجازها بحال من الأحوال، فقد جعل الإسلام للكسب طرقا مشروعة، تضمن صلاح حال الإنسان في كل مكان وزمان، وتضمن أمنا على ماله، وحفظا له، وأي وسيلة للكسب بطرق غير مشروعة لا يقرها الإسلام.
وذكر العلماء الغرر والقمار، كسببين من أسباب تحريم المعاملات، وقد اشتملت مسابقات التلفاز وغيره من الفضائيات عليهما، لذا لا يجوز الاشتراك في مثل هذه المسابقات.

يقول الأستاذ الدكتور على السالوس أستاذ الشريعة بقطر:

المسابقة في الأمور المباحة دون بذل مال لا حرج فيها، أما المسابقة مع بذل مال لمن يسبق فكان الهدف منها الترغيب في الجهاد والحث عليه، ولذلك جاء في الحديث الشريف: (لا سَبَقَ إلا في خف أو حافر أو نصل)[97]). رواه أحمد، وأبو داود والترمذي وابن ماجه في كتاب الجهاد، والإبل والخيل كانت وسائل القتال، والنصال كانت للرمي، والسبق- بفتح الباء- هو المال الذي يجعل للسابق، وهو كما نرى يتعلق بالجهاد، غير أن بعض الدول وأهل الخير والإحسان جعلوا أموالاً لمسابقات غير الجهاد.

تكييفها الفقهي وأنواعها:

والمسابقات في عصرنا كثرت وتعددت، والحديث عنها وبيان أحكامها يحتاج إلى بحث يمكن أن يكون كتاباً كاملاً، ولذلك ليس حديثي عنها، وإنما بياني هنا لنوع يسمى بالمسابقة وليس فيه أي نوع من السَبَق ولا يهدف إليه !! فهدف من يقوم به ومن يشترك فيه هو الكسب، و الكسب هنا ليس حلالاً، وإنما هو قمار محرم، فيه ضياع الدين والدنيا معاً !!
تطالعنا الفضائيات ليل نهار بأشخاص مجهولين يعلنون عن مسابقات لكسب الآلاف، ومئات الآلاف، والملايين، و من أراد هذا الكسب فما عليه إلا أن يتصل برقم من أرقام الهواتف المعلنة.
والاتصال بهذه الأرقام ليس بالأجور العادية، وإنما بأجور مرتفعة جداً لحساب الشركة المقامرة، وجزء منها لشركة الاتصالات.
والقمار هنا هو أن الشركة تغرم أموالاً في الإعلانات و إعداد المسابقة في انتظار الأموال التي تأتيها من أجور المكالمات.
والذين يتصلون يغرمون العشرات، أو المئات، وأحياناً الآلاف، يمنيهم الشيطان بالحصول على المبالغ الضخمة، والسيارات الفاخرة، وغير ذلك مما هو معلن عنه.
فلو غرم المعلنون عن المسابقات شيئاً مما أعلنوا عنه كان هذا من أموال القمار المحرَّم.
وبعض هؤلاء رأوا أن الدعوة إلى الاتصال فقط قد لا تكفي للإغراء، فوضعوا أسئلة ساذجة و دعوا إلى الاتصال للإجابة عنها.
ومن تلبيس إبليس جعل الأسئلة دينية، وتسمية المقامرة باسم: (مسابقة رمضان) ! و المقامرات التي تبيحها قوانين بعض الدول كاليانصيب تخضع لجهات رقابية، أما مقامرات الفضائيات فلا تخضع لأي جهة رقابية، و لذلك يعلن المقامرون ما شاءوا، حتى أعلن بعضهم عن جوائز بعشرات الملايين من الدولارات، والمخدوعون بهذه الإعلانات لا توجد أي جهة تضمن لهم الحصول على شيء مما يأتي في الإعلانات، بل يمكن أن يغرموا مبالغ المكالمات الهاتفية، ثم يظهر أن الملايين كانت سراباً للخداع فقط، و بذلك يخسر المخدوعون دينهم ودنياهم معاً.أ.هـ

و يقول  الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي:

هذه المسابقات التي يشترك فيها الناس عن طريق الاتصال بالهواتف الدولية أو المحلية، على أمل أن يربحوا المليون، أو ما دون المليون، ثم تكون النتيجة أن الملايين منهم يخسرون أجرة الاتصالات الهاتفية التي يدفعونها لشركات الهاتف، وتتقاسمها مع منظمي المسابقة، ولا يحصلون في النهاية إلا على الريح.

هذه المسابقات ليست إلا لونًا من القمار ـ أو الميسر بلغة القرآن ـ تدخله الملايين الطامعة في المليون أو ما دونه بما تدفعه للهاتف، على احتمال أن تربح أو تخسر، ثم تخسر الأغلبية الساحقة، ويكسب واحد في المليون أو في كل عدة ملايين.

صحيح أنه لا يخسر مبلغا كبيرا، ولكن العبرة بالمبدأ، وليس بحجم الخسارة، المهم أنه دخل العملية مقامرًا، لعله يكسب ويصبح مليونيرًا في لحظة.
والإسلام يحرم القمار أو الميسر تحريمًا باتًا، ويقرنه بالخمر في كتاب الله، ويجعله ـ مع الخمر والأنصاب والأزلام ـ رجسا من عمل الشيطان، مما يدل على أنه من كبائر المحرمات لا من صغائرها، وما ذلك إلا ليحمي الناس من التعلق بالأوهام والأحلام الزائفة، التي تبنى على غير أساس، والإسلام لا يمنع أن يكسب الإنسان المال، ضمن شبكة الأسباب والمسببات، ووفق سنن الله في الكون والمجتمع، والأصل في هذه السنن أن يكسب الإنسان المال بكد اليمين، وعرق الجبين، وإعمال الفكر، وإجهاد الجسم، ومواصلة الليل بالنهار، حتى يحقق الآمال.
أما أن ينام على أذنه، ويغرق في الأحلام، ويحصل الثروة عن طريق (ضربة حظ) تواتيه، فليس هذا من هدي الإسلام، ولا من نهج الإسلام، ولا من خلق المسلمين.
ثم إن هذه الشركات التي تنظم هذه المسابقات وأمثالها تجمع من الناس أضعاف ما تدفع لهم، لأنهم أعداد كبيرة، فهي ـ من ناحية أخرى ـ تأكل أموال الناس بالباطل، أي هي ـ بصريح العبارة ـ عملية سرقة مُقَنَّّعة، ومُغَّلَّفة بالمسابقة.
ومما يؤسف له أن يشيع في مجتمعاتنا المسلمة هذا النوع من المسابقات وجوائز السحب الكبرى وألوان اليانصيب ونحوها، مما ينكره الإسلام ويحرمه، وينشئ شبابنا المسلم على هذه التطلعات غير المشروعة، ليسبح في غير ماء، ويطير بغير جناح، وقد حذر سيدنا علي رضي الله عنه قديما من ذلك ابنه الحسن في وصية له إذ قال: وإياك والاتكال على المُنى، فإنها بضائع النَّوكى (أي الحمقى) وقال الشاعر:
ولا تكن عبد المُنى فالمنى ***         رؤوس أموال المفاليس!

ويقول الشيخ محمد صالح المنجد من علماء المملكة العربية السعودية:-

هذه المسابقة المسئول عنها هي نوع من أساليب الاقتصاد الجديد (اقتصاد الحظ والصدفة) اقتصاد مدرسة الكسب السريع التي جعلت الناس يتهافتون عليها دون وعي كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً وما أورثهم ذلك إلا هماً وتضييعاً للأوقات ومراكمة في الديون.
وقد أكد كثيرون أن فواتير الهواتف الخاصة بهم قد تجاوزت الآلاف من الدولارات في شهر واحد وصارت نوعاً من الإدمان الذي سماه بعض الباحثين   (إدمان الميسر الهاتفي) ومع هذا الإدمان تأتي المآسي من تضييع للصلوات ممن كان حريصاً عليها إلى طلاق بعض الزوجات اللاتي أدمنّ على الاتصال بعد انكشاف الأمر مع أول فاتورة وينتهي الأمر بالانفصال وتتحول حياة الأطفال إلى جحيم، وأخر مغترب بعيد عن أهله براتب ضئيل ومع إدمان الاتصال انتهي الحال إلى فاتورة حصدت ما جمعه في شهور.
هذه المسابقات ميسر من نوع جديد وصفه بعض المعاصرين بـ (القمار الهاتفي) والقمار هو الميسر وهو محرم لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) ([98]).
قال الماوردي الشافعي: الميسر (هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانماً إن أخذ، أو غارماً إن أعطى)
وقد تناقلت وسائل الإعلام عدداً من فتاوى العلماء والباحثين في المسابقات الهاتفية بالأسلوب المذكور وإنها هي لون من ألوان القمار وأنه (يانصيب) على الطريقة العصرية وممن تكلم في ذلك:-
1- مفتي مصر د / نصر فريد وذكر أنها من القمار والميسر المحرم شرعاً.
2- الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في مصر الشيخ / وفا أبو عجور وذكر أنها نوع جديد من المقامرة.
3- الأمين السابق لجبهة علماء الأزهر وأستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر( الدكتور يحيي اسماعيل ) ذكر أنها نوع من الميسر والقمار والغرر المحرمة في الإسلام.
4- عميد كلية الشريعة في الكويت: د / محمد الطبطبائي.
وقد أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بتحريم أنواع من المسابقات لوجود القمار والميسر فيها ولأنها أكل لأموال الناس بالباطل وخداع و جهالة.
ومن أوضح وجوه تحريم هذه المسابقات دخولها في الميسر أن المتصل على هذه المسابقات يدفع مقابل كل دقيقة مبلغاً مضاعفاً عن قيمة دقيقة الاتصال المعتادة، على الرغم من أنه لو دفع القيمة المعتادة لكان داخلاً في الميسر أيضاً لأنه لم يتصل ويتحمل هذا المبلغ المعتاد إلا من أجل الكسب.
إن الإسلام كنظام شامل لكل نواحي الحياة يمنع الناس مما يضر بهم ويثقل كواهلهم ويمنع من الأماني الكاذبة وعدم الواقعية في النظر للأمور فالمشارك في هذه المسابقة يعيش في عالم الخيال فيظن أكثرهم أنه بمجرد اتصال لدقائق معدودة تنقلب حياته إلى حياة المترفين.
وقد أوجدت هذه المسابقات نوعاً من الإحباط عند الذين لا يفوزون ونوعاً من الاكتئاب والحزن الدائم والقلق تحولت تدريجياً إلى استخدام أساليب ملتوية للكسب غير المشروع.
والمسلمون لهم مسابقات من نوع آخر، إنها المسابقة إلى طاعة الله، والمتاجرة مع الله، صاحب الخزائن التي لا تنفذ، قال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ([99]).
وخذ طريقاً من طرق هذه التجارة الرابحة والتي لا خسارة فيها (صلاة في المسجد الحرام أفضل من سواه بمائة ألف صلاة)([100]) أخرجه أحمد وابن ماجة، وصححه الشيخ الألباني.
ويقول سبحانه عن شرف ليلة القدر: (ليلة القدر خير من ألف شهر) ([101])وفي حديث أبي سعيد: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ قلت ومن يطيق ذلك؟ قال: اقرأوا قل هو الله أحد) أخرجه البخاري و مسلم [102]، فقراءة (قل هو الله أحد.....) تعدل ثلث القران.

قرارات: بطاقات المسابقات 

 قرار رقم 127 1/14 بشأن بطاقات المسابقات
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة دولة قطر من 8 حتى 13 من ذي القعدة 1423هـ الموافق 11 - 16 يناير/2003م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع بطاقات المسابقات وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.

قرر ما يلي:

أولا: تعريف المسابقة:

المسابقة هي المعاملة التي تقوم على المنافسة بين شخصين فأكثر في تحقيق أمر أو القيام به بعوض (جائزة) أو بغير عوض .

ثانيا: مشروعية المسابقة:

1- المسابقة بلا عوض جائزة مشروعة في كل أمر لم يرد في تحريمه نص، ولم يترتب عليه ترك واجب أو فعل محرم.
2- المسابقة بعوض جائزة إذا توافرت فيها الضوابط الآتية:
أ) أن تكون أهداف المسابقة ووسائلها ومجالاتها مشروعة.
ب) ألا يكون العوض الجائزة فيها من جميع المتسابقين.
ج) أن تحقق المسابقة مقصدًا من المقاصد المعتبرة شرعا.
د) ألا يترتب عليها ترك واجب أو فعل محرم.
ثالثًا: بطاقات كوبونات المسابقات التي تدخل قيمتها أو جزء منها في مجموعة الجوائز لا تجوز شرعًا؛ لأنها ضرب من ضروب الميسر.
رابعًا: المراهنة بين طرفين فأكثر على نتيجة فعل لغيرهم في أمور مادية أو معنوية حرام، لعموم الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الميسر.
خامسًا: دفع مبلغ على المكالمات الهاتفية للدخول في المسابقات غير جائز شرعًا، إذا كان ذلك المبلغ أو جزء منه يدخل في قيمة الجوائز؛ منعًا لأكل أموال الناس بالباطل.
سادسًا: لا مانع من استفادة مقدمي الجوائز من ترويج سلعهم فقط -دون الاستفادة المالية- عن طريق المسابقات المشروعة؛ شريطة ألا تكون قيمة الجوائز أو جزء منها من المتسابقين، وألا يكون في الترويج غش أو خداع أو خيانة للمستهلكين.
سابعًا: تصاعد مقدار الجائزة وانخفاضها بالخسارة اللاحقة للفوز غير جائز شرعًا.
ثامنًا: بطاقات الفنادق وشركات الطيران والمؤسسات التي تمنح نقاطًا تجلب منافع مباحة، جائزة إذا كانت مجانية بغير عوض، وأما إذا كانت بعوض فإنها غير جائزة لما فيها من الغرر.

توصيات

يوصي المجمع عموم المسلمين تحري الحلال في معاملاتهم ونشاطاتهم الفكرية والترويحية والابتعاد عن الإسراف والتبذير. ([103])
المبحث الرابع : التسوق الشبكي والنصب الهرمي
هذا عن المسابقات الهاتفية، أما التسويق الشبكي فهذه حيلة جديدة كانت سببا في خراب البلاد والعباد، وقد استطاع أحد الصينيين أن يجند عددا من الشباب بلغ خمسين ألف مسوق (50000) معظمهم من الشباب الجامعي أو من خريجي الجامعات الذين وقفوا في طابور البطالة فلما لاحت لهم فرصة لتسويق جهاز يزعم أنه يشفي من الأمراض كلها فيغني عن العمليات الجراحية والأدوية والأطباء ويبيع هذا الجهاز ب (1000 ) ألف جنيه يأخذ منها ست مائة ثم يوزع أربع مائة على المسوقين بصور التسويق الشبكي أو الهرمي ، وقد جاءتنا عبر الموقع وعبر الهاتف عشرات الأسئلة من الشباب المتدين الحريص على ألا يأكل حراما حتى ولو كان يمر بضائقة مالية ويشتكي قلة ذات اليد  يقول السائل:
إخواننا الأعزاء في موقع إسلام أون لاين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعلكم سمعتم عن شركة (شينل الصينية) التي تبيع جهازا طبيا يساعد في علاج أمراض متعددة كما هو مدون في الكتيب المرفق مع الجهاز وهذه الشركة تشترط على المسوق أن يشتري الجهاز أولا ثم يقوم بتسويقه ثانيا عن طريق التسوق الشبكي أو الهرمي بعد إدخال بعض التعديلات عليه.
ويمكنكم مطالعة التفاصيل من خلال الكتاب المرفق أو موقعهم على الانترنت
المهم أن كثيرا من الشباب توجه للعمل في هذه الشركة لأنها تدر عليهم دخلا كبيرا يصل إلى عدة آلاف كل شهر مما دفع الشباب لترك كلياتهم والموظفون لترك أعمالهم وتفرغهم للعمل في هذه الشركة لأنها تدر دخلا كان يعتبرا خياليا ولن يصلوا إلى مثله لو أتموا تعليمهم أو مارسوا أي نشاط آخر.
ولأن الغالبية العظمى من هذا الشباب هو من الشباب الملتزم دينيا فأردنا أن نعرف رأيكم في هذه المسألة من حيث الجواز أو المنع وشكر الله لكم وجزاكم عنا خيرا
وقد أجبت عن هذا السؤال بما يلي :
 التسويق الشبكي (الهرمي ) بكافة صوره وأشكاله حرام وبهذا أفتى عدد من فقهاء الشريعة والاقتصاد الإسلامي في العالم العربي والإسلامي، وكذلك بعض المجامع الفقهية ودور الإفتاء التي عرضت للمسألة وعلة الحكم هنا في هذه المسألة اجتماع عقدين في عقد ، واشتمال المعاملة على الغرر والمقامرة ، والجهالة الفاحشة التي تبطل عقود المعاوضات ، ويكفي أن دول أوربا وأمريكا جرمت هذه المعاملات نظرا لخطورتها على الاقتصاد، وقد جاءت الشريعة لرفع الضرر فلا ضرر ولا ضرار .
إن الشريعة الإسلامية لا تقف في طريق الربح الحلال مهما كان قدره ، بل حثت على تنمية المال واستثماره بكافة الطرق المشروعة، ووضعت البدائل للمعاملات الربوية أو تلك التي تشتمل على الربا والغرر والمقامرة، ودائرة الحلال أوسع وأرحب بكثير من دائرة الحرام، لكن الناس يضيقون على أنفسهم ويحصرونها في دائرة ضيقة وفي معاملات وافدة إلينا من الغرب أو الشرق غير المسلم الذي يصدر إلينا تلك المعاملات الضارة حتى ينتفع بأموالنا ويدمر اقتصادنا ويجعلنا نسايره ونقتفي خطوه في كل سوء ويمنع عنا كل خير وصل إليه حتى نظل تابعين غير متبوعين ، سلبيين غير إيجابيين.
  وقد سيطر على الشباب في الفترة الأخيرة شعور الربح السريع لأن الحياة أصبحت سريعة الآن في كل شيء في المواصلات والاتصالات وغيرها فهو يريد أن يختصر المسافات ويقفز على سنن الله التي وضعها في الكون، وربما ينظر إلى والده أو جاره أو قريبه الذي كون ثروة خلال خمسين عاما فلا يصبر على هذه السنين الطوال، ويريد أن يحصّل ما حصّل الناس في عشرات السنين يريد أن يحصله في عام أو بعض عام.
    ولقد وضع الله سننا في الكون، وسنن الله غلابة فعلينا أن نغالبها ونستفيد منها حسبما أمر الله عز وجل.
   وأريد أن أقول لهؤلاء الشباب الذين تركوا دراستهم وأعمالهم وساروا في هذا الطريق من أجل هذا الثراء السريع وساعتها سيفيقون على أنهم كانوا في حلم جميل سرعان ما ذهب، أو في سراب خادع سرعان ما انكشف.
أولا: أن الرزق والأجل مضمونان من الله تعالى يقول الله تعالى : (وفي السماء رزقكم وما توعدون )
ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن روح القدس قد نفث في روعي ألا تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا يطلب بمعصيته.
   وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: " إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يُبعث إليه الملك، فيُؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار. وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها".

 وفي رواية مسلم : " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمسة وأربعين ليلة. فيقول: يا رب! أشقي أو سعيد؟ فيكتبان. فيقول: أي رب! أذكر أو أنثى؟ فيكتبان. ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه. ثم تطوى الصحف. فلا يزاد فيها ولا ينقص".
 ثانيا: أن من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه فلا يغرنكم هذه الأموال الكثيرة فقليل دائم خير من كثير منقطع، وكل دم نبت من سحت فالنار أولى به.
ثالثا: أن فتاوى المجامع الفقهية أولى من فتاوى الأفراد أيا كان علمهم أو قدرهم وبخاصة في تلك القضايا المعقدة المتشابكة الحادثة.
رابعا : أنه داخل الفتوى نفسها توجد تخصصات متعددة فلا يوجد فقيه يفتي في كل شيء وعلى السائل أن يقدر التخصص في الفقه والفتوى وبخاصة المعاملات المالية المستحدثة والمستجدة فلا يذهب إلا إلى المتخصص فيها.
خامسا : علينا بعد الأخذ بالأسباب أن نستفت قلوبنا وإن أفتانا المفتون فالبر سلامة الصدر والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يتطلع عليه الناس ، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه .
سادسا: لقد حرمت الشريعة الغراء كل ما فيه غرر أو مقامرة أو ثراء على حساب الغير، ونحن نتابع هذه المعاملات منذ سبع سنوات ونجد أنها تشتمل على الغرر والمقامرة وتغليب روح الأثرة والأنانية بين المشتركين فكل واحد منهم يعلم أن ثراءه على حساب أخيه، ولذلك حرم التسوق الشبكي لهذا الغرض.
سابعا: أن البيع والشراء يتحول في مسألة التسوق الشبكي إلى غاية وهدف بعد أن كان وسيلة فكل المتعاملين تحولوا إلى بائعين ومسوقين وهذا ضد طبائع الأشياء وضد الحكمة التي شرع من أجلها البيع.
ثامنا : كل الشركات التي عملت في هذا النوع من التسوق انهارت بعد أن أكلت أموال الناس بالباطل وجعلت بعضهم يأكل مال أخيه ثم انهارات وخلفت ورائها آلاف بل قل ملايين من المتحسرين على مالهم الذي يذهب أدراج الرياح.
تاسعا: أن خبراء الاقتصاد من المسلمين ومن غير المسلمين أفتوا بخطورة هذه المعاملات على الاقتصاد القومي ، لأنها تبيع الوهم مهما كانت هناك سلعة أو جهازا أو برامج أو غيرها فكل ذلك للتحايل فقط، ولذلك صدرت القوانين في أمريكا وأوربا بتجريم هذه المعاملات على الرغم من أن هذه الدول تبيح القمار والربا والغرر لكنها وجدت أن هذا قمار بغير رقابة تضمن للمتقامرين حقوقهم وتؤثر على الاقتصاد المحلي.
عاشرا : لو أرادت هذه الشركة أن تجعل معاملاتها حلالا فعليها أن تلتزم بشرطين وهما أسباب التحريم
الأول : أن تفصل بين عقديى الوساطة والبيع فتجعلهما عقدين منفصلين لا صلة لأحدهما بالأخر فمن الممكن أن يشتري المسلم هذا الجهاز إن كان محتاجا إليه وثبتت جدواه، أو يسوقه دون أن يشتريه لتهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعه فقد أخرج الترمذى ‏عن‏ ‏أبي هريرة قال :ـ "‏نهى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ ‏عن‏‏ بيعتين في بيعة ‏."
و‏‏عن ‏ ‏عبد الله بن عمرو ‏ ‏وابن عمر ‏ ‏وابن مسعود نفس الحديث بألفاظ مختلفة. ‏
‏وقال‏ الترمذى‏ ‏حديث ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏حديث حسن صحيح ‏ ‏والعمل على هذا عند أهل العلم
.
 وهذا بعد اعتماده من كافة الجهات التي تشرف على مثل هذه الأجهزة الطبية حتى لا نغرر بالناس وتذكر أشياء ربما تكون صحيحة أو غير صحيحة، وعندنا من المراكز المعتمدة في إجازة الأجهزة الطبية الكثير بالإضافة إلى نقابة الأطباء أو الصيادلة  وغيرها مما يضمن أن الجهاز مفيد في رفع أو تخفيف المرض...
ثانيا:  وهذا هو الأهم أن يكون التوزيع بطريق التسويق العادي الحر لا الشبكي ولا الهرمي فكل من يشتري جهاز أو يبيعه يأخذ مبلغا محددا من المال دون اللجوء إلى هذه الحيلة التي تغري الناس بالشراء سواء كانوا محتاجين إلى هذا الجهاز أم لا.
وقد سبقت شركة (شينل)  شركات كثيرة لا تختلف عنها إلا في الوسائل وطرق النصب لكن فكرة التسوق الشبكي أو الهرمي كما هي ومن هذه الشركات :
ـ شركة(جولد كويست):- وشركة تتعامل في تجارة سبائك ومصوغات ذهبية مقرها في هونج كونج.تبيع السبيكة زنة (12) جرام بما يُعادل (770) $ بعد أن تُنفذ عليها ما يطلبه الزبون من شِعار أو رسوم مخصوصة. على أن يتم السداد بأحد طريقتين:
 أ- إرسال قيمة السبيكة كاملة مضمنة رسوم الشحن وقدرها (60) $ بموجب شيك أو عبر البطاقة الائتمانية.
ب- دفع مبلغ (370) $ بنفس الوسيلة آنفة الذكر والباقي وقدره (400) $ يكون مقابل جلب عشرة مشترين آخرين …تُمهل المؤسسة المشتري مُدَّة عام إن لم يُفلح في جلب الزبائن أو لم يُسدِّد المتأخر عليه ترد له المبلغ (370) $ كاملا دون أية خصومات.
ج- بعد ذلك يحصل المشتري على (400) $ إضافية مُقابل كل عشرة زبائن جُدد يجلبهم للمؤسسة. السؤال هل يجوز شرعا التعامل مع هذه المؤسسة وأشكالها بصفة عامة؟
الجواب: تتطور المعاملات المالية الحديثة تطورا سريعا، وطرق الكسب لها وسائل كثيرة، ولقد وضعت الشريعة الإسلامية ضوابط عامة للمعاملات تتمثل في أن يكون التعامل خاليا من الربا والغبن والجهالة والغرر والمقامرة وبيع بيعتين في بيعة أو بيع ما ليس عنده، وقد توفرت هذه الأمور في معاملات شركة (GOLD QUeSt) لذا حكم العلماء بربوية المعاملة. ويجوز العمل في السمسرة بأجر محدد بعيدا عن الدخول في البيع والشراء. ويراعي ألاّ تكون الشركة لدولة تحارب المسلمين.

يقول فضيلة الشيخ جعفر أحمد الطلحاوي من علماء الأزهر الشريف:

بعد الاطلاع على هذه الصورة من الاستفتاء بصيغتها الموجودة أعلاه وكذا على المذكرة التعريفية التي زادتني علما بالشركة وعملها ومنتجاتها وبعد الدراسة والتمحيص أقول وبالله التوفيق فهو المستعان وعليه التكلان

هذه الصورة هي بيعتين في بيعة:

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة)([104]). سنن أبي داود كتاب الإجارة.باب فيمن باع بيعتين في بيعة.
وفي حديث ابن مسعود قال([105]) (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة).
والصورة المعروضة في السؤال مطابقة للمنهي عنه في الحديث الشريف (صفقتين في صفقة). فإنه قد جمع صفقتي النقد والنسيئة ولكن في صفقة واحدة ومبيع واحد،وذلك يؤول إلى الربا، فهو ذريعة إليه. والقاعدة أن كلَّ ما أدَّي إلى حرام فهو حرام، وتوضيح الصفقتين كالآتي: النقد ) عندما يدفع جزءا من ثمن السبيكة أو ثمنا لمنتج من منتجات الشركة) والنسيئة: ( حيث لا يقوم بدفع الباقي من ثمن المنتج بصورة فورية على النحو المستطاع وإنما خلال العام وهي المهلة الممنوحة له فإذا لم يتمكن من السداد ولم يتمكن من جلب عشرة زبائن كانت الإقالة (وهي رفع - فسخ -العقد بين المتعاقدين بالتراضي).وهنا لم يتم الفسخ بالتراضي.
وهذه الجزئية أعني أن يتم إرجاع المبلغ المدفوع له وفسخ العقد أوردتها هنا لورودها في المذكرة التعريفية الآنفة الإشارة.

شروط صحة البيع:

وقد جاء في حديث عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ما يدل على ضرورة الآتي ليصح هذا البيع أو العقد لا بُدَّ من توفر شرطين:
أحدهما: أن يتم البيع لهذه السبيكة أو المصوغات الذهبية بسعر يوم التبادل، لئلا يربح فيها وليستقر ضمانه.فلو زاد السعر في يوم الأداء عن يوم العقد فبأي الأسعار سيتم السداد؟!
والثاني: أن لا يتفرقا إلا عن تقابض، لأنه شرط في صحة الصرف لئلا يدخله ربا النسيئة. وهنا يكون باقي الثمن مقابل أن يجلب عشرة زبائن ليشتركوا ويشتروا.وليس المشترك على ثقة من حصوله على هذا العدد من المشتركين فقد يحصل له وقد لا يحصل، فيكون غرراً، كبيع الآبق والشارد والطير في الهواء، وما تحمل ناقته ونحوه.
إلا أن هذا الغرر يكون من البائع للمشتري وهنا يكون الثمن للسبيكة معلقا في حالة عدم السداد نقدا على أمر فيه غرر وكل غرر منهي عنه شرعا.(لست بالخب ولا الخب يخدعني).
وهذا أيضا مطابق تماما لنهيه صلى الله عليه وسلم لحكيم ابن حزام قائلا (ولا تبع ما ليس عندك) وقصَّة ذلك فيما يلي: أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال([106]) (يا رسول الله، الرجل يأتيني يسألني البيع ليس عندي فأبيعه منه، ثم أمضي إلى السوق، فأشتريه وأسلمه إياه. فقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: (لا تبع ما ليس عندك). فبيع ما ليس عنده إنما نُهي عنه لكونه غير مضمون عليه، ولا ثابت في ذمته، ولا في يده. فالمبيع لا بد أن يكون ثابتاً في ذمة المشتري أو في يده. وبيع ما ليس عنده ليس بواحد منهما. لا في ذمته ولا في يده والعندية هنا ليست عندية الحس والمشاهدة، فإنه يجوز أن يبيعه ما ليس تحت يده ومشاهدته، وإنما هي عندية الحكم والتمكين ..
وفي الحالة التي معنا المشتري (المشترك) الذي لم يقم بسداد كامل القيمة ليس عنده الثمن عندية الحس والمشاهدة ولا عندية الحكم والتمكين، وفي حالة الإحالة على جلب عشرة زبائن يفقد قدرة العندية هذه عندية الحكم والتمكن.فإما أن يجد ويتمكن من أن يكتمل لديه الزبائن أو لا. وهذا بناء على سياسة العرض والطلب وعلى هذا لا يكون عقد البيع مُلزما والأصل فيه أن يكون مُلزما.فتكون صورة هذا العقد غير صحيحة شرعا.
وفي حالة ما إذا اشترك أكثر من عشرة من سعي المشترك الأول وجَلْبِهِ فهل ستكون العمولة واحدة كما لو اشترك عشرة فقط على العدد المطلوب؟!
وكذا لو اشترى العشرة كلٌ بمفردِهِ أو أحدهم أكثر من مُنتج أو أكثر من سبيكة فهل ستبقى العمولة واحدة كما هي، وفي حالة العقد الأول يكون قد تبقَّي على المشترك(400)$ فهل في الحالتين المذكورتين أخيرا تبقي العمولة كما هي فيكون الغبن المنهي عنه شرعا قد وقع للمشتري (المشترك) الأول.
في حالة ما إذا لم يتمكن المشتري - المشترك – مِن جلب عشرة زبائن. أولم يتمكن من سداد المبلغ المتأخر من باقي ثمن السبيكة أو المنتج.) تقع الإقالة لهذا العقد أو البيع فيتم إرجاع المبلغ المدفوع في الأول كمقدمة من ثمن المنتج أو السبيكة وذلك يعني أنه قد تضمن العقد شرطا في البيع – وإن لم يكن نصا فهو وارد ضمنا وهو إقالة معلقة لخطر عدم النقد (السداد أو الجلب للزبائن)، ولو تمَّ شرط إقالة (فسخ العقد أو رفعه بين المتعاقدين) مطلقة فسد به العقد، أي لم يكن مُلزما والأصل في عقد البيع أنه يكون مُلزما فلو شرط إقالة معلقة أولى أن يفسد به العقد، وهذا الشرط ليس في معنى شرط الخيار؛ لأنه في شرط الخيار في العقد لو سكت المشتري حتى مضت المدة تم البيع، وهنا لو سكت حتى مضت المدة – ولم يجلب الزبائن، ولم يُسدِّد بطل البيع، مع أن البيع جائز مع شرط الخيار ثابت بالنص،كما في الحديث (إذا بايعت فقل لا خلابة وليَ الخيار ثلاثة أيام).أما هنا فلا خيار للمشتري.ولئن قلنا – كما تمَّ الاستفسار عن سبب أو حكمة أنه في حالة إذا لم يُسدد أو لم يجلب الزبائن العشرة يُرد إليه المبلغ المدفوع – خلال (12) شهرا قالوا لأنه عقد استثماري وما دام الأمر كذلك فأين نصيب صاحب هذه (الدفعة الأولى) من ثمرة الاستثمار العامة مُقابل هذا المبلغ الذي دفعه خلال هذه المُدَّة.هذا إذا قلنا بأنه عقد استثمار.

عدم التسليم والتسلم في الحال صورة من صور الربا:

هذا من ناحية وأخرى في غاية الأهمية وهي أننا إذا قلنا بأنه عقد بيع وشراء وكان المبيع سبيكة ذهبية وقد دفع المشتري (المشترك) مبلغ أَوَّلِى (370)$ ولم يتم تسليمه السبيكة حتى يتم استيفاء المبلغ بالكامل بواحدة من طرق الدفع المُبيَّنة في السؤال (جلب الزبائن العشرة أو تسديد باقي المبلغ وهو ألــ (400)$- فإذا تحقق السداد بواحدة من هاتين الطريقتين خلال المُهلة - مُدَّة العام – يكون بذلك قد وقعت صورة من صور التعامل الربوي وهي عدم التسليم والتسلُّم في الحال وذلك منهي عنه شرعا للحديث الصحيح –([107]) (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح: مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد. فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد إلاهاء وهاء). حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ضرورة المناجزة والمقابضة الفورية:… وإن استنظرك حتى يلج بيته فلا تُنْظره إلا يدا بيد، ها وها، إني أخشى عليكم الرماء، والرماء: هو الربا.

هذه الصورة فيها جهالة وغبن:

وعلى القول بأن المبيع مجوهرات أو منتجات ذهبية وأنه بمرور الوقت تزداد قيمتها فعندما تقوم الشركة بالبيع للمشتري (المشترك) المنتج أو السبيكة ساعة أن بدأ تعامله معها من البداية واقتضى الأمر أن يُعطي مهلة لمدة عامٍ مثلا ويكون لهذا المنتج قيمة وسعر وعلى القول بالزيادة والارتفاع في القيمة بمرور الوقت فيكون لهذا المنتج من الذهب أو السبيكة الذهبية سعرا أغلي وقيمة أعلي فهل سيكون الدفع من المشتري (المشترك) بسعر المنتج أو السبيكة يوم بداية الاشتراك؟؟؟ أم سيكون بسعر يوم تمام السداد والأداء الكامل للثمن؟ وقد يكون ارتفع وغلا عن سعر يوم الاشتراك على قولهم في الارتفاع بمرور الوقت؟؟!! وعلى هذا تكون هنا جهالة يترتب عليها غرر أو تغرير وخداع وذلك من أسباب النزاع والمعاداة وقد نهي الشرع الحنيف عن ذلك.
ثمَّ إن الدفع إن تمّ – خلال مهلة العام - بسعر يوم الاشتراك الأول وقع الغبن على الشركة وإن تمَّ الدفع بسعر يوم السداد والوفاء لباقي الثمن يكون الغبن والغرر قد وقع على المشتري.وفي هذا كلِّه كما تري عدم استقرار الثمن ومعلوميته معلومية تامة مِمَّا يُؤدي حتما إلى النزاع وعدم التراضي، والتراضي أصل من أصول البيع في الإسلام لقوله صلَّي الله عليه وآله وسلَّم (إنما البيع عن تراض)([108]).ولقوله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم)(النساء:29).

جواز الوكالة والسمسرة المنفصلة عن البيع والشراء:

أمَّا إذا تمَّ فصل عقد الوكالة أو الوساطة – في الترويج والدعاية والإعلام والتدريب والسعي في كسب زبائن للشركة - عن عقد البيع للمنتج أو السبيكة الذهبية وتحدَّدت الأجرة أو المكافأة التي سيتم منحها مقابل هذه الدعاية و… فلا بأس بذلك ففي ‏صحيح البخاري كتاب البيوع باب أجر السمسرة. قال النبي صلى الله عليه وسلم:(المسلمون عند شروطهم).أي يوفي بعضهم بعضا ما اتفق عليه من الشروط، إذا لم تكن متعارضة مع نص أو أصل شرعي.‏
مع ضرورة ألاَّ يكون لهذه الشركة صلة أو علاقة بالكيان الصهيوني حتى لا يُؤدي التعامل معها والترويج لها إلى تدعيمها وتعزيز مركزها المالي ومد خطوط وخيوط لها في المجتمعات الإسلامية.حيث يتخذون الآن من قوَّة مركزهم المالي وسيطرتهم على مقدَّرات وإمكانات المسلمين سلاحا ضِدَّ المسلمين يُذبحون أبناءهم ويسفكون دماءهم ويُدَمِّرون عامر بيوتهم وقائم بنيانهم،فلا تكونن ظهيرا للمجرمين.(رب بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين) (القصص:17).
أن تُحرُّر هذه المعاملة من سائر صور الغش والتدليس والغرر والغبن.

ويقول الأستاذ الدكتور على السالوس أستاذ الشريعة بقطر:

هذه اللعبة تقوم بها شركات نصب و احتيال تتخذ مقراً لها في بلاد الغرب، و لكن الأموال التي تسعى للحصول عليها هي أموال المسلمين في البلاد العربية والإسلامية، حيث لا تجد من تخدعه في الغرب، وظهرت هذه اللعبة بأسماء مختلفة مثل: هانك، و الدولار، و الصاروخي، و البنتاجونو، و غيرها.
و تبدأ بشراء قائمة فيها ستة أسماء – مثلاً - مرتبين من المرتبة الأولى إلى السادسة، وفي أسفل القائمة يكتب المشتري اسمه وعنوانه باعتباره مشتركاً جديداً.
هذا المبلغ كان عند (هانك) منذ عشرين عاماً عشرة دولارات، وبلغ بعد ذلك عند غيره أربعين دولاراً.
المشترك الجديد يرسل مبلغاً مماثلاً للشركة غير المبلغ الذي دفعه ثمناً للقائمة، ويرسل مثله أيضاً لحساب المشترك الأول في أعلى القائمة، وبعد هذا يصله من الشركة ثلاث قوائم يحاول أن يبيعها حتى يسترد المبلغ الذي غرمه، فإن لم يتمكن من بيعها خسر ما دفع، ولذلك فهو يضغط على أقاربه و أصدقائه و معارفه لبيع هذه القوائم، وهنا يظهر خبث هذه اللعبة، فكل من اشترى منهم يقوم بالعمل نفسه لتصله ثلاث قوائم يحاول بيعها، وهكذا يظل الضغط على الأقارب والأصدقاء، والأموال يذهب الثلثان منها لشركة النصب ويعود الثلث للمشتركين !!
فالثلث الذي يأخذه من يصلون إلى المرتبة الأولى إنما هو من أموال المسلمين الذين خسروا، وليس من أموال الشركة !!
ففي لعبة النصب الهرمية تذهب أموال المسلمين لشركات النصب الغربية دون أي مقابل، ويفرح الذين يصلون إلى المرتبة الأولى ولا يبالون من حيث كسبوا المال.

بعض الشركات التي استفادت من طريقة اللعبة:

رأينا أن لعبة النصب الهرمية تعتمد على الضغط على أقارب الضحايا و أصحابهم و معارفهم و زملائهم، و لولا هذا لما استشرت. واستفادت بعض الشركات من هذه الفكرة الخبيثة، ولكن ألبستها ثوبًا آخر، وهذا ما أبينه بالحديث عن ثلاث شركات انتشرت في عصرنا.

الشركة الأولى: (جولد كوست):

هذه الشركة بدلاً من أن تبدأ ببيع قائمة لا قيمة لها في ذاتها، جعلت البدء ببيع الذهب، ولكن بسعر قد يبلغ ثلاثة أضعاف الثمن، فمن الذي يشتريه بهذا السعر؟ هنا تأتي الفكرة من لعبة النصب الهرمية!.
فالمشتري يدفع نصف الثمن، ولا يتسلم الذهب في الحال اتباعاً لأمر الرسول صلى الله عليه و سلم كما هو ثابت و معلوم، وإنما عليه أن يقوم بعملية الضغط التي أشرت إليها حتى يأتي بعشرة مشترين على الأقل، و عندئذ تحسب له الشركة 10% من أموال العشرة، فيصبح كأنه دفع الثمن كاملاً، ويرسل إليه الذهب، وما زاد على العشرة من المشترين عن طريقه يرسل إليه نسبة العشرة في المائة وتأخذ الشركة 90%، أما إذا لم يستطع أن يأتي بعشرة مشترين فلا يأخذ شيئاً، ولا يرد له ما دفع، و إنما يرسلون إليه نصف سبيكة الذهب.
فإلى جانب التحريم في شراء الذهب بالأجل، وجهالة المبيع حيث لا يدري ما الذي سيتسلمه، فإنه يقامر بدفع هذا المبلغ الكبير طمعاً فيما قد يحصل عليه من أموال تبعاً لنسبة 10%، ورأينا أنه قد لا يحصل على شيء، فالقمار واضح جلي.
أما الشركة فإنها في جميع الحالات تربح ربحاً فاحشاً، وقد سخرت عدداً من الطامعين المخدوعين الذين لا يبالون من حيث كسبوا المال؛ فكسبهم حرام ما دام نشاط الشركة حراماً.

الشركة الثانية: (بيزناس):

هذه الشركة تبيع منتجات تتضمن برامج تعليمية و خدمات كمبيوتر و غيرها بثمن محدد، ولو وقف الأمر عند هذا الحد، وكانت المنتجات مباحة، فإن المشتري يكون راغباً في هذه المنتجات، ويرى أن ثمنها مناسب، وهذا حلال.
غير أن الشركة كسابقتها استفادت من لعبة النصب الهرمية، ليس من جانب النصب، فهذه لها منتجات حقيقة، و لكن من جعل المشتري يرغب في الكسب عن طريق تسويق منتجات الشركة، فيلجأ إلى الأقارب و الأصدقاء و غيرهم كما ذكرت في اللعبة.
فالشركة تغري المشتري بالربح عن طريق التسويق، و تجعل شراءه للمنتجات شرطاً للوصول إلى هذا الربح، و لذلك قد يشتري و هو غير راغب في الشراء، و ليس في حاجة إلى المنتجات، أو لا يقبل على شرائها بهذا الثمن، و في هذه الحالة يعتبر الشراء نوعاً من القمار؛ فلولا الطمع في ربح أكبر قد يتحقق و قد لا يتحقق، لما أقدم على بذل المال في الشراء.
و مما يجب التنبيه إليه أن هذه الشركات و أمثالها عندما ترغب في إيجاد فتوى شرعية تبيح أعمالها، تجعل السؤال عن صورة سمسرة بضوابطها الشرعية، دون ذكر لجوانب التحريم التي أشرت إلى شيء منها، فيأتي رد مَن استفتوه بالجواز، فتنشر الفتاوى على أنها تجيز كل أعمال هذه الشركات !! فأرجو أن يتنبه المسلم، و لا ينخدع بالفتاوى التي تروج لها بعض الشركات.

الشركة الثالثة: (أكوام. كوم):

هذه الشركة يبدو استفادتها من لعبة النصب من البداية، فالمشترك يدفع مائة دولار، ثم يبدأ الضغط على الأقارب و غيرهم حتى يجعل عشرة يشتركون، فتأخذ الشركة تسعمائة دولار، وترد له المائة التي دفعها، ثم إن استمر في جذب مشتركين حصل على مبالغ أخرى.
و ما تقدمه الشركة مقابل الاشتراك لا يلتفت إليه، ولا أحد ينظر إليه أو يهتم به، فالمشترك دفع المائة طمعاً في المئات أو الآلاف التي قد يحصل عليها نتيجة اشتراك غيره، فإن لم يستطع ندم لضياع ماله هباءً، فهذه صورة من صور القمار.أ.هـ

التسوق الشبكي بين الحل والحرمة :

السؤال:  نرجو بيان الحكم الشرعي عن حكم التعامل مع شركة بزناس وغيرها من الشركات التي تتبع نفس الأسلوب وهو ما يعرف بالتسويق الشبكي أو الهرمي فهل يجوز الاشتراك في هذه المعاملة أم لا وبخاصة أن القائمين على هذه الشركات يروجون لشرعية معاملاتهم ببعض الفتاوى التي صدرت عن بعض العلماء ونشرت عبر موقعكم والتي تفيد أن هذا النوع من المعاملة جائز شرعا فنرجو أن تبينوا لنا هذا الأمر؟ والله تعالى نسأل أن يجعل الحق في قلوب مشايخنا وعلمائنا وأن يجريه على أقلامهم.
الجواب:
فلا يجوز التعامل مع هذه الشركات من خلال ما يعرف بالتسويق الشبكي أو الهرمي، لاشتمالها على المقامرة والغرر وأكل أموال الناس بالباطل، أما ما صدر من فتاوى عن بعض العلماء من جواز هذه المعاملة فقد كان هناك نوع من التلبيس في طرح الأسئلة ولم تكن هناك صراحة ووضوح في بيان النشاط الحقيقي لهذه الشركات، ولم يكن أمر هذه الشركات قد اتضح بعد، أما بعد الدراسة المستفيضة فتبين أن هذا النوع من المعاملة حرام قطعا.

يقول فضيلة الأستاذ الدكتور حسين شحاتة –أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر-:

طريقة التعامل عن طريق التسويق الهرمي أو الشبكي الذي تتعامل به شركة بزناس ومثيلاتها من الشركات هذه المعاملة غير جائزة شرعا لأن هذا النشاط فيه غرر وجهالة ويدخل في نطاق الميسر، فالناس سوف تشغل نفسها بالترويج للمنتج طمعا في الحصول على المكسب الكبير جدا، ولا يهمه السلعة على الإطلاق، ولذلك فنحذر من التعامل مع هذه الشركات.

ويقول فضيلة الأستاذ الدكتور علي محي الدين القره داغي ـ أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر-:

لقد عرض علي هذا الموضوع أكثر من مرة، ووجدت أن هذه المعاملة لا تتفق مع نصوص الشريعة الإسلامية، ولا مع مقاصدها، وذلك لما يأتي:
هذه المعاملة، لا تتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية، في أن تتجه التجارة والاستثمارات نحو التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، بل إن هذه المعاملة تؤدي إلى أن يستفيد مجموعة من السماسرة النشطاء من التسويق، فيكونوا ثروة طائلة من أموال المشترين، وقد سمعت أن بعضهم يأخذ في كل شهر أكثر من 200 ألف درهم شهريا وهو جالس في بيته.
* هذا التعامل نوع من أكل أموال الناس بالباطل، لا يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء، فالناس تقدم على هذه المعاملة من أجل الكسب السريع والثراء الفاحش الذي يعود من جراء تسويق هذه السلعة، وليس شراء السلعة هو المقصود. * لا يمكن تكييف هذه المسألة على أساس الجعالة؛ لأن شروط الجعالة، غير متوفرة في هذا التعامل، وكذلك الوكالة بالأجر لأن أصل التعامل كما بينا مخالف للشريعة الإسلامية.

وفي دراسة أعدها  الدكتور سامي السويلم –عضو الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية- جاء فيها ما يلي:

هذا النمط من التسويق ما هو إلا صورة من صور الاحتيال والتغرير بالناس. سنبيّن فيما يلي كيفية عمل هذه الشبكات، ثم نبيّن مكمن الخلل فيها.
أولا: آلية العمل التي تقوم عليها هذه الشركات.
الفكرة الجوهرية للتسويق الهرمي بسيطة. وتتلخص في أن يشتري الشخص منتجات الشركة مقابل الفرصة في أن يقنع آخرين بمثل ما قام به (أن يشتروا هم أيضاً منتجات الشركة)، ويأخذ هو مكافأة أو عمولة مقابل ذلك. ثم كل واحد من هؤلاء الذين انضموا للبرنامج سيقنع آخرين ليشتروا أيضاً، ويحصل الأول على عمولة إضافية، وهكذا. فأنت تدفع لزيد على أن تأخذ من عمرو وعبيد.
وتشترط الشركة ألا يقل مجموع الأفراد الذين يتم استقطابهم من خلال زيد ومن يليه في الهرم عن 9 أشخاص من أجل الحصول على العمولة.
ومكمن الخلل في هذا النظام هو أنه غير قابل للاستمرار، فلا بد له من نهاية يصطدم بها ويتوقف عندها. وإذا توقف كانت الطبقات الأخيرة من الأعضاء هي الخاسرة، والطبقات العليا هي الرابحة. والطبقات الأخيرة تفوق في العدد أضعاف الطبقات العليا، وهذا يعني أن الأكثرية تخسر لكي تربح الأقلية. ولذلك فإن هذه البرامج في حقيقتها تدليس وتغرير وبيع للوهم للجمهور لمصلحة القلة أصحاب الشركة.
ومن الناحية العملية سيتوقف الهرم قبل استنفاد الأعداد المطلوبة بكثير، إذ لا يمكن للسوق أن تستوعب هذا العدد الهائل من المبيعات. ومن المعروف في علم التسويق أن لكل منتج درجة معينة من المبيعات تبلغ السوق بعدها درجة التشبع (saturation)، فيتعذر بعدها تحقيق أي مبيعات إضافية، ومن ثم يتعذر نمو الهرم بعدها.
فالبرنامج الهرمي وهم أكثر منه حقيقة، والأغلبية الساحقة من المشاركين في هذا البرنامج يخسرون لمصلحة القلة القليلة. ولهذا صدرت دراسات وكتابات كثيرة تحذر من هذه البرامج.

التقويم الشرعي:

الإسلام هو دين الفطرة، والشريعة الإسلامية قائمة على العدل ومنع الظلم، فإذا أدرك العقلاء ما في هذه المعاملة من الغش والاستيلاء على أموال الآخرين بغير حق ودعوا من ثم إلى منعها، فالإسلام أولى بذلك.
ويمكن تعليل القول بحرمة الاشتراك في هذا النوع من البرامج بالأسباب التالية:

أولا: أنه أكل للمال بالباطل.

فهذا النوع من البرامج لا يمكن أن ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، سواء توقف النمو أم لم يتوقف. فالخسارة وصف لازم للمستويات الأخيرة في جميع الأحوال، وبدونها لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا. والخاسرون هم الأغلبية الساحقة كما سبق، والرابحون هم القلة. أي أن القلة كسبوا مال الأكثرية بدون حق، وهذا أكل المال بالباطل الذي نـزل القرآن بتحريمه. ويسمى هذا النمط عند الاقتصاديين: تعامل صفري (zero-sum game)، حيث ما يربحه البعض هو ما يخسره البقية.

ثانيا: ابتناؤه على الغرر المحرم شرعاً.

أصل الغرر المحرم: هو بذل المال مقابل عوض يغلب على الظن عدم وجوده أو تحققه على النحو المرغوب. ولذلك قال الفقهاء: الغرر هو التردد بين أمرين، أغلبهما أخوفهما.
وإذا علمنا أن الهرم لا بد أن يتوقف مهما كان الحال، فهذا يعني أن الدخول في هذا البرنامج في حقيقته مقامرة: كل يقامر على أنه سيربح قبل انهيار الهرم. ولو علم الشخص أنه سيكون من المستويات الدنيا حين انهيار الهرم لم يكن ليقبل بالدخول في البرنامج ولا بربع الثمن المطلوب، ولو علم أنه سيكون من المستويات العليا لرغب في الدخول ولو بأضعاف الثمن. وهذا حقيقة الغرر المحرم، إذ يقبل الشخص بالدخول على أمل الإثراء حتى لو كان احتمال تحقق هذا الأمل ضعيفاً جداً من حيث الواقع. فالثراء هو الذي يغري المرء لكي يدفع ثمن الانضمام للبرنامج، فهو يغره بالأحلام والأماني والوهم، بينما حقيقة الأمر أن احتمال خسارته أضعاف أضعاف احتمال كسبه.
أما الشبهة التي يتعذر بها المدافعون عن هذه البرامج، وهي وجود منتج حقيقي ينتفع به المشتري ومن ثم لا يعد خاسراً إذا توقف الهرم، فهي شبهة أول من ينقضها المسوّقون والعاملون في هذه البرامج أنفسهم.
وذلك أنهم حين تسويق هذه المنتجات نجدهم يعتمدون على إبراز العمولات التي يمكن تحقيقها من خلال الانضمام للبرنامج، بحيث يكون ذكر هذه العمولات الخيالية كافياً لإقناع الشخص بالشراء. فلو لم يكن الهدف هو التسويق لما لجأ الأعضاء إلى إغراء الجدد بعمولات التسويق. ولذلك لا يمكن أن يسوّق العضو هذه المنتجات دون ذكر عمولات التسويق، فهذا يناقض مصلحة العضو نفسها التي انضم للبرنامج ابتداء من أجلها، وهي: جذب مسوقين جدد على شكل متسلسل لتحقيق الحلم بالثراء الموعود.
ومما يؤكد أن المنتج ما هو إلا ستار وهمي، المقارنة السريعة بين عمولات التسويق وبين منافع المنتجات نفسها. فهذه المنتجات قيمتها لا تتجاوز 100 دولار بحسب سعر الشركة المعلن. أما العمولات فتصل كما ذكرنا إلى 25000 دولار شهرياً، أو ما يعادل 50000 دولار في نهاية السنة الأولى فقط. فهل يوجد عاقل يقصد ما قيمته مائة ويدع خمسين ألفاً؟ لو وجد ذلك من شخص لما كان معدوداً من العقلاء. فالعاقل في المعاوضات المالية يبحث عن مصلحته، والمصلحة هي مع التسويق، فلا بد أن يكون القصد هو التسويق.
إن هذه المنتجات، مهما كانت فائدتها، لا يمكن أن تحقق للمشتري منافع تتجاوز في قيمتها تلك العمولات الخيالية الناتجة من التسويق. والعبرة، كما هو مقرر شرعاً، بالغالب. فقصد العمولات هو الغالب على قصد المنتجات، فيكون الحكم مبنياً على ذلك.
ومما يؤكد أن شراء المنتجات غير مراد: أن البرامج والمواد التدريبية لمنتجات ميكروسوفت، خصوصاً أوفيس، توجد بكثرة على الإنترنت، وكثير منها متوفر مجاناً. وهناك برامج تدريبية متخصصة لجميع برامج أوفيس تتراوح قيمتها بين 20-35 دولاراً. أما إنشاء موقع وبريد على الإنترنت، فهذا يمكن الحصول عليه مقابل 10 دولار في السنة بسهولة. بينما تبيع الشركة منتجاتها بـ 99 دولاراً سنوياً. أي أنها تزيد الثمن عن المتاح فعلياً بما لا يقل عن 55 دولاراً.
وهذه الزيادة في الثمن لم تكن لتوجد لولا برنامج التسويق الهرمي هذا. فيقال في ذلك كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (أفلا أفردت أحد العقدين عن الآخر ثم نظرت هل كنت مبتاعها أو بايعه بهذا الثمن؟) فلو أفرد الانضمام عن الشراء لما كان سعر السلعة بهذا المقدار.
ومما يبين أن الهدف من الشراء هو الاشتراك في التسويق وليس المنتجات:
* أن لوائح وأنظمة الشركة معظمها يتعلق بشروط وأحكام الانضمام وصرف العمولات، وأما مجرد الشراء فتحكمه بضعة فقرات. فهل هذا صنيع من هدفه تسويق السلعة فحسب والانضمام تابع لها أم العكس؟
* أن الشركة تشترط للاستمرار في البرنامج لأكثر من سنة دفع نفس المبلغ مرة أخرى. وواضح أن هذا لا لشيء سوى استمرار التسويق، فالبرامج تم شراؤها من المرة الأولى، والبرامج الجديدة إن وجدت لا تعادل في القيمة المبلغ المطلوب.
* لو كانت الشركة تبيع المنتجات فعلاً لكانت توجه دعمها لمنتجاتها، بينما نجد من خلال لوائح وأنظمة الشركة أنها تبيع المنتجات كما هي ودون أي مسؤولية، في حين تقدم الدعم لبرامج التسويق وكسب الأعضاء، كما تنص عليه اللائحة. فهل هذا صنيع من يبيع منتجات حقيقية؟
* أن الشركة تسمح لمن يرغب في التسويق دون شراء المنتجات، لكنها لا تتيح له الاستفادة من خدمات موقع الشركة على الإنترنت للتسويق، بل من خلال الفاكس. كما أنها لا تقبل أن يكون من دونه في التسلسل الهرمي هم أيضاً مسوقون بدون شراء، بل لا بد من الشراء ممن يليه لكي يحصل على العمولة. وواضح أن هذا تضييق على التسويق بدون شراء.
والحاصل أن المنتجات التي تبيعها الشركة ما هي إلا ستار للانضمام للبرنامج، بينما الانضمام للبرنامج مقابل ثمن من الغرر وأكل المال بالباطل، كما تقدم، ومنعه محل اتفاق بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي.

الفرق بين التسويق الهرمي والسمسرة:

ومن خلال ما تقدم يتبيّن أن التسويق الهرمي ليس مجرد سمسرة كما تزعم الشركة في موقعها، وكما حاولت أن توحي بذلك لأهل العلم الذين سئلوا عنها، فالسمسرة عقد يحصل بموجبه السمسار على أجر لقاء بيع سلعة، أما التسويق الهرمي فالمسوّق هو نفسه يدفع أجراً لكي يكون مسوّقاً، وهذا عكس السمسرة.
كما أن الهدف من التسويق الهرمي ليس بيع بضاعة أو خدمة، بل جذب مسوّقين جدد ليجذبوا بدورهم مسوّقين آخرين، وهكذا. وقد سبق أن هذا التسلسل لا يمكن أن يستمر بلا نهاية. فهذا التسلسل باطل لأنه لا بد أن يتوقف.
لكن لا وجود لهذا التسلسل في السمسرة أو التسويق العادي. فالتسوية بين الأمرين كالتسوية بين البيع والربا.

الخلاصة:

إن البرامج القائمة على التسلسل الهرمي، ومنها البرنامج المذكور في السؤال، مبنية على أكل المال بالباطل والتغرير بالآخرين، لأن هذا التسلسل لا يمكن أن يستمر بلا نهاية، فإذا توقف كانت النتيجة ربح الأقلية على حساب خسارة الأكثرية. كما أن منطق التسويق الهرمي يعتمد على عوائد فاحشة للطبقات العليا على حساب الطبقات الدنيا من الهرم. فالطبقات الأخيرة خاسرة دائماً حتى لو فرض عدم توقف البرنامج. ولا يفيد في مشروعية هذا العمل وجود المنتج، بل هذا يجعله داخلاً ضمن الحيل المحرمة.



([1]) - حاشية ابن عابدين 1 / 79.
([2]) الموسوعة الفقهية  36 / 31 – 32.
([3]) مجلة مجمع الفقه الإسلامي 5/ 3/ 2579 – 2581.
([4])  المبسوط18/ 124 إعلام الموقعين1/360، الفتاوى الكبرى4/76-80،الفروع لابن مفلح4/429، كشف الأسرار4/ 357، القواعد لابن رجب340، التقرير والتحبير 2/198- 199، الإنصاف6/30، شرح مختصر خليل 7/60
([5]) المائدة: (1).
([6]) الإسراء: (34).
([7]) البقرة: (27).
([8]) البخاري في باب أجر السمسرة كتاب الإجارة والدارقطني في كتاب البيوع.
([9]) البخاري في كتاب الإيمان باب علامات المنافق، ومسلم كتاب الإيمان باب خصال المنافق.
([10])القواعد النورانية لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ص 201. ط1 1399هـ دار المعرفة. بيروت تحقيق محمد حامد الفقي، وينظر بحث الإيجار المنتهي بالتمليك للدكتور سعود بن عبد الله الفنسيان ص 16، 17. مجلة البحوث الفقهية، العدد الثامن والأربعون، السنة الثانية عشر 1421-2001.
([11]) القواعد النورانية 188 الإيجار المنتهي بالتمليك للدكتور سعود بن عبد الله الفنسيان ص 18. 
([12]) صحيح البخاري كتاب البيوع باب البيع والشراء مع النساء، صحيح مسلم كتاب العتق باب إنما الولاء لمن أعتق.
([13]) صحيح البخاري كناب الاعتصام بالكتاب والسنة باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم قأخطأ،ومسلم في كناب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.
([14])صحيح البخاري كتاب الصلح باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، ومسلم كتاب الحدود باب من اعترف على نفسه بالزنى.
([15]) الإيجار المنتهي بالتمليك للدكتور سعود بن عبد الله الفنسيان ص 15، 16 باختصار وتصرف.
([16]) القواعد النورانية 220.
([17]) المسئولية عن أعمال الصيانة في إجارة المعدات، ص 8، 9 بحث مخطوط للأستاذ الدكتور حسين حامد حسان. وينظر بحث الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة (الإجارة المنتهية بالتمليك) 508-509.
([18]) المبسوط للسرخسي 7/146، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 3/152وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/98، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب لزكريا الأنصاري 2/82 والغرر البهية في شرح البهجة لزكريا الأنصاري 2/335المطبعة الميمنية وتحفة المحتاج في شرح المنهاج5/43،44دار إحياء التراث، وينظر التأجير المنتهي بالتمليك والصور المشروعة فيه، د. عبد الله محمد عبد الله، مجلة المجمع الفقهي، الدورة الخامسة، الجزء الرابع، ص 2598. الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة (الإجارة المنتهية بالتمليك) دراسة فقهية مقارنة أ د. علي محيي الدين القره داغي ص 507- 509.
([19]) المجموع شرح المهذب 9/ 202 ليحيى بن شرف النووي مطبعة المنيرة، وأسنى المطالب في روض الطالب 2/ 82 دار الكتاب الإسلامي. 
([20]) صحيح البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما. 
([21]) صحيح البخاري كتاب بدء الوحي، وكتاب الأيمان والنذور باب النية في الأيمان، ومسلم كتاب الإمارة باب قوله r إنما الأعمال بالنيات.
([22]) إعلام الموقعين 3/94-98.
([23]) القواعد لابن رجب الحنبلي (عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي) ص48 دار الكتب العلمية.
([24]) الأشباه والنظائر لعبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي 168،169 دار الكتب العلمية.
([25]) التأجير المنتهي بالتمليك والصور المشروعة فيه ص 2601.
([26]) المبسوط 13/14،15،وبدائع الصنائع 5/171، تبيين الحقائق 5/121،رد المحتار 6/45
([27]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/159.
([28]) المدونة لمالك بن أنس بن مالك الأصبحي 3/199ـ200،المنتقى شرح الموطأ 5/98ـ99 لسليمان بن خلف الباجي دار الكتاب الإسلامي، مواهب الجليل 4/274، بلغة السالك لأقرب المسالك(حاشية الصاوي على الشرح الصغير) لأحمد بن محمد الخلوتي الشهير بالصاوي. ت (1241هـ(3 /332-333 
([29]) أنوار البروق في أنواع الفروق 3/142، 143، التاج والإكليل 6/145، مواهب الجليل 4/313
([30]) الأم 5/79، 80، الغرر البهية 3/321، فتوحات الوهاب 3/545
([31]) معنى المحتاج 2/399-400، نهاية المحتاج3/483- 484.
([32]) القواعد النورانية 188.
([33]) صحيح البخاري باب الشروط، وكتاب الإجارة وتطبيقاتها المعاصرة (الإجارة المنتهية بالتمليك) للدكتور علي محي الدين القره داغي ص 518-520.
([34]) القواعد النورانية ص211 وينظر أيضا الإنصاف 4/332 ـ 433  شرح منتهى الإرادات لمنصور بن يونس البهوتي عالم الكتب 
([35])المدونة /  253 – 256 ، الأم 8 /185 – 186 ، المبسوط 13 / 12، المغني 4/ 78- 79، المجموع شرح المهذب 9/ 311، الموسوعة 9/ 85- 186، وينظر في تخريج الحديث مسلم في باب النهي عن المحاقلة والمزابنة وعن المخابرة وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن بيع المعاومة وهو بيع السنين من كتاب المساقاة ح 1536.
([36]) سورة الحج أية (5).
([37]) سورة النحل آية (93).
([38]) لسان العرب والقاموس المحيط ومختار الصحاح مادة (ربو)
([39]) المبسوط لشمس الأئمة أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السَّرَخْسِيّ (483هـ-1090م)8/5،12/109-110 دار المعرفة، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني) 587 هـ -1191م). 5/187 دار الكتب العلمية.
([40]) أسنى المطالب شرح روض الطالب لأبي يحيى زكريا الأنصاري2/ 21 دار الكتاب الإسلامي، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية لشيخ الإسلام القاضي أبو يحيى زكريا الأنصاري2/208 المطبعة اليمنية.  
([41]) كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي (1051هـ-1640م)3/ 251 دار الكتب العلمية، دقائق أولي النهى لشرح المنتهى المعروف بشرح منتهى الإرادات لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي (1051هـ-1641م)2/ 64 عالم الكتب، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني(1243هـ)3/157 المكتب الإسلامي.
([42]) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني لأحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي المالكي المتوفى (1125هـ)2/73 دار الفكر، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لعلي الصعيدي العدوي 32/139 دار الفكر.
([43]) الموسوعة الفقهية 39 / 404
([44]) الموسوعة الفقهية 39 / 405
([45]) الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق  للشاطبي 2/ 260 – 263 المكتبة التوفيقية.
([46]) (انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 3/56ـ57، والقاموس المحيط للفيروزآبادي 4/205ـ206، والمعجم الوسيط 2/577 بتصرف).
([47])  الطلاق: 1
 ([48]) الأعراف: من الآية85
([49])البقرة: من الآية188
([50])  (الشعراء: من  الآية 183)
(2) (المائدة: من الآية 1)
(3)  (البقرة: من الآية 283)
(4) (النساء: من الآية 58).
(5) صحيح البخاري باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا كتاب البيوع ح 1973، مسلم باب الصدق في البيع والبيان كتاب البيوع ح 1532.
(6) البخاري باب اليمين بعد العصر كتاب الشهادات ح 2527، و مسلم باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم من كتاب الإيمان ح 146.
(7) البخاري باب الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه كتاب الإيمان ح 13.
([56] )  البقرة 188
([57] ) النساء 29
([58] ) النساء 10
([59]) مسلم باب في المتعة بالحج والعمرة كتاب الحج ح 1216.
([60]) مسلم باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها كتاب الزكاة ح 1015.
([61]) البخاري باب من لم يبال من حيث كسب المال كتاب البيوع ح 1954.
([62]) الترمذي باب ما ذكر في فضل الصلاة كتاب أبواب الصلاة ح 614.
([63]) مسلم باب أخذ الحلال وترك الشبهات كتاب الشبهات ح 1599.
([64]) صحيح البخاري باب تفسير المشبهات وقال حسان بن أبي سنان ما رأيت شيئا أهون من الورع دع ما يربك إلى ما لا يريبك، والترمذي كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ح 2518.
([65])  مسلم باب تفسير البر والإثم كتاب البر والصلة والأدب ح 2553.
([66]) البخاري باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف كتاب البيوع ح 1970.
([67])مسلم باب فضل إنظار المعسر كتاب المساقاة ح 1560
([68]) مسلم باب من استسلف شيئا فقضى خيرا منه وخيركم أحسنكم قضاء كتاب المساقاة ح 1600
([69])أبو داود في السنن باب في فضل الإقالة كتاب الإجارة ح 3460.
([70]) الموسوعة الفقهية 5 / 325 باختصار وتصرف
([71])سنن ابن ماجة باب من باع عيبا فليبينه كتاب الإجارة ح 2246.
([72])البخاري باب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم كتاب الإيمان، ومسلم باب بيان أن الدين النصيحة كتاب الإيمان ح 55.
([73]) البقرة: (27).
([74]) البقرة: (100).
([75])  البقرة: (177).
([76]) آل عمران: (77).
([77]) المائدة: (1).
([78]) التوبة: (75-77).
([79]) الرعد: (25).
([80]) النحل: (91، 92).
([81]) الإسراء: (34).
([82]) المؤمنون: (8)، المعارج (32).
([83]) الأحزاب: (15).
([84]) الأحزاب: (23).
([85]) الصف: (2، 3).
([86]) صحيح البخاري كتاب الإيمان باب علامة المنافق وصحيح مسلم كتاب الإيمان باب خصال المنافق، وينظر كفاية المسلم كتاب الإيمان باب علامات المنافق 1/34.
([87]) السابق نفسه
([88]) صحيح البخاري كتاب الأذان باب الدعاء قبل السلام ومسلم كتاب المساجد ومواضع السجود باب ما يستعاذ منه في الصلاة وينظر كفاية المسلم، كتاب الاستقراض، باب من استعاذ من الدين 1/163، 164.
([89]) رواه البخاري في كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد، ومسلم كتاب الفضائل باب من أمر بإنجاز الوعد وينظر كفاية المسلم 2/258.
([90]) رواه البخاري في كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد.
([91])  الأنفال: آية 60
([92]) أخرجه أبوداود في كتاب الجهاد باب: في السبق 3/29(2574) والترمذي في كتاب الجهاد:باب ما جاء الرهان والسبق 4/178(1700) وابن ماجة قي كتاب الجهاد:باب قي السبق والرهان 2/960(2878) وأحمد في المسند 2/474(10138)
([93]) مسلم كتاب القدر باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة ح 4816
([94]) مسلم كتاب القدر باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة ح 4816
([95]) مسلم كتاب القدر باب الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة ح 4816
([96]) المائدة:90
([97]) سبق تخريجه .
([98])  المائدة / 90-91
([99])  الحديد / 21
     ([100]) أخرجه ابن ماجة قي كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في الصلاة في المسجد الجامع 1/453(1413)
([101])  القدر:3
([102]) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب : فضل قل هو الله أحد 9/59(5015) ومسلم من حديث أبي الدرداء في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب:فضل قراءة قل هو الله أحد 1/556(259/811)
[103] - ينظر هذه الفتاوى وغيرها على موقع إسلام أو ن لاين ، وغيره من المواقع الشخصية
([104]) 3/274(3461)
([105]) أخرجه أحمد في المسند 1/398(3783) والبزار في مسنده 5/384(2017)

([106]) أخرجه أبو داود في كتاب البيوع باب الرجل يبيع ما ليس عنده 3/283(3503) والترمذي في كتاب البيوع باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك 3/534(1232)و النسائي قي كتاب البيوع بيع ما ليس عندك 7/289 وابن ماجة في كتاب التجارات باب: النهي عن بيع ما ليس عندك 2/737(2187)
([107]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة 4/347(2134) ومسلم في كتاب المساقاة باب: الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا 3/ 1209(1586/79) و(1587/81) و(1584/82) و(1588/83)
([108]) أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات باب بيع الخيار 2/737(2185) والبيهقي في السنن 6/17(10858) وابن حبان 11/341 وعبد الرزاق 8/51(14267)

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More