الجمعة، 8 يوليو 2016

التعددية :في ضوء قواعد السياسة الشرعية



التعددية
في ضوء قواعد السياسة الشرعية

ورقة عمل مقدمة لندوة تطور العلوم الفقهية

تحت عنوان:
المشترك الإنساني والمصالح
د. رجب أبومليح محمد
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون
جامعة الإنسانية – ماليزيا
وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحوث (سابقا)

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
       كثيرةٌ تلك المصطلحات التي ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، فبقدر إيماننا بكون المصطلح لا غبار عليه من حيث التنظير والتأطير، بقدر ما نرى العجب أثناء الممارسة والتطبيق،  ومن هذه المصطلحات مصطلح "التعددية" ، فهو سلاحٌ مشهرٌ في وجه كل المسلمين في العالم في الخارج والداخل، يزعم أصحابه أن المسلمين لا يؤمنون بالتعددية، ولا يدعون إليها، ومهما يفعل المسلمون ، ومهما يقدموا من تنازلات لا تتناسب أحيانا مع طبيعة الدين الذي ينتمون إليه فهم متهمون على أية حال !.
    أما دعاة التعددية ومنظروها ورافعو لوائها في الشرق والغرب فهم أبعد الناس عنها، وقد يحترمون هذه التعددية في أوقات معينة، وأماكن محددة، لكن سرعان ما يكشرون عن أنيابهم إذا جد الجد، أو كانت التعددية ستأتي بالمسلمين في أي مجال من مجالات الحياة؛ سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو عسكرية أو غيرها.
   ساعتها يتم إقصاء المسلمين بأعلى درجات الإقصاء، وقد يصل الأمر  إلى قتلهم أو حرقهم أو التطهير العرقي لهم ، وما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي شاهد على ذلك ، وما حديث بورما ولا أفريقيا الوسطى وغيرهما عنا ببعيد !!
وأحسب أن كثيرا من رافعي شعار التعددية إنما يقصدون به أعلى درجات الابتزاز للمسلمين، وهم يتمسحون به وينادون ،حينما يشعرون بالضعف أو عدم قبول الناس لهم حتى إذا تمكنوا قلبوا لهم ظهر المجن، وضربوا بكل الشعارات التي يرفعون عرض الحائط، يرفعون الشعار عندما يكونون أقليه ، أما إذا كانوا أكثرية، فهم أعدى أعداء التعددية .
  والتعددية يقابلها في مصطلحاتنا الإسلامية "الاختلاف"، وهو مصطلح متجذر في روح أمتنا الإسلامية وقلبها تؤكده كثير من الآيات القرآنية الكريمة، وعدد من الأحاديث النبوية والسنة العملية لرسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم –
وقد وضعت شريعتنا الغراء من التدابير والضمانات، والأحكام والآداب  ما يجعل المصطلح فاعلا ومفعلا في الداخل والخارج ، حتى لا يكون ألعوبة في يد العابثين.
    فالاختلاف عندنا – نحن المسلمين – سنة كونية ، وحقيقة شرعية، يؤيده الواقع وتسانده النصوص ، فهو جزء من ديننا لا يمكننا المساومة عليه، ولا التلاعب به إن كنا حقا من أهل الدين.
والاختلاف ليس خيارا "تكتيكيا " مؤقتا نرفعه في أوقات الضعف، حتى إذا تمكنا من عدونا، وكانت الغلبة لنا ضربنا به عرض الحائط، بل هو عقيدة وشريعة يجب أن نحفظها ونسير عليها ، ونعمل على تنميتها وتفعيلها في الداخل والخارج.
والاختلاف عندنا – نحن المسلمين – يشمل دوائر عدة ، منها الاختلاف بين المسلمين وغير المسلمين، تضبطه القاعدة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، وتنبثق أحكامه من الدستور الخالد ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 8]
وكذلك الاختلاف بين الفرق والمذاهب الإسلامية، والاختلاف داخل المذهب الفقهي الواحد ، حتى يصل الأمر إلى الاختلاف داخل الأسرة الواحدة بين الزوج وزوجه.
ونود هنا أن نشير إلى أمر مهم  هو أنه لن يحترمنا الآخر وينظر إلينا بعين الاعتبار إلا إذا راعينا فقه الاختلاف وآدابه في الداخل بيننا بوصفنا مسلمين ندين بدين واحد، أو مواطنين يعيشون في مكان واحد، فكثيرا ما يشغلنا الخارج عن الداخل،  نريد أن نظهر بالمظهر اللائق أمام الآخر، فنوهمه أننا نقدس التعددية والديمقراطية وحرية الرأي ، ونحن أبعد ما نكون عن هذه المعاني بداية من تعامل الرجل مع زوجه وأولاده وانتهاء بعلاقة الحاكم بالمحكومين.
وما زالت مقولة " نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه" ومقولة "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب " ما زالت هذه المقولات وأشباهها لم تأخذ حظها من التطبيق العملي في كثير من سلوكياتنا على الرغم من أنها محل اتفاق بيننا من الناحية النظرية.
إن الإسلام وضع لنا ضوابط وآدابا لفقه الاختلاف، نعرف منها متى نختلف، ومتى نتفق ؟ ثم كيف نختلف ؟ وأخيرا كيف نحسم هذا الاختلاف حتى نخرج منه أكثر قوة ، ولا يؤدي بنا الاختلاف إلى التنازع والشقاق الذي يؤدي إلى التشرذم والضياع ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]
  وأحسب لو أن المسلمين عرفوا متى يختلفون؟  وكيف يختلفون؟ وراعوا فقه الاختلاف وآدابه، فإنهم سيحسمون كثيرا من القضايا من خلال تبادل وجهات النظر ، وإقناع كل طرف للآخر والاقتناع به.
وتبقى بعض القضايا القليلة التي لا يحسمها الاختلاف، فلا سبيل لحسمها إلا بإعمال مبادئ الشورى وتفعيل آلياتها ، وهي التي تحسم الاختلاف ، ويخرج الفريقان إلى العمل وفق ما تمليه قواعد وآليات الشورى في فقهنا وفكرنا الإسلامي .
     والشورى عند عدد من علماء السلف والخلف واجبة ابتداء، ملزمة انتهاء، خاصة في تلك القضايا العامة والمهمة التي لا يمكن لأحد كائنا من كان أن يستأثر بالرأي فيها دون الرجوع إلى الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد أحيانا، وهم يتصرفون بالوكالة والنيابة عن الأمة وفق الحدود والضوابط المتفق عليها، أو الرجوع لآحاد الأمة وأفرادها فردا فردا كما يحدث في الاستفتاء على القضايا المهمة مثل تغيير الدساتير وإعلان الحرب وغيرها .
وإن كان بعض الفقهاء - قدامي ومحدثين - ينازع في هذا الرأي، فأحسب أن العصر الذي نحياه، والذي قطع غيرنا شوطا كبيرا، وخطوات فساحا في التقنين والتأصيل لآليات الديمقرطية يدفعنا دفعا إلى ترجيح كون الشورى واجبة ابتداء ملزمة انتهاء ، حتى نفوت الفرصة على الدكتاتوريات المعاصرة وأنصاف الآلهة ونحمي الأمة من أن يغامر بها مغامر أو يقامر بمصالحها مقامر.
ومن ثمَّ جاءت هذه الورقة بعنوان:  التعددية في ضوء قواعد السياسة الشرعية في تمهيد وفصلين، وخاتمة وتوصيات.
-       التمهيد:  يتناول معنى التعددية ، ومعنى السياسة الشرعية وقواعدها.
-       الفصل الأول:  ويتناول فقه الاختلاف وحكمه وآدابه، ودوائره، وكيفية الإفادة منه.
-       الفصل الثاني:  الشورى وأحكامها.
-       الخاتمة وتوصيات البحث.
﴿... رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 286] ، ﴿الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: 2]
د. رجب أبومليح محمد
ماليزيا – قدح (دار الآمان )
الأربعاء 11 من جماد أول 1435 هـ - 12 من مارس 2014 م










تمهيد
ويتناول التمهيد ثلاث نقاط :
أولا: التعددية : المفهوم والنشأة.
ثانيا : تعريف السياسة الشرعية .
ثالثا: قواعد السياسة الشرعية.
أولا : التعددية : المفهوم والنشأة
      التعددية تعني في جوهرها: التسليم بالاختلاف: التسليم به واقعا لايسع عاقلا إنكاره ، والتسليم به حقا للمختلفين، لا يملك أحد ولا سلطة حرمانهم منه، وهي توصف بالموضوع الذي يكون الاختلاف حوله ، أو الذي ينحصر فيه نطاقها ، فتكون سياسية أو اقتصادية أو دينية أو عرقية أولغوية أوغير ذلك.
والتعددية (بمعنى الاختلاف ) في أنواع الخلق وبين أفراد كل نوع، من حقائق الإبداع الرباني ، وليقرأ من شاء قوله تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ* وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام:98 - 99]
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ  * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر:27-  28]
والتعددية في نوع الإنسان ، وانتمائه ، ومستوى أدائه لواجباته وممارساته لمكناته أجلى وأوضح، وليقرأ من أراد قوله تعالى : ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22] ، أو قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾  [الحجرات: 13]  ([1])
     لعل فكرة التعددية من أكثر المقولات تدوالا في عالم اليوم ، إذ نالت شيوعا وصيتا في كل مجال من المجالات ، من علم وفكر ودين،  إلى اجتماع وثقافة وسياسة واقتصاد . وأصبحت من أكثر شعارات العصرالرنانة البراقة المستحسنة ، التى يلهج بها كل أحد، ويتزين بها كل أحد ، متخذا من ذلك دليلا على الانفتاح والسماحة والتمدين .
 ومع هذا الشيوع والذيوع لا يماري أحد من المختصين بتعريف هذا المصطلح أنه من الصعب تحديد معنى دقيق له ، أكثر من المعنى اللغوي المتفق عليه وهو أن التعدد يعنى أكثر من الواحد . أما ما وراء هذا المعنى البسيط فإن المصطلح غامض غائم، ويستعمل في معان شتى حسب السياق الذي يرد فيه ، حتى لقد وصل الأمر ببعض الدارسين للقول بأنه ينبغى لنا أن نسلم بتعددية التعددية ([2]).
وعلى هذا فإن مصطلح التعددية السائد المتداول اليوم ، يقصد به تلك التصورات والمناهج الغربية المعاصرة لتفسير وتنظيم مشكلة التنوع والتباين في المجتمعات البشرية . وقد نشأت هذه المبادئ والمفاهيم الغربية للتعددية خلال تطور طويل في الغرب ، وكانت مرآة لفلسفته ونظرته للحياة في ميادينها المختلفة . ويريد الغرب الآن جعلها نموذجا يحتذيه العالم كله ، بل فرضها في كثير من الأحيان . ومع أن استعلاء ثقافة على ثقافة أخري هو في حد ذاته يناقض مبدأ التعددية التي ينادي بها الغرب ، إلا أن ازدواج المعايير أمر لا غبار عليه عند القوم في التعامل مع غير بنى جنسهم([3]).
      وقد حفلت الكتابات الفكرية في الآونة الأخيرة بأطروحات كثيرة حول قضية « التعددية » وتفريعاتها في النواحي الفكرية والاجتماعية والسياسية ، بل حتى الدينية ، وبدا لمن يتابعون هذه الكتابات أن أنصار مبدأ « التعددية » يرون فيه الحل الناجع للكثير من مشكلات الأمة وفق توصيفهم لها ، وأنهم يطرحونه مذهباً فلسفياً قائماً ، يدعون له ، وينافحون عنه في وجه خصوم معينين ، وارتبطت فكرة « التعددية » بمنظومة أخرى من الأفكار التي تروج هي الأخرى في الكتابات الفكرية المعاصرة ، كفكرة « الاعتراف بالآخر » ، و « الديموقراطية » وما أشبه ذلك ، كما اكتسبت مثل تلك الأفكار قداسة خاصة ، وارتقت إلى مرتبة الشعار العاطفي المطلق ، الذي يرفع لاستجلاب المشاعر وإثارة الخواطر ، ويطلق علامة على حركة اجتماعية وفكرية عامة  ([4]).
أهدف هذه الفكرة :
وشُهرَت دعوة « التعددية » بخاصة في وجه الحركات والأفكار الإسلامية التي وصفت أنها عدو التعددية ، كما هي عدو الفكر والتقدم والتنوير والعقل والحرية ... الخ ، وعلى الرغم من اجتهاد بعض المفكرين الإسلاميين في إيجادوضع ثابت للتعددية داخل الشريعة الإسلامية كالقول الشائع مثلاً بأن المذاهب الفقهية هي أحزاب سياسية واجتماعية متعددة إلا أن وصمة رفض التعددية بقيت تلاحق الإسلاميين في الكتابات الجارية وتدمغهم في عرف الكاتبين بكل النواقص الناجمة عن ذلك ([5]).
ملحوظات أربع مهمة :
أولاً : أبرز هذه الملحوظات ما يتعلق بالمصدر الذي تؤخذ منه عادة هذه الكتابات والدعوات في الفترة الراهنة ، وأعني به قطاعات من الفئة المثقفة ذات التوجه العلماني ، وخاصة العناصر المسماة بالليبرالية واليسارية منها ، ولا يخفى أن الفئات الأخيرة على تنوعها من ماركسية وشيوعية واشتراكية وقومية كانت حتى وقت قريب أشد الرافضين لمبدأ التعددية، ولاسيما في مجال الحزبية السياسية؛ ذلك لأن أصحاب هذه المذاهب كانوا إلى سنوات أخيرة يزايدون على أصحابهم في الغرب في التشديد على « أحادية » مذاهبهم ورؤاهم الفكرية وقدرتها وحدها على تفسير وتحليل كل الظواهر .
ثانياً : الواقع المشهود والتجربة التاريخية خلال نصف قرن مضى ، تدل على أن من يستميتون الآن في طرح مبدأ « التعددية » كانوا أول وأشد من يناقضه في القول وفي الفعل، فهم الذين قمعوا وكبتوا بل سحقوا الحركات الإسلامية ، وأمروا أو حرضوا على قتل المفكرين والعلماء المسلمين العزل من أي شيء سوى أفكارهم ، وهم الذين تحالفوا مع كل أصحاب الدعوات والممارسات الاستبدادية في الحكم.
ثالثاً : إن « التعددية » المكتشفة أخيراً حلاً سحرياً للمشكلات والأزمات ، لا  تطرح باعتبارها فكرة أو مسلكا اجتماعيا أو أسلوبا حركيا أو دعوة أخلاقية ، بقدر ما تطرح سلاحاً مشهوراً في وجه خصوم التيار العلماني من المسلمين... ، وبالمثل فإن هذا السلاح والشعار يستخدم لتبييض صورة العلمانيين وتحسينها بنفي أبرز ملامحها وهو الاستبداد بالرأي والتعصب المقيت ضد المخالفين .
رابعاً : مفهوم التعددية يبدو غامض الملمح ومضطرب الأبعاد فالحديث قد يجري عن التعددية السياسية فنسمع دعوة إلى السماح بتعدد الأحزاب ، لكن هذه الدعوة مقيدة بأن تعمل هذه الأحزاب داخل نطاق محدد ومحدود لا تتجاوزه ، هو في العادة «ميثاق وطني » أو قانون صارم يضفي عليها في الواقع وحدة أو « أحادية » في الفكر والسلوك ، فوق أن هذه « الأحزاب المتعددة » تستثنى منها فئات عديدة أولها ما يسمى بالأحزاب الدينية أو الإسلامية مما يجعل من التعددية المرغوبة مجرد لفظ أجوف ([6]).
وتعقيبا على ماسبق نرى أن مصطلح "الاختلاف " في الفقه والفكر الإسلامي بضوابطه وأحكامه وآدابه وأخلاقه هو أولى بنا نحن المسلمين، وهو مصطلح كما سبق وأشرنا متجذر في تراثنا الفقهي والفكري ، وله أسسه وضوابطه، وله من الآليات والتدابير  ما يغنينا عن استيراد المصطلحات من الشرق أو الغرب، وإن كنا نرى أنه "لامشاحَّة في الاصطلاح"، "والحكمة ضالة المؤمن" أنى وجدها فهو أولى الناس بها، لكن المهم أن نخضعها للفحص والدرس؛ لنعلم أولا: أنها حكمة، وثانيا : أنها تناسب ثوابتنا وأعرافنا ومقدساتنا، ونعرف أخيرا أنها ليست موجودة عندنا في تراثنا النظري أو العلمي .






















ثانيا: السياسة الشرعية
- تعريفها لغة واصطلاحا
للسياسة في اللغة معنيان: الأول : فعل السائس ، وهو من يقوم على الدواب ويروضها، يقال : ساس الدابة يسوسها سياسة .
الثاني : القيام على الشيء بما يصلحه . يقال : ساس الأمر سياسة : إذا دبره ، وساس الوالي الرعية : أمرهم ونهاهم وتولى قيادتهم، وعلى ذلك فإن السياسة في اللغة تدل على التدبير والإصلاح والتربية([7]).
ويقول ابن نجيم الحنفي : ولم أر في كلام مشايخنا تعريف السياسة،  قال المقريزي في الخطط:  يقال ساس الأمر سياسة بمعنى قام به وهو سائس من قولهم ساسه، وسوَّسه القوم جعلوه يسوسهم , والسوس الطبع , والخلق يقال الفصاحة من سوسه , والكرم من سوسه أي من طبعه فهذا أصل وضع السياسة في اللغة([8]).
وفي الاصطلاح تأتي لمعان 
الأول : معنى عام يتصل بالدولة والسلطة . فيقال : هي استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل ، وتدبير أمورهم  .
وقال البجيرمي :( السياسة : إصلاح أمور الرعية ، وتدبير أمورهم )،   وقد أطلق العلماء على السياسة اسم : " الأحكام السلطانية "  أو " السياسة الشرعية "  ، أو " السياسة المدنية " ([9]).
المعنى الثاني : يتصل بالعقوبة ، وهو أن السياسة : " فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها ، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي "([10]).
    وللسياسة عند عُلَمَائنا القُدامَى مَعْنَيَان:
أحدهما: المعنى العام، وهو تدبير أمور الناس وشؤون دنياهم بشرائع الدين، ولهذا نَجِدُهُم يَعرِفون "الخلافة" أنها: نيابة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حِرَاسة الدين، وسياسته الدنيا به.
والثاني: المعنى الخاص، وهو ما يراه الإمام أو يُصدِره من الأحكام والقرارات، زجرًا عن فساد واقع، أو وقاية من فساد متوقع، أو علاجًا لوضع خاص([11]).
يقول ابن القيم – رحمه الله - :
          وقال ابن عقيل في الفنون : جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية: أنه هو الحزم، ولا يخلو من القول به إمام.
    فقال شافعي: لا سياسة إلا ما وافق الشرع. فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل به وحي. فإن أردت بقولك "إلا ما وافق الشرع" أي لم يخالف ما نَطَقَ به الشرع: فصحيح. وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع: فغلط، وتغليط للصحابة.
فقد جَرَى من الخلفاء الراشدين من القتل والتمثيل مما لا يَجْحَده عالِم بالسُّنن.
قال: ولو لم يكن إلا تحريق عثمان المصاحف ، فإنه كان رأيًا اعتمدوا فيه على مصلحة الأمة، وتحريق على ـ رضي الله عنه ـ الزنادقة في الأخاديد ، ونفي عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لنصر بن حجاج([12]).
وعرف المقريزي السياسة الشرعية في الخطط: أنها القانون الموضوع لرعاية الآداب , والمصالح وانتظام الأموال , والسياسة نوعان سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها , وقد صنف الناس في السياسة الشرعية كتبا متعددة , والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها([13]).
ويعرفها ابن نجيم بقوله : وظاهر كلامهم هاهنا أن السياسة هي فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها , وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئي([14]).
ويعرفها ابن عابدين بقوله : فالسياسة استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة , فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم , ومن السلاطين والملوك على كل منهم في ظاهره لا غير , ومن العلماء ورثة الأنبياء على الخاصة في باطنهم لا غير كما في المفردات وغيرها([15]).
وعرفها الشيخ عبد الوهاب خلاف بقوله : تدبير الشئون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار  مما لا يتعدى حدود الشريعة، وأصولها الكلية ، وإن لم يتفق وأقوال الأئمة المجتهدين([16]).
أقسام السياسة
   تقسم السياسة إلى قسمين : سياسة ظالمة تحرمها الشريعة . وسياسة عادلة تظهر الحق وتدفع المظالم وتردع أهل الفساد ، وتوصل إلى المقاصد الشرعية ، وهي التي توجب الشريعة اعتمادها والسير عليها ، والسياسة العادلة من الشريعة ، علمها من علمها ، وجهلها من جهلها ، وما يسميه أكثر السلاطين الذين يعملون بأهوائهم وآرائهم - لا بالعلم - سياسة ، فليس بشيء([17]).
وقد " كان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون يسوسون الناس في دينهم ودنياهم ، فكان الحكم والسياسة شيئا واحدا " . ثم لما اتسعت الدولة ظهر الفصل بين الشرع والسياسة ؛ لأن أهل السلطة صاروا يحكمون بالأهواء من غير اعتصام بالكتاب والسنة  .
قال ابن القيم : تقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة ، كتقسيم غيرهم الدين إلى شريعة وحقيقة ، وكتقسيم آخرين الدين إلى عقل ونقل . . وكل ذلك تقسيم باطل ؛ بل السياسة ، والحقيقة ، والطريقة ، والعقل ، كل ذلك ينقسم إلى قسمين : صحيح ، وفاسد . فالصحيح قسم من أقسام الشريعة لا قسيم لها ، والباطل ضدها ومنافيها ، وهذا الأصل من أهم الأصول وأنفعها ، وهو مبني على حرف واحد ، وهو عموم رسالته - صلى الله عليه وسلم - بالنسبة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم ، وأنه لم يحوج أمته إلى أحد بعده ، وإنما حاجتهم إلى من يبلغهم عنه ما جاء به ([18]).






ثالثا: قواعد السياسة الشرعية
اختلفت كلمة الباحثين حول قواعد السياسة الشرعية، فبعضهم جعلها هي القواعد الضابطة المنبثقة من الإسلام بصفة عامة ، وهذا ما ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية حيث ذكرت في ذلك ثلاث قواعد ، وهي سيادة الشريعة ، والشورى والعدل .
أسس السياسة الشرعية العامة : هي تلك القواعد الأساسية التي تبنى عليها دولة الإسلام ، ويستلهم منها النهج السياسي للحكم .
الأساس الأول : سيادة الشريعة :
 يؤكد القرآن الكريم هذه السيادة في غير موضع ، من ذلك قوله تعالى : ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]
  وقوله تعالى : ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ أَلاَ لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: 62]
قال ابن جرير : ألا له الحكم والقضاء دون سواه من جميع خلقه([19])، وذلك حق في الدنيا والآخرة ؛ لأن مبنى الحساب في الآخرة إنما يقوم على عمل الناس في الدنيا ، ولا يحاسب الناس على ما اجترحوا في الدنيا إلا على أساس هذه الشريعة التي جاءت أحكامها منظمة للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأمور المعاملات الأخرى([20]) .
حق الإمام في وضع الأنظمة المستنبطة من الشريعة :
وتقرير مبدأ سيادة الشريعة لا يعني حرمان الإمام ومن دونه أهل الحكم والسلطة من حق اتخاذ القرارات والأنظمة التي لا بد منها لتسيير أمور الدولة .
ذلك لأن نصوص الشريعة محدودة ومتناهية ، وأما الحوادث وتطور الحياة والمسائل التي تواجه الأمة والدولة معا فغير محدودة ولا متناهية . ولا بد للإمام وأهل الحكم من مواجهة كل ذلك بما يرونه من أنظمة ، ولكن هذا الحق ليس مطلقا وإنما هو مقيد بما لا يخالف النصوص الشرعية ، ولا يخرج على مبادئ الإسلام وقواعده العامة ، وأن يكون ذلك لمصلحة الأمة الواجبة الرعاية ، والتي لأجلها قامت الدولة ، ولا يكون ذلك إلا بعد الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص من الفقهاء وغيرهم ([21]) .
الأساس الثاني : الشورى :
الحكم أمانة ، والإمام ومن يتولى السلطة مسئولون عن تلك الأمانة . لذلك كان من صفاتهم أنهم لا يستبدون برأي ولا يغفلون عن الاستفادة من عقول الرجال لقوله تعالى : ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الشورى: 38]،  وعليه ، فإن من المقرر فقها أن على الإمام مشاورة العلماء العاملين الناصحين للدولة وللأمة ، وأن يعتمد عليهم في أحكامه كي يدوم حكمه ويقوم على أساس صحيح([22]) .
الأساس الثالث : العدل :
العدل هو الصفة الجامعة للرسالة السماوية التي جاء الرسل عليهم الصلاة والسلام لتحقيقها ، وإرشاد الناس إليها وحملهم عليها . ففي القرآن الكريم :
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: 25]
    وقوله تعالى : ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]
فالعدل أمر فرض الله سبحانه على المسلمين السعي لإقامته في الأرض ، وليكون من أبرز خصائصهم بين الأمم ؛ لأن دينهم دين العدل . حتى قال عمر - رضي الله عنه - بأنه " لا رخصة فيه في قريب ولا بعيد ولا في شدة ولا رخاء ، وقال ابن تيمية بوجوبه على كل أحد وفي كل شيء([23]) .
ويضع فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي مرتكزات للسياسة الشرعية فيقول :  يقوم هذا الفقه المنشود ـ الذي يَنْبَثِق من العقيدة، ويعتمد على الشريعة، وتُؤَيِّدُه القيم والأخلاق ـ على عِدَّةِ أُسس ومرتكزات أساسية، نُجْمِلُها فيما يلي، ثم نُفَصِّلها ونَشْرَحُها بعد ذلك.
المرتكز الأول: فقه النصوص الجزئية في ضوء المقاصد.
المرتكز الثاني: فقه الواقع، وتغير الفتوى بتغيره.
المرتكز الثالث: فقه الموازنات، بين المصالح والمفاسد.
المرتكز الرابع: فقه الأولويات.
المرتكز الخامس: فقه التغيير ([24]) .
بينما يذكر باحث آخر قواعد الإمامة كما استخرجها من فقه الجويني – رحمه الله – فيقول :
وسوف أبحث هذه القواعد في عشرة مباحث كالتالي :
المبحث الأول : قواعد الإمامة.
المبحث الثاني : واجبات الإمام.
المبحث الثالث:  قواعد الزواجر والتعزيرات .
المبحث الرابع:  قواعد التوظيف.
المبحث الخامس :   قواعد الدعوة والجهاد.
المبحث السادس:  قواعد فروق الكفايات .
المبحث السابع:  قواعد السياسة المالية .
المبحث الثامن : عزل الإمام.
المبحث التاسع: ولاية العهد.
المبحث العاشر :  قواعد الاستنابة ([25])
والباحث هنا -كما صرح هو بحق - لا يقصد معنى القاعدة الاصطلاحي ، وهو القضية الكلية التي تنطبق على جميع جزئياتها أو معظم جزئياتها، ولكنه يقصد القاعدة بالمعنى اللغوي العام وهو أساس الشيء وأصله الذي يعتمد عليه ([26])
وأحسب أن ذلك كله مطلوب عند النظر إلى مفهوم التعددية ، لنعرف موقف الإسلام من المصطلح وكيفية تفعيله في الواقع المعاصر .
        بعد هذا التمهيد الذي عرضنا فيه لمفهوم التعددية، والسياسة الشرعية ، وقواعدها أحسب أن مفهوم التعددية بالمعنى الإيجابي الفاعل قد عبرت عنه الشريعة بمصطلح الاختلاف بدوائره التي سنذكرها لاحقا- إن شاء الله تعالى - ، ونعني به أيضا الاختلاف الإيجابي الذي يبني ولا يهدم، ويعمر ولا يدمر.
  ولكي لا يكون الاختلاف اختلافا سوفسطائيا لا ينبني عليه عمل، أو يتحول إلى جدل مذموم يؤدي بدوره إلى النزاع والشقاق، ومن ثمَّ إلى الفرقة والتناحر وضعت  له الشريعة الإسلامية آدابا لا بد أن تراعى حين الاختلاف، ثم وضعت الآليات التي يحسم بها الخلاف وهو الشورى ، والنزول على رأي الأغلبية كائنا ما كان. 
وسنتناول موضوع الاختلاف في فصل، وموضوع الشورى في فصل آخر ، نتبعه بتوصيات ونتائج البحث إن شاء الله تعالى.

























الفصل الأول : الاختلاف حقيقته ودوائره وآدابه
أولا: تعريف الاختلاف
     الاختلاف لغة : مصدر اختلف . والاختلاف نقيض الاتفاق . جاء في اللسان ما مفاده : اختلف الأمران لم يتفقا . وكل ما لم يتساو فقد اختلف . والخلاف : المضادة ، وخالفه إلى الشيء عصاه إليه ، أو قصده بعد أن نهاه عنه . ويستعمل الاختلاف عند الفقهاء بمعناه اللغوي وكذلك الخلاف .
وجاء في فتح القدير والدر المختار وحاشية ابن عابدين ، ونقله التهانوي عن بعض أصحاب الحواشي ، التفريق بين ( الاختلاف ) ( والخلاف ) بأن الأول يستعمل في قول بني على دليل ، والثاني فيما لا دليل عليه . وأيده التهانوي بأن القول المرجوح في مقابلة الراجح يقال له خلاف ، لا اختلاف . قال : والحاصل منه ثبوت الضعف في جانب المخالف في ( الخلاف ) ، كمخالفة الإجماع ، وعدم ضعف جانبه في ( الاختلاف )([27]).
وقد وقع في كلام بعض الأصوليين والفقهاء عدم اعتبار هذا الفرق ، بل يستعملون أحيانا اللفظين بمعنى واحد ، فكل أمرين خالف أحدهما الآخر خلافا ، فقد اختلفا اختلافا . وقد يقال : إن الخلاف أعم مطلقا من الاختلاف . وينفرد الخلاف في مخالفة الإجماع ونحوه . هذا ويستعمل الفقهاء (التنازع) أحيانا بمعنى الاختلاف([28]) .
والاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقا مغايرا للآخر في حاله أو في قوله. والخلاف أعم من «الضد» لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال تعالى:﴿فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: 37] ، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود: 118] ، ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾ [الذاريات: 8] ، ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾  [يونس: من الآية 93]
وعلى هذا يمكن القول بأن «الخلاف والاختلاف يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف. وأما ما يعرف لدى أهل الاختصاص ب« علم الخلاف» فهو علم يمكن من حفظ الأشياء التي استنبطها إمام من الأئمة، وهدم ما خالفها دون الاستناد إلى دليل مخصوص، إذ لو استند إلى الدليل، واستدل به لأصبح مجتهدا وأصوليا، والمفروض في الخلافي ألا يكون باحثا عن أحوال أدلة الفقه، بل حسبه أن يكون متمسكا بقول إمامه لوجود مقتضيات الحكم إجمالا عند إمامه كما يظن هو، وهذا يكفي عنده لإثبات الحكم، كما يكون قول إمامه حجة لديه لنفي الحكم المخالف لما توصل إليه إمامه كذلك([29]).
والاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح، وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً في القرآن الكريم قال تعالى ﴿فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ ﴾ [مريم:من الآية 37] ،وقال تعالى﴿فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [البقرة: من الآية 113 ]
 وقال تعالى ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ﴾ [البقرة: من الآية 213  ]
 وقال تعالى ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ﴾ [الشورى: 10]
أما الخلاف فهو مصدر من خالف إذا عارضه ، والاختلاف قد يوحي بشيء من التكامل والتناغم ،
وأما الخلاف فإنه لا يوحي بذلك وينصب الاختلاف غالباً على الرأي، اختلف فلان مع فلان في كذا ، والخلاف ينصب على الشخص.
ثم إن الاختلاف لا يدل على القطيعة ، بل قد يدل على بداية الحوار، فإن ابن مسعود اختلف مع أمير المؤمنين عثمان في مسألة إتمام الصلاة في سفر الحج ، ولكنه لم يخالف بل أتم معه وقال : الخلاف شر، وقد يدل الخلاف على القطيعة، هذا الإيحاءات والظلال جعلتنا نفضل كلمة الاختلاف التي قد تكون مقدمة للتفاهم والتكامل على كلمة الخلاف وإن كان العلماء يستعملون كلتا الكلمتين لتأدية نفس المعنى باعتبارهما من المترادف فتتعاوران وتتعاقبان ([30]) .
ثانيا : الاختلاف في ضوء نصوص القرآن الكريم وأفعال النبي r 
الاختلاف من خلال نصوص القرآن الكريم
من خلال تتبع بعض الآيات في القرآن الكريم التي ورد فيها لفظ الاختلاف ومشتقاته نلاحظ ما يلي :
أولا: الاختلاف آية من آيات الله في خلقه، وسنة من السنن الكونية التي تُضفي على الكون بهاء وجمالا وجلالا، وهو هنا اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، اختلاف يبعث على التفكر والتدبر في كتاب الله المنظور ، اختلاف يبعث على الأريحية وعدم الشعور بالرتابة أو السآمة أو الملل.
يقول الله تعالى :
1- ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَليْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَتِي تَجْرِي فِي البَحْرِ بِمَا
يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾  [البقرة: 164]
2- ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190]
3- ﴿إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ [يونس: 6]
4- ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ [المؤمنون: 80]
5- ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: 22]
6- ﴿وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الجاثية: 5]
7- ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 141]
8- ﴿وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل: 13]
9- ﴿ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 69]
10- ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [فاطر: 27]
11- ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 28]
12- ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 21].
   وقد يشعر بهذه المعاني السابقة من يعيش في بلد يتساوى فيه الليل والنهار طوال العام، وتثبت درجات الحرارة والطقس غالبا عند حد معين، فلا يُعرف فيه صيف من شتاء، ولا برد من حر، فيشعر الإنسان بشيء من الرتابة والكسل، ولا يكون المكان صالحا لكثير من الفاكهة والثمار التي يتمتع بها الإنسان، وهذا بخلاف من يعيش في مكان تتمايز فيه فصول العام ، فيطول الليل في الشتاء ويقصر في الصيف ، فيبعث في النفس النشاط والتجدد ، وتلك آية من آيات الله ليتنا نعقلها ونتدبرها فنأخذ أفضل ما في الاختلاف ، ونترك أسوأ ما فيه!
ثانيا : إن معظم الخلاف الذي ينشأ بين بني آدم اختلاف بالمعني السلبي لا بالمعنى الإيجابي، وهو يؤدي إلى إنكار القوي حق الضعيف، والكبير حق الصغير، ومن ثمَّ يؤدي إلى التقاتل، خاصة ذلك الخلاف الذي يبني على الهوى ، ولا يتفق الناس على طريقة يحسمون بها هذا الخلاف.
يقول الله تعالى:
1- ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البقرة: 253]
2- ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19]
3- ﴿وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 105].
4- ﴿فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [مريم: 37]
5- ﴿وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [البقرة: 113]
6- ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود:118 - 119]
ثالثا : لا بد من الاتفاق على طريقة ينتهي بها الاختلاف نهاية إيجابية، فإما أن يقنع أحد الطرفين الآخر ، وإما أن يحفظ له حقه فى الاختلاف دون تطاول ، أو إقصاء، ونجد إشارات كثيرة في القرآن الكريم أن من مقاصد نزول القرآن الكريم هو فصل النزاع الدائر بين بني البشر ليحيا من حيَّ عن بينة ويهلك من هلك عن بينة .
فالمسلمون مأمورون بالرجوع إلى الله ورسوله عند التنازع وما نطق به القرآن على سبيل القطع ، أو السنة المطهرة على سبيل الجزم ملزم للمسلمين جميعا، وغير المسلمين لا سبيل لإقناعهم إلا الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن لم يفصل النزاع في الدنيا فالله يقضي فيه بحكمه يوم القيامة.
يقول الله تعالى :
1- ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213]
2- ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ [النحل: 39]
3- ﴿إِنَّ هَذَا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل: 76]
4- ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [السجدة: 25]
5- ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: 10]
6- ﴿أَلاَ للهِ الدِّينُ الخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: 3
7- ﴿قُلِ اللهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: 46]
8- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59] .
الاختلاف من خلال السنة العملية والقولية للنبي r
وقع الاختلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم والرسول – صلى الله عليه وسلم – بينهم، ولو كان عصرا يمكن أن يخلو من الاختلاف لكان عصر الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولكن الرسول تركهم يختلفون، وكان يتدخل فقط عند الحاجة، فتارة يرجح رأيا على الآخر، وتارة يصوب الجميع، وتارة يُعْمِل الشورى في القضايا العامة والمهمة، ونستطيع أن نشير في عجالة إلى بعض ما وقع في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم –  من اختلاف في النقاط التالية:
1- ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال يوم الأحزاب: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيها، أي : ديار بني قريظة.
وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فلم يعنف واحدا منهم» ([31]) .
2- روى أبو داود بسنده عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء:  من الآية29]
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا ([32])
3- اختلاف الصحابة في شأن أسرى بدر، وقد أورد الإمام أحمد القصة كاملة  بسنده عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:  لما كان يوم بدر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ قال: فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم، واستأن بهم، لعل الله أن يتوب عليهم قال: وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قربهم، فاضرب أعناقهم قال: وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرم عليهم نارا قال: فقال العباس: قطعت رحمك. قال: فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرد عليهم شيئا قال: فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، قال: فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله ليلين قلوب رجال فيه، حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال: ﴿... فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 36] ، ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: ﴿إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118]،  وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال ﴿... رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: 26]
 وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: ﴿... رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ﴾ [يونس: 88] ، أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضربة عنق . قال عبد الله: فقلت:
يا رسول الله إلا سهيل ابن بيضاء، فإني قد سمعته يذكر الإسلام قال: فسكت قال: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء في ذلك اليوم حتى قال: إلا سهيل ابن بيضاء قال: فأنزل الله عز وجل: {﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾  [الأنفال: 68]  ([33]) .
 4- والأمثلة على ذلك كثيرة يمكننا مراجعتها في كتب السنن والسير، كاختلافهم في الخروج يوم أحد أو البقاء في المدينة، واختلافهم حول دفع جزء من ثمار المدينة لغطفان في غزوة الأحزاب، واختلافهم مع رسول الله ، بل معارضته في شأن صلح الحديبية وغير ذلك كثير .
دوائر الخلاف في الفكر الإسلامي
أولا: الاختلاف بين المسلمين وغير المسلمين
  لا توجد شريعة على ظهر هذه الأرض الآن – لا سماوية ولا وضعية – راعت حقوق الأقليات غير المسلمة ، وأعطت لهم الضمانات الكافية، وأنشأت التدابير الواقية للحفاظ على دينهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم غير الشريعة الإسلامية.
فدستور العلاقة بين المسلمين وغيرهم يقوم على البر والقسط، ولايتحول المسلمون عن هذا البر والقسط إلا إذا أعلن الطرف الآخر غير المسلم الحرب على المسلمين ، وقتاله، أو مناصرة من يقاتله، وإخراجه من داره بغير حق .
يقول الله تعالى : ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾  [الممتحنة:8-  9]
وقد أمر الله تعالى بجدالهم بالتي هي أحسن، في الوقت الذي أمر المسلمين بدعوة أنفسهم بالحسن فقط، فلهم درجة على المسلمين أنفسهم ، يقول الله تعالى:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [النحل: 125]
﴿وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [العنكبوت: 46]
ثم يبحث الله تعالى عن نقاط الاتفاق بين المسلمين وغيرهم؛ لينميها ويزكيها ، ويجعلها محل اتفاق يتعاونون بينهم فيما اتفقوا عليه فيقول :
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64]
﴿قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 84]
ويأمر الله تعالى الولد بالإحسان إلى والديه وصلتهم وبرهم ولو كانا كافرين فيقول تعالى :
﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾  [لقمان: 15]
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا﴾ [الإسراء: 28]
ثم يبيح للمسلم أن يأكل من طعام أهل الكتاب، ولأهل الكتاب أن يأكلوا من طعام المسلم،كما يبيح للمسلم أن يتزوج من الكتابية العفيفة، مع ما ينشأ من حب ومودة بين الزوجين ، وما ينشأ من مصاهرة بين أقارب المسلم وأقارب غير المسلمة، وما ينشأ من أرحام أمر الله بصلتها ورعايتها ، وحفظ حقوقها، يقول الله تعالى :.
﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾  [المائدة: 5]
  (وهذا في الواقع تسامح كبير من الإسلام ، حيث أباح للمسلم أن تكون ربة بيته و شريكة حياته وأم أولاده غير مسلمة ، وأن يكون أخوال أولاده وخالاتهم من غير المسلمين) ([34]).
وجاءت السنة القولية والعملية لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – مؤكدة ما جاء في القرآن الكريم، وشارحة له ومبينة؛ لتضع الآيات القرآنية الكريمة موضع التنفيذ الذي لا يقبل المساومة ولا المماطلة.
1- روى البخاري بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ([35])
2- روى أبو داود بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ([36])   
3- روى الترمذي بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا من قتل نفسا معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا"([37]) .
4- روي البيهقي بسنده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا من ظلم معاهدا ، وانتقصه ، وكلفه فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة " . وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإصبعه إلى صدره : " ألا ومن قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله حرم الله عليه ريح الجنة ، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفا " ([38])
يقول الإمام القرافي – رحمه الله - :
   عقد الذمة لما كان عقدا عظيما فيوجب علينا حقوقا لهم منها ما حكى ابن حزم في مراتب الإجماع: "ونجعلهم في جوارنا وفي حق ربنا وفي ذمة الله تعالى وذمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذمة دين الإسلام" ا هـ . والذي إجماع الأمة عليه أن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة الله  تعالى وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة، ومنها أن من اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى، وذمة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وذمة دين الإسلام تعين علينا أن نبرهم بكل أمر لا يؤدي إلى أحد الأمرين أحدهما ما يدل ظاهره على مودات القلوب، وثانيهما ما يدل ظاهره على تعظيم شعائر الكفر، وذلك كالرفق بضعيفهم وسد خلة فقيرهم وإطعام جائعهم وإكساء عاريهم ولين القول لهم على سبيل اللطف لهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذيتهم في الجوار مع القدرة على إزالته لطفا منا بهم لا خوفا وتعظيما ، والدعاء لهم بالهداية وأن يجعلوا من أهل السعادة ، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم وحفظ غيبتهم إذا تعرض أحد لأذيتهم،  وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم،  وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم وإيصالهم لجميع حقوقهم وكل خير يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ، ومن العدو أن يفعله مع عدوه فإن ذلك من مكارم الأخلاق . إلا أنه ينبغي أن يكون لا على وجه التعظيم لهم وتحقير أنفسنا بذلك الصنيع لهم، بل امتثالا منا لأمر ربنا عز وجل وأمر نبينا صلى الله عليه وسلم([39])
ويذكر فقهاؤنا حقوق غير المسلمين في المجتمع المسلمين ومنها:
1-  حق الحماية من الاعتداء الخارجي أو الظلم الداخلي ويشمل هذا الحق حماية الأموال والأعراض والدماء .
2-  التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر .
3-  حرية التدين .
4-  حرية العمل والكسب .
5-  تولي وظائف الدولة ([40]).
     فالقاعدة العامة في حقوق أهل الذمة : أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وهذه القاعدة جرت على لسان فقهاء الحنفية ، وتدل عليها عبارات فقهاء المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ،  ويؤيدها بعض الآثار عن السلف ، فقد روي عن علي بن أبي طالب أنه قال : إنما قبلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ، ودماؤهم كدمائنا ([41]).
ثانيا : الاختلاف بين المسلمين وبعضهم
  ذكرنا قبل في مقدمة هذا الفصل تعريف الفقهاء للاختلاف الفقهي ، وحديث القرآن الكريم والسنة المطهرة حول هذا الاختلاف، وسنعرض في عجالة هنا إلى أنواع هذا الاختلاف ، وموقف الفقهاء منه، وآدابه ، وكيفية الخروج منه وتحويله إلى عنصر من عناصر القوة في بناء الأمة الإسلامية.
حكم الاختلاف وأنواعه
الحكم التكليفي للاختلاف بحسب أنواعه :
فأمور الدين التي يمكن أن يقع فيها الخلاف إما أصول الدين أو فروعه ، وكل منهما إما أن يثبت بالأدلة القاطعة أو لا . فهي أربعة أنواع :
- النوع الأول : أصول الدين التي تثبت بالأدلة القاطعة ، كوجود الله تعالى ووحدانيته ، وملائكته وكتبه ورسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - والبعث بعد الموت ونحو ذلك . فهذه أمور لا مجال فيها للاختلاف ، من أصاب الحق فيها فهو مصيب ، ومن أخطأه فهو كافر  .
- النوع الثاني : بعض مسائل أصول الدين ، مثل مسألة رؤية الله في الآخرة ، وخلق القرآن ، وخروج الموحدين من النار ، وما يشابه ذلك ، فقيل يكفر المخالف ، ومن القائلين بذلك الشافعي . فمن أصحابه من حمله على ظاهره . ومنهم من حمله على كفران النعم  .
وشرط عدم التكفير أن يكون المخالف مصدقا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - . والتكذيب المكفر أن ينفي وجود ما أخبر به الرسول ويزعم أن ما قاله كذب محض أراد به صرف الناس عن شيء يريده ، كذا قال الغزالي .
- النوع الثالث :
الفروع المعلومة من الدين بالضرورة كفرضية الصلوات الخمس ، وحرمة الزنا ، فهذا ليس موضعا للخلاف . ومن خالف فيه فقد كفر  .
- النوع الرابع :
الفروع الاجتهادية التي قد تخفى أدلتها . فهذه الخلاف فيها واقع في الأمة . ويعذر المخالف فيها ؛ لخفاء الأدلة أو تعارضها ، أو الاختلاف في ثبوتها . وهذا النوع هو المراد في كلام الفقهاء إذا قالوا : في المسألة خلاف ([42]).
        قضت مشيئة الله تعالى خلق الناس بعقول ومدارك متباينة إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار وكل تلك الأمور تفضي إلى تعدد الآراء والأحكام وتختلف باختلاف قائليها،  وإذا كان اختلاف ألسنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آية من آيات الله تعالى، فان اختلاف مداركنا وعقولنا وما تثمره تلك المدارك والعقول آية من آيات الله تعالى كذلك ، ودليل من أدلة قدرته البالغة وإن إعمار الكون وازدهار الوجود وقيام الحياة لا يتحقق أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شيء، وكل ميسر لما خلق له .
إن الاختلاف الذي وقع في سلف هذه الأمة، ­ ولا يزال واقعا ­ جزء من هذه الظاهرة الطبيعية ، فإن لم يتجاوز الاختلاف حدوده بل التزمت آدابه كان ظاهرة إيجابية كثيرة الفوائد([43]).
"الاختلاف ظاهرة لا يمكن تحاشيها باعتبارها مظهراً من مظاهر الإرادة التي ركبت في الإنسان إذ الإرادة بالضرورة تؤدي إلى وقوع الاختلاف والتفاوت في الرأي.
وقد انتبه لذلك العلامة ابن القيم عندما يقول : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم، ولكن المذموم بغي بغضهم على بعض وعدوانه"
فإن الشقاق يمكن تفاديه بالحوار الذي من شأنه أن يقدم البدائل العديدة لتجنب مأزق الاصطدام في زاوية الشقاق"([44]).
بعض فوائد الاختلاف المقبول:
1- أنه يتيح ­ إذا صدقت النوايا ­ التعرف على جميع الاحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمى إليها بوجه من وجوه الأدلة.
2- ­وفي الاختلاف ­ بالوصف الذي ذكرناه رياضة للأذهان وتلاقح للآراء وفتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها.
3-­ تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة؛ ليهتدي إلى الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يتناسب ويسر هذا الدين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم.
تلك الفوائد وغيرها يمكن أن تتحقق إذا بقي الاختلاف ضمن الحدود والآداب التي يجب الحرص عليها ومراعاتها، ولكنه إذا جاوز حدوده، ولم تراع آدابه  فتحول إلى جدال وشقاق كان ظاهرة سلبية سيئة العواقب تحدث شرخا في الأمة، فيتحول الاختلاف من ظاهرة بناء إلى معاول للهدم([45]).
أسباب الاختلاف بين الفقهاء
أما أسباب الاختلاف فكثيرة بعضها يرجع للنصوص التي تستنبط منها الأحكام، وهي القرآن الكريم والسنة المطهرة ، والقرآن الكريم أتت نصوصه على نوعين:
النوع الأول : قطعي الثبوت قطعي الدلالة.
النوع الثاني : قطعي الثبوت ظني الدلالة.
والسنة المطهرة أتت نصوصها على أربعة أنواع:
1-  قطعية الثبوت قطعية الدلالة.
2-  قطعية الثبوت ظنية الدلالة .
3-  ظنية الثبوت قطعية الدلالة .
4-  ظنية الثبوت ظنية الدلالة.
ومن هذه الأسباب ما يرجع للمجتهد، سواء ما يرجع لعقلية المجتهد وفهمه، أم للأصول التي وضعها لنفسها قبل أن يشرع في الاجتهاد، ومنها ما يرجع للزمان والمكان في الأحكام التي تتغير بتغير الزمان والمكان .
"إنها أسباب موضوعية ترجع إلى:
1-  بلوغ الأخبار والآثار إلى العلماء والقواعد التي يلتزم بها العالم في تصحيح وتضعيف الأخبار وبالتالي مسألة اختيار معايير التعامل مع السنة وقرائن نسخ الأخبار وإحكامها.
2- وإلى اللغة وضوحا وجلاء وغموضا وخفاء كما هو مفصل في كتب أصول الفقه في أبواب دلالات الألفاظ كعموم النصوص وخصوصها وظهورها وتأويلها ومجملها ومبينها .
3- كما يرجع الاختلاف إلى الأدلة المتعلقة بمعقول النص ومقاصد الأحكام كأنواع القياس والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع.
4- كما يرجع الاختلاف إلى الأعراف المعتبرة وتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والموازنة بين المصالح والمفاسد.
فهذه العناوين الأربعة يرجع إليها اختلاف العلماء"  ([46]).
آداب الاختلاف
حتى يظل الاختلاف ظاهرة صحية، ومظهرا من مظاهر القوة والوحدة والترابط بين المسلمين فلا بد أن يكون اختلافا نابعا عن الدليل، وليس نابعا عن الهوى ، ولا بد أيضا من الالتزام بآداب الاختلاف التي رأينا في سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – القولية والعملية.
آداب عامة ينبغي للمختلفين أن يراعوها ليعذر بعضهم بعضاً :-
1-العذر بالجهل .
2 – العذر بالاجتهاد.
3- العذر باختلاف العلماء .
4- الرفق في التعامل.
5- أن لا يتكلم بغير علم قال تعالى ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: 36]، لا بد من الإحاطة بما في المسألة قبل أن تخالف .
6-أدب مراعاة المصالح الشرعية في الإنكار فإذا كان النهي سيؤدي إلى مفسدة أكبر أو سيضيع مصلحة أعظم فلا نهي ولا أمر([47])
     لقد اختلف الأئمة في كثير من الأمور الاجتهادية، كما اختلف الصحابة والتابعون قبلهم، وهم جميعا على الهدى ما دام الاختلاف لم ينجم عن هوى أو شهوة أو رغبة في الشقاق، فقد كان الواحد منهم يبذل جهده وما وفي وسعه ولا هدف له إلا إصابة الحق وإرضاء الله جل شأنه، ولذلك فان أهل العلم في سائر الأعصار كانوا يقبلون فتاوى المفتين في المسائل الاجتهادية ماداموا مؤهلين، فيصوبون المصيب، ويستغفرون للمخطئ، ويحسنون الظن بالجميع، ويسلمون بقضاء القضاء على أي مذهب كانوا، ويعمل القضاء بخلاف مذاهبهم عند الحاجة من غير إحساس بالحرج أو انطواء على قول بعينه، فالكل يستقي من ذلك النبع وإن اختلفت الدلائل، وكثيرا ما يصدون اختياراتهم بنحو قولهم: «هذا أحوط» أو «أحسن» أو «هذا ما ينبغي» أو «نكره هذا» أو «لا يعجبني» فلا تضييق ولا اتهام ولا حجر على رأي له من النص مستند بل يسر وسهولة وانفتاح على الناس لتيسير أمورهم([48]).
لقد كان في الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ومن بعدهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرأها ومنهم من يجهر بها ومنهم من يسر، وكان منهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت فيها، ومنهم من يتوضأ من الرعاف والقيء، والحجامة، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يرى في مس المرأة نقضا للوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل أو ما مسته النار مسا مباشرا، ومنهم من لا يرى في ذلك بأسا.
إن هذا كله لم يمنع من أن يصلي بعضهم خلف بعض كما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأئمة آخرون يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وغيرهم ولو لم يلتزموا بقراءة البسملة لا سرا ولا جهرا، وصلى الرشيد إماما وقد احتجم فصلى الإمام أبو يوسف خلفه ولم يعد الصلاة مع أن الحجامة عنده تنقض الوضوء.
وكان الإمام أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الرعاف والحجامة فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ هل يصلى خلفه؟ فقال: «كيف لا أصلي خلف الامام مالك وسعيد بن المسيب».
وصلى الشافعي رحمه الله الصبح قريبا من مقبرة أبي حنيفة رحمه الله فلم يقنت ­ والقنوت عنده سنة مؤكدة ­ فقيل له في ذلك، فقال : «أخالفه وأنا في حضرته؟» وقال أيضا: «ربما انحدرنا إلى مذهب أهل العراق»([49]).
وقد رفض الإمام مالك اقتراحا من أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي بحمل الناس على كتاب الموطأ حتى لا يضيق على الناس واسعا .
قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي
     صدر قرار من المجمع الفقهي في دورته العاشرة  في الفترة 24- 28 صفر 1423 هـ - 17 – 20 أكتوبر 1987 بشأن اختلاف الفقهاء جاء فيه ما يلي:
       أما اختلاف المذاهب الفقهية، في بعض المسائل، فله أسباب علمية، اقتضته، ولله - سبحانه - في ذلك حكمة بالغة: ومنها الرحمة بعباده، وتوسيع مجال استنباط الأحكام من النصوص، ثم هي بعد ذلك نعمة، وثروة فقهية تشريعية، تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد حصرا لا مناص لها منه إلى غيره، بل إذا ضاق بالأمة مذهب أحد الأئمة الفقهاء في وقت ما، أو في أمر ما، وجدت في المذهب الآخر سعة ورفقا ويسرا، سواء أكان ذلك في شئون العبادة، أم في المعاملات، وشئون الأسرة، والقضاء والجنايات، على ضوء الأدلة الشرعية.
فهذا النوع الثاني من اختلاف المذاهب، وهو الاختلاف الفقهي، ليس نقيصة، ولا تناقضاً في ديننا، ولا يمكن أن لا يكون، فلا يوجد أمة فيها نظام تشريعي كامل بفقهه واجتهاده ليس فيها هذا الاختلاف الفقهي الاجتهادي.
فالواقع أن هذا الاختلاف، لا يمكن أن لا يكون، لأن النصوص الأصلية، كثيرا ما تحتمل أكثر من معنى واحد، كما أن النص لا يمكن أن يستوعب جميع الوقائع المحتملة، لأن النصوص محدودة، والوقائع غير محدودة، كما قال جماعة من العلماء - رحمهم الله تعالى- فلا بد من اللجوء إلى القياس، والنظر إلى علل الأحكام، وغرض الشارع، والمقاصد العامة للشريعة، وتحكيمها في الوقائع، والنوازل المستجدة. وفي هذا تختلف فهوم العلماء، وترجيحاتهم بين الاحتمالات، فتختلف أحكامهم في الموضوع الواحد، وكل منهم يقصد الحق، ويبحث عنه، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، ومن هنا تنشأ السعة ويزول الحرج.
فأين النقيصة في وجود هذا الاختلاف المذهبي، الذي أوضحنا ما فيه من الخير والرحمة، وأنه في الواقع نعمة، ورحمة من الله بعباده المؤمنين، وهو في الوقت ذاته، ثروة تشريعية عظمى، ومزية جديرة بأن تتباهى بها الأمة الإسلامية. ولكن المضللين من الأجانب، الذين يستغلون ضعف الثقافة الإسلامية لدى بعض الشباب المسلم، ولا سيما الذين يدرسون لديهم في الخارج، فيصورون لهم اختلاف المذاهب الفقهية هذا كما لو كان اختلافا اعتقاديا، ليوحوا إليهم ظلما وزوراً بأنه يدل على تناقض الشريعة، دون أن ينتبهوا إلى الفرق بين النوعين وشتان ما بينهما.
ثانيا: وأما تلك الفئة الأخرى، التي تدعو إلى نبذ المذاهب، وتريد أن تحمل الناس على خط اجتهادي جديد لها، وتطعن في المذاهب الفقهية القائمة، وفي أئمتها أو بعضهم، ففي بياننا الآنف عن المذاهب الفقهية، ومزايا وجودها وأئمتها ما يوجب عليهم أن يكفوا عن هذا الأسلوب البغيض الذي ينتهجونه، ويضللون به الناس، ويشقون صفوفهم، ويفرقون كلمتهم في وقت نحن أحوج ما نكون إلى جمع الكلمة في مواجهة التحديات الخطيرة من أعداء الإسلام، بدلا من هذه الدعوة المفِرّقة التي لا حاجة إليها ([50]).
قرار مجمع الفقه الدولي بشأن الوحدة الإسلامية
 إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن  منظمة المؤتمر الإسلامي  في دورة انعقاد مؤتمره الحادي عشر بالمنامة في دولة  البحرين  ، من 25 - 30 رجب 1419هـ (14 - 19 نوفمبر 1998م).
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع: (الوحدة الإسلامية). .
قرر ما يلي:
أولًا: إن الوحدة الإسلامية واجب أمر الله تعالى به وجعله وصفًا لازمًا لهذه الأمة بقوله تعالى:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا﴾  [آل عمران: من الآية 103] ، وقوله عز وجل: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]
وأكدت ذلك السنة النبوية قولًا وعملًا، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :(المسلمون تتكافؤ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم) ، وحقق عليه الصلاة والسلام هذه الوحدة فعلًا بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقرر ذلك في أول وثيقة لإقامة  الدولة الإسلامية   بالمدينة المنورة  التي فيها وصف المسلمين بأنهم: (أمة واحدة من دون الناس)...
ثانيًا: إن الوحدة الإسلامية تكمن في تحقيق العبودية لله سبحانه اعتقادًا وقولًا وعملًا، على هدي كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والحفاظ على هذا الدين الذي يجمع المسلمين على كلمة سواء في شتى مناحي الحياة من فكرية واقتصادية واجتماعية وسياسية، وما أن ابتعدت الأمة الإسلامية عن مقومات وحدتها حتى نجمت أسباب التفرق التي تعمقت فيما بعد بأسباب كثيرة منها جهود  الاستعمار  الذي شعاره (فرِّق تَسُدْ)، فقسم الأمة الإسلامية إلى أجزاء ربطها بأسس قومية وعرقية، وفصل بين العرب والمسلمين، وانصبت معظم جهود المستشرقين إلى تأصيل التفرق في دراساتهم التي روجوها بين المسلمين.
ثالثًا: إن الاختلافات الفقهية التي مبناها على الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية ودلالاتها، أمر طبعي في حد ذاته، وقد أسهمت في إغناء الثروة التشريعية التي تحقق  مقاصد الشريعة  وخصائصها من التيسير ورفع الحرج.
رابعًا: وجوب الالتزام بحفظ مكانة جميع الصحابة رضي الله عنهم، ودعوة العلماء إلى التنويه بمنزلتهم وفضلهم في نقل الشريعة إلى الأمة والتعريف بحقهم عليها، ودعوة الحكومات إلى إصدار الأنظمة التي تعاقب مَن ينتقص من شأنهم في أي صورة من الصور، لما لذلك من رعاية حرمة الصحابة رضي الله عنهم واستئصال سبب من أسباب التفرق.
خامسًا: وجوب الالتزام بالكتاب والسنة، وهدي سلف الأمة من الصحابة، رضي الله عنهم أجمعين، ومن تبعهم بإحسان، ونبذ الضلالات، وتجنب ما يثير الفتن في أوساط المسلمين، ويؤدي إلى الفرقة بينهم، والعمل على توظيف الجهود للدعوة إلى الإسلام ونشر مبادئه في أوساط غير المسلمين([51]).
وبعد؛ فإذا التزم المسلمون بضوابط الاختلاف ، وآدابه، فإن عددا من المسائل المختلف عليها سيُحل نتيجة الحوار البناء والنقاش الهاديء العلمي، ولو خلصت النوايا وسلم القصد لقادنا الاختلاف إلى الاتفاق في كثير من المسائل بأن يقتنع أحد الطرفين بوجهة نظر الآخر ، وما بقي من المسائل المختلف عليها لا سبيل إلى حسمها إلا بتفعيل دور الشورى في المجتمع، والابتكار من الوسائل الحديثة وتفعيل الوسائل القديمة لكي يكون لها الدور البارز في حسم ما تبقى من الاختلاف ، وهذا ما سنتناوله في الصفحات التالية بمشيئة الله تعالى.

























الفصل الثاني: الشورى حكمها وطرق تفعيلها
الشورى لغة وإصطلاحاً:
الشورى لغة : يقال : شاورته في الأمر واستشرته : راجعته لأرى رأيه فيه واستشاره : طلب منه المشورة . وأشار عليه بالرأي . وأشار يشير إذا وجه الرأي ، وأشار إليه باليد : أومأ([52] ) .
      ومن خلال السياحة في بعض المعاجم، وإشارة إلى بعض كتب التفسير يتبين لنا أن الشورى اجتهاد واستخراج واستنباط وتظاهر وتعاضد وتكاتف على استعراض أحسن الوجوه ، وأخذ خلاصة الشيء وزبدته، وإظهار للقوة والخفة والنشاط وهذا بعض ما استجلاه العلماء في مجال الاصطلاح  ([53] ).
الشورى: اصطلاحاً طلب الرأي من أهله، وإجالة النظر فيه، وصولاً إلى الرأي الموافق للصواب.
وقد عرفها الباحثون بتعاريف عدة([54] )  منها أن الشورى: تعني تقليب الآراء المختلفة ووجهات النظر المطروحة في قضية من القضايا واختبارها من أصحاب العقول والأفهام حتى يتوصل إلى الصواب منها أو إلى أصوبها وأحسنها ليعمل به لكي تتحقق أحسن النتائج ([55] ) .
ومنها أن الشورى: هي تبادل الآراء في أمر من الأمور لمعرفة أصوبها وأصلحها لأجل اعتماده والعمل به ([56] ) .
ومنها أنها: استنباط المرء رأياً فيما يعرض له من الأمور والمشكلات, وهذا التعريف يدخل فيه التشاور في كل ما يعرض من المشاكل بين الأسرة، كما في حق فطام الطفل الرضيع إذ يقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) , ويستفاد من النص ضرورة التشاور ([57] ) .
 ومنها أنها: تبادل الرأي بين المتشاورين من أجل استخلاص الصواب من الرأي, والأنجع من الحلول, والسديد من القرارات ([58] ) .
ومنها أن الشورى:  استطلاع رأي الأمة أو من ينوب عنها في أمر من الأمور العامة المتعلقة بها بهدف التوصل فيها إلى الرأي الأقرب إلى الصواب الموافق لأحكام الشرع تمهيداً لاتخاذ القرار المناسب في موضوعه. ([59] ) .
وهناك من الباحثين من أضفى على الشورى وصف الإيمانية ثم عرفها بناءً على ذلك فقال:
الشورى الإيمانية: هي التعاون في تبادل الرأي ومداولته في أمر من أمور المؤمن أو الجماعة المؤمنة أو الأمة المؤمنة على نهج أو أسلوب وأسس وقواعدَ تحقق أهدافاً وغايات تجتمع كلها لتبحث عن الحق أو ما هو أقرب إليه طاعة وعبادة، ويكون النهج والأسلوب والقواعد والأهداف والغايات كلها ربانية يحددها منهاج الله ([60] ) .
     اعلم أن من الحزم لكل ذي لب أن لا يبرم أمرا ولا يمضي عزما إلا بمشورة ذي الرأي الناصح , ومطالعة ذي العقل الراجح . فإن الله تعالى أمر بالمشورة نبيه - صلى الله عليه وسلم - مع ما تكفل به من إرشاده , ووعد به من تأييده , فقال تعالى :( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) . قال قتادة : أمره بمشاورتهم تألفا لهم وتطييبا لأنفسهم . وقال الضحاك : أمره بمشاورتهم لما علم فيها من الفضل . وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى : أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون ويتبعه فيها المؤمنون وإن كان عن مشورتهم غنيا .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( المشورة حصن من الندامة , وأمان من الملامة ) ([61] )  . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : نعم المؤازرة المشاورة وبئس الاستعداد الاستبداد .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الرجال ثلاثة : رجلٌ ترِد عليه الأمور فيسددها برأيه , ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي , ورجل حائر بأمره لا يأتمر رشدا ولا يطيع مرشدا .
وقال عمر بن عبد العزيز : إن المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة لا يضل معهما رأي ولا يفقد معهما حزم .
وقال سيف بن ذي يزن : من أعجب برأيه لم يشاور , ومن استبد برأيه كان من الصواب بعيدا .
وقيل في منثور الحكم : المشاورة راحة لك وتعب على غيرك .
وقال بعض الحكماء : الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه .
وقال بعض الأدباء : ما خاب من استخار , ولا ندم من استشار .
وقال بعض البلغاء : من حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء , ويجمع إلى عقله عقول الحكماء , فالرأي الفذ ربما زل والعقل الفرد ربما ضل([62] ) .
موضوع الشورى من الموضوعات الحية ذات المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة في الفكر الإنساني عامة، والفكر الإسلامي خاصة، ولا سيما زماننا هذا الذي شهد ضروباً من الاستبداد الفكري، والعنت السياسي، والظلم الاجتماعي. وهي ضرورة حياتية لا غنى للحياة الإنسانية الكريمة عنها وبدونها تصبح حياة الإنسان الذي كرمه الله عز وجل يوم أن خلقه وسواه، ونفخ فيه من روحه، وأرسل إليه رسله، وأنزل عليه الكتب، ووهبه السمع والبصر والفؤاد وجعله مكلفاً مسئولاً ... تصبح حياة هذا الإنسان المكرم وقد سُلبَ حقه، وانتهكت حرمته، ولُويت يده إلى حياة العجماوات أقرب، وبها أشبه، ومن حياة الإنسان أبعد. ولقد زاد هذه الأهمية إستناراً وألقاً أن نص عليها القرآن الكريم نصاً مباشراً محكماً؛ ومارسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  ممارسة عملية فلم تعد نظرية تحكى بل واقع يعاش، وحركة تمارس، وعمل يكتسب .
      لقد أعطاها الإسلام بعدها الإيماني العميق وعطرها الروحي الفواح ، وشذاها الديني العبق فما عادت كلمة تقال في الهواء، ولا هتافاً تمتلئ به الحناجر ولا لافتة باهتة تعلق ليس لها في الواقع من حياة ولا حقيقة ولا رصيد. لقد أصبحت صبغة الله التي تنصبغ بها الحياة الإنسانية في كل ناحية من نواحيها وفي كل شِعْب من شعابها ...ينصبغ بها الفرد كما تنصبغ بها الجماعة ، وينصبغ بها المجتمع كما تنصبغ بها الدولة .
   لقد أصبحت سمة من السمات المعلومة وصفة من الصفات المعروفة، ولازمة من لوازم الحياة ، ما عادت منحة يتفضل بها الحاكم فإن شاء أعطى وإن شاء منع، بل ما عادت من مطالب السياسة وحدها بل هي من مطالب الدين والعقيدة، والفكر والنظر والأسرة والمجتمع ، والمال والاقتصاد .
  إنها هناك في البيت بين المرء وزوجه في حالة الوفاق والشقاق، وفي الأمور كبيرها وصغيرها، وجليلها ودقيقها... في الرضاع والفطام، في التسريح والإمساك، وعلى كل حال ... إنها هناك في المؤسسات التربوية بين الأساتذة وبين الطلاب فلا تسلط من بشر على بشر ... لا تسلط للزوج على زوجه، ولا الأب على ولده ولا الأستاذ على تلميذه، ولا لراعٍ على رعيته . فالمجتمع المسلم أفراده وفصائله وهيئاته ومؤسساته مجتمع رباني تراعى فيه الحقوق، وتحفظ فيه الذمم، ويُوفى فيه بالعهود. مجتمع الأحرار الذين يدينون فيه بالعبودية لرب واحد لا ند له، ويوصي بعضهم بعضاً إن الله قد جعلك عبداً لواحد فاحذر أن تكون عبداً لكثير([63] ).
فالشورى مرحلة تسبق اتخاذ القرار؛ لتقدير الموقف الميداني, ثم تمحيص الآراء, وفحص الاقتراحات استخراجا للرأي الأقرب للصواب بمراجعة البعض إلى البعض , وإمعانا للنظر في آراء أهل الخبرة والرشاد وصولا إلى اتخاذ القرار المستند إلى الخبرات , ولذا قيل: المشورة حصن من الندامة وأمان من الملامة ([64] ) 
الحكم التكليفي للشورى :
للعلماء في حكم الشورى رأيان :
الأول : الوجوب : وينسب هذا القول للنووي ، وابن عطية ، وابن خويز منداد ، والرازي .
واستدلوا بقوله تعالى : ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159] ، وظاهر الأمر في قوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ } يقتضي الوجوب . والأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمشاورة ، أمر لأمته لتقتدي به ولا تراها منقصة ، كما مدحهم سبحانه وتعالى في قوله : ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾  [الشورى: 38] ، قال ابن خويز منداد : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وما أشكل عليهم من أمور الدين ، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال ، فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها .
قال ابن عطية : " والشورى من قواعد الشريعة ، وعزائم الأحكام ، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا مما لا اختلاف فيه " .
   ولا يصح اعتبار الأمر بالشورى لمجرد تطييب نفوس الصحابة ، ولرفع أقدارهم ؛ لأنه لو كان معلوما عندهم أن مشورتهم غير مقبولة وغير معوَّل عليها مع استفراغهم للجهد في استنباط ما شوروا فيه ، لم يكن في ذلك تطييب لنفوسهم ولا رفع لأقدارهم ، بل فيه إيحاشهم وإعلامهم بعدم قبول مشورتهم .
الثاني : الندب . وينسب هذا القول لقتادة ، وابن إسحاق ، والشافعي ، والربيع .
واستدلوا بأن المعنى الذي من أجله أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - أن يشاور أصحابه في مكائد الحروب ، وعند لقاء العدو ، هو تطييب لنفوسهم ، ورفع لأقدارهم ، وتألفهم على دينهم - وإن كان الله قد أغناه عن رأيهم بوحيه. ولقد كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم ، فأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يشاورهم ليعرفوا إكرامه لهم فتذهب أضغانهم . فالأمر في الآية محمول على الندب ([65] ).
وجاء في بدائع السلك في طبائع الملك :
    قال الطرطوشي: هي مما تعده الحكماء من أساس المملكة، وقواعد السلطنة، ويفتقر إليها الرئيس والمرؤوس، قلت: هو كذلك في الشريعة حرفاً بحرف.
قال ابن العربي: المشاورة أصل الدين، وسنة الله في العالمين، وهو حق على عامة الخليقة من الرسول إلى أقل خلق بعده في درجاتهم، واستخراج ما عنده، وقولهم، شرت الدابة، إذا رضتها، لتستخرج أخلافها.
ومما يدل على مشروعيتها أمران: أحدهما: مدح من عمل بها في جميع أموره. قال الله تعالى: " وأمرهم شورى بينهم " ، قال ابن العربي: أي لا يستبدون بأمر ويتهمون رأيهم، حتى يستعينوا بغيرهم، ممن يظن به، أو عنده مدركاً لغرضه. قال: وهذه سيرة أولية، وسنة نبوية، وخصلة عند جميع الأمم مرضية.
الثاني: صريح الأمر بها في قوله تعالى: " وشاورهم في الأمر " ، قال النووي: ويغني ذلك عن كل شيء فإنه إذا أمر الله بها النبي صلى الله عليه وسلم نصاً جلياً، مع أنه أكمل الخلق، فما الظن بغيره.
قلت: وذلك في غير الأحكام لاختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بشرعيتها
([66] ).
  والأصل في الشورى الوجوب؛ لأن الله تعالى أمر بها رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ..، والأمر ـ ولا سيما في القرآن ـ يفيد الوجوب، وإذا كان الرسول المؤيد بالوحي مأمورًا بالمشاورة فغيره أولى بلا ريب.
وقد جعل القرآن الشورى من الصفات الأساسية للجماعة المؤمنة، فَقَرَنها بالاستجابة لله، وإقامة الصلاة والإنفاق مما رزق الله وكلها ركائز ضرورية في حياة المجتمع المسلم.
قال البخاري: وشاور النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه يوم أُحُد في المُقَام والخروج، فرأَوْا له الخروج.. وشاوَرَ عليًّا وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة.. وكانت الأئمة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشيرون الأُمَنَاء من أهل العلم في الأمور المباحة، ليأخذوا بأسهلها. فإذا وضع الكتاب والسُّنَّة لم يَتَعَدُّوه إلى غيره.. وكان القراء (أي العلماء بالقرآن) أصحاب مشورة عمر، كهولاً كانوا أو شُبَّانًا، وكان وَقَّافًا عند كتاب الله، عز وجل.
وذكر الحافظ في "الفتح"  ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي حاتم بسند قوي عن الحسن قال: ما تشاور قوم قط بينهم، إلا هداهم الله لأفضل ما يَحْضُرهم. وفي لفظ: إلا عزم الله لهم بالرشد أو بالذي ينفع([67] ).
حكمة مشروعية الشورى
ذكر صاحب كتاب بدائع السلك عشر حكم للشورى :
أحدها:  الأمن من ندم الاستبداد بالرّأي الظّاهر خطأه ففي الشهاب ما خاب من استخار ولا ندم من استشار.
الثّاني:  إحراز الصّواب غالبا فقد كان يقال من أعطى أربعا لن يمنع أربعا من أعطى الشّكر لم يمنع المزيد ومن أعطى التّوبة لم يمنع القبول ومن أعطى الاستخارة لم يمنع الخيرة ومن أعطى المشورة لم يمنع الصّواب.
الثّالث:  ازدياد العقل بها واستحكامه قال الطرطوشي المستشير وإن كان أفضل رأيا من المستشار فإنّه يزداد برأيه رأيا كما تزداد النّار بالسليط ضوءا.
قلت وقد قيل المشاورة لقاح العقل ورائد الصّواب ومن شاور عاقلا أخذ نصف عقله.
الرّابع : الفوز بالمدح عند الصّواب وقبول العذر عند الخطأ ، قال بطليموس: من آثر المشورة لم يعدم عند الصّواب قادحا وعند الخطأ عاذرا .
الخامس : استعانة التّدبير بها عند التّقصير عنه ولا خفاء بتأكيد الحاجة إليها في هذه الحالة؛ لأن القدرة عليه إذا كانت لا تنفك عن غرر الخطأ ما لم تتأيد بها فما أحرى أن تتحقق عند الاستبداد لما لا تنتهض البتّة قال بعض الحكماء : حق على العاقل الحازم أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء فإذا فعل أمن من عثاره ووصل إلى اختياره .
السّادس:  التجرد بها عن الهوى الساترة حجبه لوجود الصّواب، وإن كان هناك عقل ورشاد.
قال بعض الحكماء: إنّما يحتاج اللبيب ذو التجربة إلى المشاورة ؛ ليتجرد له رأيه من هواه وقيل لهرمز لمَ كان رأي المستشار أفضل من رأي المستشير فقال لأن رأي المستشار معرى من الهوى.
السّابع : بناء التّدبير بها على أرسخ أساس والعكس بالعكس ومن ثمّ قيل إنفاذ الملك للأمور من غير روية كالعبادة بغير نيّة.
الثّامن:  إستمناح الرّحمة والبركة قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة لا يضل معهما رأي ولا يفقد معهما حزم.
التّاسع:  دلالة العمل بها على الهداية والسداد قال عليّ رضي الله عنه: الاستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برأيه، وعن بعض الحكماء:  المشورة مع السداد، والسخافة مع الاستبداد.
العاشر:  وجد أن الصّواب بها عند إشكاله قيل إذا أشكل الرّأي على الحازم كان بمنزلة من أضلّ لؤلؤة فجمع ما حول مسقطها فالتمسها فوجدها كذلك الحازم يجمع وجوه الرّأي في الأمر المشكل ثمّ يضرب بعضها ببعض حتّى يخلص له الصّواب([68] ).
هل الشورى معلمة أو ملزمة
     لم يبحث المتقدمون من الفقهاء في مسألة إلزامية الشورى للحاكم, وإنما تطرقوا للخطاب الموجه إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  هل هو على سبيل الندب أم على سبيل الوجوب؟. واختلف المعاصرون من العلماء في أن الشورى ملزمة للحاكم أو معلمة له, ويقصد بذلك هل يجب على الحاكم أن يلتزم بقرار الشورى أم يكتفي بالعلم بما اتخذوه من قرارات مستنيرا بآرائهم ثم يكون له حرية اتخاذ القرار. وهذه مسألة لم يبحثها الفقهاء السابقون غير أن ما يستفاد من كلامهم أن الأمير يجب عليه المشورة غير أنه يأخذ بما يراه صوابا.
       أما المعاصرون فيميل أكثرهم إلى ضرورة التزام الأمير المستشير بما عليه أغلبية أهل الشورى, ولعل النظر في التطبيقات النبوية وفي عهد الخلافة الراشدة يكشف عن مجالات متنوعة للشورى, وبحسب هذه المجالات يختلف حكم الشورى بين الإلزام والإعلام, ففي جانب السياسات العامة تكون الشورى ملزمة, أما في جانب اختيار الأعوان, فمن المنطقي أن يكون للمسؤول حرية اختيار أعوانه؛ لأنه لا بد من قدر من التفاهم بين المدير وأعوانه, وهو أيضا مسؤول عن انجازاتهم, وهذا يقتضي أن يكون له حرية في اختيارهم وتقليدهم.
ويعود سبب الخلاف بين المعاصرين في اعتبار الشورى ملزمة أم معلمة لأمور منها:
1- اختلافهم في فهم الآية الكريمة: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159] حيث فهم منها بعضهم أن صاحب القرار النهائي هو الإمام بعد أن يسمع لرأي الشورى فيتخذ ما يراه صوابا ولو خالف رأي الأغلبية , وفهم منها آخرون أن معنى الآية: اجعل ثقتك بالله فمنه وحده التأييد, وهذا لا يعني التفرد باتخاذ القرار أو  مخالفة رأي الأغلبية, وإنما حين يتحقق مقصود الشورى وتتضح الآراء لا بد من الانتقال لمرحلة أخرى وهي اتخاذ القرار والتنفيذ, لأن الاستمرار بالشورى بعد تحقق مقصودها يصبح نوعا من العبث, , ومن المقرر في المؤسسات الشورية والبرلمانية أن القرار يمر بمراحل: مرحلة التداول لمعرفة الآراء, ثم التصويت. وبعد التصويت لا يعود بحث المسألة مرة أخرى, فمرحلة التصويت تقابل مرحلة العزم على رأي هذا الاتجاه من الباحثين. ويستدل لهذا الرأي بما أخرجه ابن مردويه عن علي عليه السلام قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العزم فقال مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم.
2- إن الفقهاء رأوا أن الشورى نوع من الاجتهاد في أمر الأمة, والاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله, ومن هنا اختلف المعاصرون في المسألة على أقوال: الأول: أنها ملزمة , والثاني: أنها معلمة , والثالث: التفصيل بحسب حال ولي الأمر إن كان مجتهدا أم غير مجتهد: فإذا رأى الحاكم رأيا باجتهاده, وخالفه بعض أهل الشورى باجتهاد آخر فليس من وجه لترجيح أحد الرأيين على الآخر , وقد تكون ملزمة في حالات" إذا كان الإمام غير مجتهد وأوكل تقرير الأمر إلى مجلس الشورى, واختلف أعضاء المجلس فيلتزم بما عليه الأغلبية" .
3-   ويرى فريق من المعاصرين ضرورة التفريق بين الرأي العلمي المحض وبين التشريع المتعلق بشؤون الأمة فالرأي العلمي لكل عالم فيه حرية الاجتهاد, أما ما يتعلق بالأمة من تشريعات فلا بد فيه من الشورى وأن تكون ملزمة.
4- تأثر الفقهاء الذين لم يعتبروا الشورى ملزمة بالمنهج الفقهي لمناقشة آراء المذاهب؛ إذ لا يعد قول الجمهور بالضرورة أرجح من رأي من تفرد من أصحاب الاجتهاد, فإذا كان لجمهور الفقهاء رأي مثلا وخالفهم أبو حنيفة أو ابن تيمية فقد يرى الفقهاء من مجتهدي الترجيح أن رأي المخالف أقوى لقوة دليله, وهذا النظر يفترض وجود دليل شرعي من آية أو حديث يستند إليها كل فريق, ولكن ماذا لو كان منشأ الخلاف هو تحديد المصلحة ؟ عندها هل يكون رأي الأكثرية أقرب إلى المصلحة؟([69] ).
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :
وهذا الذي نراه ونلتزم به شرعًا: أن رأي أهل الحل والعقد ملزم للإمام، فإذا شاورهم فاختلفوا عليه، فالعِبرة برأي الأكثرية.
وقد أقمنا على هذه القضية أكثر من دليل فيما كتبناه من قبل([70] ). 
فمن الأدلة المُرَجِّحة للالتزام برأي أكثر أهل الشورى:
1 ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يَرَ الخروج إلى المشركين في أحد، وإنما كان رأيه ورأي كبار الصحابة: القتال داخل المدينة، ولكنه رأى الأكثرية تميل إلى الخروج، فنزل على رأيهم. صحيح أنه لم يَأْمُر بِعَدِّ الموافقين والمخالفين، ولكنه أخذ بظاهر الأمر.
2 ـ أنه عليه الصلاة والسلام أمر باتباع السواد الأعظم([71] ).
  3 ـ أنه قال لأبي بكر وعمر: "لو اتَّفَقْتُمَا على رأيٍ ما خَالَفْتُكُمَا" ([72] ).  
ومعناه: أنه يرجح رأي الاثنين على رأي الواحد، ولو كان هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم.
4 ـ ما ذكره ابن كثير في تفسيره نقْلًا عن ابن مردويه عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن العزم في قوله تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (آل عمران: 159) فقال: مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم.
5 ـ أن عمر جعل الشورى في ستة من كبار الصحابة اعتبرهم (أهل الحل والعقد) في الأمة، وجعل القرار النهائي كما تراه أغلبيتهم، وإذا تساوى الأصوات: ثلاثة وثلاثة اختاروا مُرَجِّحًا مِن الخارج وهو عبد الله بن عمر، وإن لم يَرْضَوْا به، فالثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.
6 ـ أن القرآن الكريم شَنَّ حمْلة هائلة على الطُّغَاة المستَكْبرين في الأرض بغير الحق، أمثال فرعون وهامان، وكل جَبَّار عنيد، كما قال تعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبٍ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر: 35)، (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (إبراهيم: 15).
7 ـ كذلك شَنَّعَ القرآن أبلغ التشنيع على الشعوب الخانعة، التي تُسَلِّم زِمَامها إلى هؤلاء وتسير في رِكَابهم، ولا تقاومهم ولا تُنْكِر عليهم، كما قال عن قوم نوح: (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ  وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا) (نوح: 21)، وعن قوم هود: (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (هود: 59)، وعن قوم فرعون: (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (هود: 97) (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف: 54).
8 ـ أن أهل الشورى في التراث الإسلامي يسَمَّوْن (أهل الحل والعقد) فإذا لم يكن رأيهم مُلْزِمًا، فماذا يَحُلُّون؟ وماذا يَعْقِدُون إذن؟.
9 ـ أن عامة الفقهاء يرجِّحون (قول الجمهور) إذا لم يوجد مرجح أخر.
10 ـ أن التاريخ عَلَّمَنَا كما علَّمَنَا الواقع ـ أنَّ رأْيَ الجماعة أقرب إلى السداد من رأي الفرد، وإن رأي الاثنين أقرب من رأي الواحد، وأن شَرَّ ما أصاب أُمَّتَنا كان من جَرَّاءِ الاستبداد والطغيان، وتسلط أمراء السوء على شعوب الأمة وأحرار أبنائها.
وفي الحديث عن عمر مرفوعًا: "إن الشيطان مع الواحد، هو من الاثنين أبعد" ([73] ).   
 " الشورى أمر لازم، وضرورة حتم وصفة من صفات المجتمع المسلم لا تنفك عنه ولا تبارحه . فإذا طرح أمر للشورى وأخذ الرأي واتخاذ القرار وتداول فيه الناس وقلبوه ظهراً لبطن وقتلوه بحثاً ؛ وهدي فيه أهل الشورى كلهم أو جلهم إلى رشدهم ورفعوا ما توصلوا إليه إلى الخليفة أو الحاكم أو الإمام أو المسئول أو الراعي أو الأمير أو رئيس الجمهورية أياً كانت هذه صفته أو اسمه فهل له أن يخرج على ما أجمعوا عليه أو كادوا أم إنَّه يلتزم به متوكلاً على الله؟
اختلف العلماء والمفسرون وأهل الرأي في الإجابة عن السؤال الذي طرحناه آنفاً وهو خلاف قديم والآية التي عليها المدار والتي تمثل محور الخلاف هي قوله تعالى من سورة آل عمران﴿... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159] ففهم بعضهم من هذا القول الكريم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر من بعده ملتزمون بالمشاورة أو الاستنارة أو تطييب القلوب كما يعبر بعض المفسرين ، وفي هذا الرأي إفراغ للشورى من محتواها وتحويلها إلى أمر عبثي لا طائل تحته ولا غاية ترجى من ورائها .
ولا يجوز أن تصل الشورى التي أمر الله سبحانه وتعالى بها ، وأنفذها الرسول الكريم واقعاً وقام بها أصحابه من بعده واجباً إلى ذلك الدرك السحيق، والمستوى الشائه الذي يجعل منها ألعوبة في يد الحاكم يستشير ولا يلتزم ويستنصح ولا يتقيد ... يجمع أولي الألباب وأهل الذكر وأهل التجربة وأصحاب الحكمة ثم يضرب بقولهم عرض الحائط غير ملتفت لرأي لبيب ناصح" ([74] ).   
       "والصحيح الذي ينبغي أن يبنى عليه نظامنا السياسي في مسألة الشورى هو القول أنها واجبة على الحاكم ، لا يجوز له إهمالها في أية حال، أو لأي سبب من الأسباب...فالشورى إذن واجبة وليست مستحبة ولامندوبة، والقول بعدم إلزام الشورى كما يخالف من المستفاد من صريح القرآن وملابسات نزول آيتي الشورى، يتعارض مع جميع الوقائع الثابتة في السنة النبوية ، وفي سيرة الراشدين الخلفاء ، فليس هناك واقعة واحدة لم يلتزم فيها الرسول أو الخليفة بعده - من الراشدين - بما انتهت إليه الشورى"([75] )
" الشورى دعامة من دعائم الإيمان ، وصفة من الصفات المميزة للمسلمين، سوى الله بينها وبين الصلاة، والإنفاق في قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [الشورى: 38] ،  فجعل للاستجابة لله نتائج بين لنا أبرزها وأظهرها، وهي إقامة الصلاة والشورى والإنفاق .
وإذا كانت الشورى من الإيمان ، فإنه لا يكمل إيمان قوم بترك الشورى ، ولا يحسن إسلامهم إذا لم يقيموا الشورى إقامة صحيحة.
 وما دامت الشورى صفة لازمة للمسلم لا يكمل إيمانه إلا بتوفرها ، فهي إذن فريضة إسلامية واجبة على الحاكمين والمحكومين ، فعلى الحاكم أن يستشير في كل أمور الحكم والإدارة والسياسة والتشريع ، وكل ما يتعلق بمصلحة الأفراد ، أو المصلحة العامة، وعلى المحكومين أن يشيروا على الحاكم بما يرونه في هذه المسألة كلها سواء استشارهم الحاكم أم لم يستشرهم" ([76] ) .
    لقد أخطأنا في القرون الأخيرة أخطاء جسيمة، دفعنا ثمنها تهويدُ وتنصيرُ وتمجيسُ أقطارٍ واسعةٍ من عالمنا العريض، ومطلوب منا الآن أن ندفع أكثر ، ومع هذا كله فإن أناسا يصطنعون التدين يشغلون أنفسهم بحكايا من الفقه الظاهري أو الخارجي أو السلفي أو الخلفي أو المعتزلي تتصل بشئون ما وراء المادة ، أو بشئون تعبدية خفيفة الوزن ..
أما ما يمس الإنسان، ومصاير الجماهير، ومستوى الحياة العامة ففكرهم فيها طفولي عليل، وماذا تنتظر من متحدث عن الإسلام يقول : أجمع السلف والخلف أن الشورى لاتقيد الحاكم !! لحساب من يقال هذا اللغو السخيف؟
أهذا هو التفسير المجمع عليه لقوله تعالى : ﴿... وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38].
 ونشأ عن ذلك وجود حكام قهروا الأمم، وأوردوها الحتوف ؛ لأن الفكر الديني لم يستطع إنشاء الكوابح التي تشدهم إلى الوراء، ما استطاع إيجادها ولا استيرادها([77] )

تعقيب وترجيح
     نستطيع بعد هذه الجولة في آراء الفقهاء حول مدى كون الشورى ملزمة أو معلمة أن نفرق بين مستويين من مستويات الشورى، كما ورد في معلمة القواعد الفقهية بحق.
المستوى الأول : التشاور حول قضايا الأمة العامة ، مثل عقد المعاهدات، وإعلان الحرب، وفرض الضرائب، وسن القوانين والتشريعات، وتعديل الدستور وغير ذلك من القضايا المهمة والعامة في الوقت نفسه، فهذه القضايا توجب على الحاكم التشاور مع أهل الحل أو العقد، وأخذ رأي عموم الأمة في صورة الاستفتاءات على سبيل الوجوب، وعليه أن يلتزم بما رأته الأغلبية سواء كان موافقا لرأيه أم مخالفا له ، عملا بالآيات التي وردت في أمر الشورى، والسنة القولية والعملية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين في هذا الأمر .
المستوى الثاني : اختيار فريق العمل الذي يعمل معه، كاختيار الوزراء والمساعدين والمستشارين، وتسيير العمل اليومي فيما لا ينشأ علاقات أو عقود أو عهود تكبل الأمة وتثقل كاهلها ، ولكنها قضايا جزئية وقرارات يومية ، ففي هذه الحالة يستحب له أن يستشير من يراه أهلا لمشورته، ثم يفعل ما يراه صوابا ؛ لأنه سيحاسب على هذا القرار وما ينتج عنه ، وهو مسئول أمام الجهات الرقابية، والسلطات القضائية، بل مسئول أمام عموم الأمة فيما وعدها به من أعمال ترفع من شأنها في الدنيا والآخرة.





الخاتمة ونتائج البحث
    بعد هذه السياحة القصيرة الممتعة في جنبات الفقه والفكر الإسلامي ، طوفنا فيها على موقف الإسلام من الاختلاف في دوائره المتعددة، سواء كان داخل الصف الإسلامي، أم خارجه نستطيع أن نخلص إلى ما يلي:
أولا: لا يوجد دين سماوي الآن – غير الإسلام - ولا مذهب وضعي يعترف بحق الآخر في الحياة والاعتقاد والكسب والحرية مثلما فعل الدين الإسلامي، ذلك لأن الإسلام لم يكتف بالتعاليم النظرية الوعظية فقط، ولكنه تجاوزها إلى وضع التدابير والضوابط التي تكفل للناس حرية الاختلاف بما تعنيه هذه الكلمة من معان، وجعله (الحق في الاختلاف) جزءًا من التكاليف التي يأثم تاركها ويثاب فاعلها.
ثانيا : لا يمكننا دعوة الآخر غير المسلم إلى احترامنا واحترام مبادئنا دون أن نريه هذه التعاليم واقعا ملموسا يراه رأي العين، ويلمسه في سلوكنا وتصرفاتنا قبل أن يسمع عنه في كتاباتنا ووعظنا وأدبياتنا.
ثالثا: علينا أن نفرق بين احترامنا لذواتنا ، وثقتنا بميراثنا الفقهي والفكري والأخلاقي ، وبين قبولنا للآخر، فقبول الآخر ينبع من مواطن قوتنا، وتماسك وحدتنا وليس بسبب هزيمتنا النفسية وارتمائنا بوعي أو بغير وعي في أحضان الآخر غير المسلم .
رابعا: الاختلاف الفقهي والفكري آية من آيات الله، وسنة كونية ،وضرورة شرعية ، تنبع من طبيعة هذا الدين وطبيعة مصادر التشريع وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة المطهرة،  ولن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا.
خامسا: هذا الاختلاف لن يُؤتى أكله، ولن يُنتفعَ بثماره اليانعة إلا إذا نشأ في جو من الحب والود ، نتعاون فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها.  
سادسا: علينا أن نتعلم أدب الخلاف قبل أن نتعلم علم الخلاف، وعندنا تطبيق عملي لآداب الخلاف بين الصحابة والتابعين ، والأئمة الكبار المتبوعين، فقد اختلفوا وعاشوا في جو من الاحترام المتبادل ، وبذلوا أقصى ما يملكون من جهد ووقت للوصول إلى الحق دون أن تتغير قلوبهم، أو تدب بينهم آفات الشقاق والتنازع الذي يؤدي إلى الضعف والتشرذم والضياع.
سابعا: قبل أن نختلف لا بد أن نتفق على طريقة نحسم بها هذا الاختلاف وإلا صار الاختلاف معول هدم ، وليس أداة بناء ، ومظهرا من مظاهر الضعف والجدل السوفسطائي العقيم الذي لا يقدم الأمة في دنيا ولا يرفع شأنها في آخرة .
ثامنا: نظام الشورى في الإسلام وتطبيقاته العملية من مظاهر الفخر والغبطة عند كل مسلم ، حيث سبق كل النظم الوضعية، فأخذ بكل ميزات الديمقراطية، وتخلى عن سلبياتها.
تاسعا: تستطيع الشورى أن تحسم الاختلاف إذا لم يستطع الفرقاء إقناع بعضهم بعضا ، ويعمل الجميع سواء الموافق أم المخالف على إنجاح ما اتفقت عليه الأغلبية، وبذلك يصبح الاختلاف مظهر قوة للأمة الإسلامية وليس سبب ضعف.
عاشرا  :اختلاف الفقهاء قدامى ومحدثين حول مدى إلزامية الشورى يمكننا فهمه أيضا في ضوء دوائر الشورى، ومراتبها، فتكون الشورى ملزمة في القضايا العامة والمهمة التي سيكون لها الأثر على الأجيال الحالية والتالية مثل عقد معاهدت الصلح وإعلان الحرب ، وسن القوانين ، وإنشاء الدساتير ، وغير ذلك، ولا تكون ملزمة في اختيار الحاكم لمعاونيه ومستشاريه، وتسيير العمل اليومي الذي لا يسعف الوقت فيه الحاكم أن يستشير في كل صغيرة وكبيرة.
وتوصي الدراسة بما يلي:
أولا : وضع المقررات الدراسية التي تعلم الطالب أدب الاختلاف، وقبول الآخر ، سواء كان طالبا للعلوم الشرعية، أم غيرها من العلوم النظرية أو التطبيقية، وتدريبه على ذلك حتى يصير هذا الأدب خلقا يصدر عن الأفعال في سهولة ويسر ، ودون تكلف أو ادعاء .
ثانيا : تقوية أواصر التواصل والحوار في الداخل بداية من الأسرة ومرورا بالمجتمع ووصولا إلى علاقة الحكام بالمحكومين، قبل الحديث مع الخارج فلن يحترمنا الآخر إلا إذا احترمنا أنفسنا.
ثالثا: تفعيل أدوات الشورى عن طريق وضع آليات تضمن أن تكون الشورى قولا وفعلا حقيقيا عن طريق إنشاء المجالس النيابية التي تأتي عن طريق الاختيار الحر والنزيه من أفراد الأمة ويكون هؤلاء جميعا بمثابة أهل الحل والعقد الذين يتوجه إليهم الحاكم في كل أمر ذي بال يهم الجماعة المسلمة .
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين 



      ([1])  الفقه الإسلامي في طريق التجديد د . محمد سليم العوا  ص 85- 86 ط3 1427 هـ - 2006 م سفير الدولية للنشر.
      ([2]) ينظر :  رؤية إسلامية لقضية التعددية،الأستاذ بسطامي محمد سعيد خير أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة برمنجهام، تاريخ التعددية في الغرب والإسلام موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة 291 / 20 -28 ، وينظر  http://sudansite.net/
      ([3])  السابق نفسه
      ([4]) ينظر  رؤية في مسألة « التعددية » عرض ونقد د .محمد يحيى مجلة البيان، www.philadelphia.edu.jo/almaktabah/book30/home/2/78.../9428---1735 .
      ([5])  السابق نفسه.
      ([6])  السابق نفسه بتصرف يسير.
     ([7])  ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 294 ، السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها د. يوسف القرضاوي مؤسسة الرسالة ط1ص 28، وينظر أيضا :   المعجم الوسيط . والنهاية ، وأساس البلاغة ، والمغرب ، والمصباح ، واللسان ، والتاج ، والقاموس المحيط ، الصحاح .
     ([8])  البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم الحنفي 5/ 76 دار الكتاب الإسلامي  .
      ([9])     ينظر الكليات ـ أبو البقاء 3 / 31 ـ تحقيق عدنان درويش ، ومحمد المصري ط ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1974م ،  البحر الرائق شرح كنز الدقائق ـ ابن نجيم 5 / 76 ط . العلمية ـ القاهرة 1311 هـ ، والتجريد لنفع العبيد حاشية البجيرمي 2 / 178 ط . المكتبة الإسلامية ـ ديار بكر ـ تركيا .
     ([10])   ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 296 ، وينظر أيضا تاريخ الرسل والملوك ـ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري 5 / 68 ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم  ط 2 دار المعارف ـ مصر ـ 1387 هـ ـ 1967م  .
     ([11]) السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها  ص 32  .
     ([12]) الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ابن قيم الجوزيه تحقيق وتعليق الأستاذ سيد عمران ص17 – 18 ط1 دار الحديث 1423 هـ - 2002م      .
     ([13])  البحر الرائق  5/ 76  .
     ([14])  البحر الرائق   5/ 12  .
     ([15]) رد المحتار على الدر المختار 4لابن عابدين 4/ 15 دار الكتب العلمية  .
     ([16])  السياسة الشرعية في الشئون الدستورية والخارجية والمالية الأستاذ عبد الوهاب خلاف ص4  المطبعة السلفية ومكتبتها  . 
     ([17]) ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 298 ، وينظر أيضا :   الطرق الحكمية ـ ابن القيم الجوزية ص 10 ، وإعلام الموقعين عن رب العالمين ـ ابن قيم الجوزية 4 / 378 ( ط1 ـ السعادة ـ مصر ـ 1374هـ ـ 1955م ) . 
     ([18])  ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 298 ، وينظر أيضا :   إعلام الموقعين عن رب العالمين ـ ابن قيم الجوزية 4 / 378 ( ط1 ـ السعادة ـ مصر ـ 1374هـ ـ 1955م ) . 
     ([19])  ينظر : جامع البيان في تفسير القرآن ( تفسير الطبري ) 7 / 140 ط ـ 4 ـ دار المعرفة ـ بيروت ـ 1400 هـ ـ 1980م. 
     ([20])  ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 299 .
     ([21])  ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 301 .
     ([22])  ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 301 .
     ([23])  ينظر : الموسوعة الفقهية الكويتية 25 / 301 – 302 ، وينظر أيضا : تاريخ الطبري 3 / 585 ، الفتاوى المصرية 412 ، اختصار أبي عبد الله محمد بن علي الحنبلي البعلي ، وتعليق محمد حامد الفقي ( ط ـ نشر الكتب الإسلامية ـ كوجرا نواله ـ باكستان ـ 1397 هـ ـ 1977م ) .
     ([24])  السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها د. يوسف القرضاوي ص 225  .
     ([25])  السياسة الشرعية عند الجويني (قواعدها ومقاصدها) د. أنور عمر الزبداني ص 323- 324 ، ط1  دار البشائر – بيروت لبنان 1432 هـ - 2011م، باختصار وتصرف.
     ([26])  السابق 322.
([27]) فتح القدير 6 / 394 ، ط بولاق وحاشية ابن عابدين 4 / 331 ط أولى .     
([28]) الموسوعة الفقهية الكويتية 2/292، وينظر أيضا :  الفتاوى الهندية 3 / 312 ، الموافقات 4 / 161 وما بعدها ط المكتبة التجارية.     
([29]) ينظر : أدب الاختلاف في الإسلام د. طه جابر ص 21 – 22 ،  المعهد العالمي للفكر الإسلامي .     
([30])ينظر :  أدب الاختلاف للشيخ عبد الله بن بية ص1، 2 ورقة مقدمة إلى مؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة جمادى الآخرة 1422هـ.     
([31])البخاري كتاب الجمعة ، باب صلاة الطالب والمطلوب ... ح :946 ، ومسلم كتاب الجهاد والسير باب : المبادرة بالغزو وتقديم أهم الأمرين المتعارضين ح: 1770.       
([32]) رواه أبو داود في السنن ، كتاب الطهارة ، باب :  إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ ، ح : 334
      
([33])رواه أحمد في المسند، مسند عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – ح 3625.       
([34]) غير المسلمين في المجتمع المسلم د. يوسف القرضاوي ص 6 مكتبة وهبة ط3  1413هـ – 1992م .      
([35]) صحيح البخاري كتاب الديات ، باب إثم من قتل ذميا بغير جرم ح :  6914.       
([36])رواه أبوداود في السنن كتاب الإمارة والخراج والفيء ، باب : في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات ح : 3052.       
([37])الترمذي كتاب: الديات، باب:  ما جاء فيمن يقتل نفسا معاهدة ح :  1403.      
([38]) البيهقي كتاب الجزية باب : باب لا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ولا أموالهم شيئا بغير أمرهم إذا أعطوا ما عليهم ، وما ورد من التشديد في ظلمهم وقتلهم ح : 18159.



      
([39]) أنوار البروق في أنواع الفروق لأحمد بن إدريس القرافي ج 3/ 26 – 27 عالم الكتب .      
([40]) غير المسلمين في المجتمع المسلم د. يوسف القرضاوي 9- 26 ، نحن والآخر دراسة فقهية تأصيلية  د. علي محي الدين القره داغي ص 88 – 89 الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .      
([41])   ينظر الموسوعة الفقهية الكويتية 7/ 127،  بدائع الصنائع للكاساني 6 / 111 ، والمغني لابن قدامة 8 / 445 ، 535 . والأحكام السلطانية للماوردي ص 247 ، والمهذب للشيرازي 2 / 256 ، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 105 .      
([42])       ينظر الموسوعة الفقهية الكويتية 2/ 293- 294، وينظر أيضا إرشاد الفحول ص260 ط مصطفى الحلبي ،  وكشف الخفاء 1 / 65 ، والمغني 2 / 417 .      
([43])       آداب الاختلاف د. طه جابر علواني 24 .      
([44])       آداب الاختلاف د. عبد الله بن بية ص 2 .      
([45])       آداب الاختلاف د. طه جابر علواني ص 25 .      
([46])  ينظر آداب الاختلاف د. عبد الله بن بية ص11 بتصرف.      
([47])  ينظر آداب الاختلاف د. عبد الله بن بية ص8 - 10 باختصار وتصرف.      
([48])       آداب الاختلاف د. طه جابر علواني ص 115- 116 .      
([49])       آداب الاختلاف د. طه جابر علواني ص 116- 118 .      
([50])   قرار ات المجمع الفقهي الدورة العاشرة بشأن  بشأن موضوع الخلاف الفقهي بين المذاهب والتعصب المذهبي من بعض أتباعه233- 237 باختصار وتصرف ، وينظر نحن والآخر دراسة فقهية تأصلية د. علي محي الدين القره داغي ص 34 – 35  الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بدون بيانات       
([51])       مجلة مجمع الفقه 11/ 3 ص 5 باختصار وتصرف .      
([52] ) الموسوعة الفقهية الكويتية 26/ 279، وينظر أيضا المصباح المنير ولسان العرب مادة (شور )
([53] ) الشورى بين التأصيل والمعاصرة د. عصام البشير بحث مخطوط ينظر موقع :  http://www.essamalbashir.net
([54] ) الشورى في الشريعة الإسلامية دراسة مقارنة بالديمقراطية والنظم القانونية تأليف:
حسين بن محمد المهدي عضو المحكمة العليا للجمهورية اليمنية ص28 – 30 حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
سجل هذا الكتاب بوزارة الثقافة بدار الكتاب برقم إيداع 363 في 4/ 7 / 2006م، وقد اعتمدنا على هذا المرجع في نقل التعريفات التالية.
([55] ) د. محمد أبو فارس: النظام السياسي في الإسلام ص79 دار الفرقان- عمان - الأردن 1986م.
([56] ) الشيخ أحمد محيي الدين العجوز: مناهج الشريعة الإسلامية 2/ 128 مكتبة المعارف - بيروت 1401هـ 1981م.
([57] ) ذكره المؤلف حسين بن محمد المهدي في مؤلفه الموسوم بحقوق الإنسان في السنة النبوية ص486 الطبعة الأولى 1425هـ.
([58] ) انظر مقدمة (الشورى في الإسلام رؤية نيابية) للدكتور صالح بن حميد رئس مجلس الشورى السعودي وإمام وخطيب المسجد الحرام ص1.
([59] ) د. هاني سليمان الطعيمات: حقوق الإنسان وحرياته الأساسية 225 الطبعة الأولى سنة 2001م- دار الشروق للنشر والتوزيع - بيروت.
([60] ) - د. عدنان علي رضا النحوي: الشورى وممارستها الإيمانية 24 الطبعة الثالثة 1408هـ - 1988م - دار النحوي للنشر والتوزيع. الرياض - المملكة العربية السعودية.
([61] ) – لم أعثر على تخريج له .
([62] ) أدب الدنيا والدين لعلي بن محمد بن حبيب الماوردي ص 300 دار مكتبة الحياة ، المدخل لمحمد بن محمد العبدري (ابن الحاج ) 4/ 41 -42 دار التراث ، الأداب الشرعية والمنح المرعية لمحمد بن مفلح المقدسي 1/ 323 – 324 عالم الكتب .
([63] ) الشورى بين التأصيل والمعاصرة د. عصام البشير بحث مخطوط ينظر موقع :  http://www.essamalbashir.net
([64] ) معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية26/332، و مراجعه ينظر  على سبيل المثال  : الشورى في الإسلام بحث لمحمود شيت خطاب ، الشورى العسكرية في الإسلام ، نشر : مؤسسة آل البيت، الأردن، 3/864، الشورى في معركة البناء ، للريسوني ، نشر : المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ص 76.
([65] ) ينظر :  الموسوعة الفقهية 26/ 280 ، وينظر أيضا : مواهب الجليل 3 / 395 ـ 396 ، تفسير الفخر الرازي 9 / 67 ، أحكام القرآن للجصاص 2 / 48 ، تفسير القرطبي 4 / 249.
([66] ) بدائع السلك في طبائع الملك لأبي عبد الله بن الأزرق  1 / 259 - 260، تحقيق وتعليق د. علي سامي النشار ط1 1429هـ  - 2008 م دار السلام .
([67] ) السياسة الشرعية د. يوسف القرضاوي ص 111.

([68] ) بدائع السلك في طبائع الملك لأبي عبد الله بن الأزرق  1/ 263 – 264.
([69] ) معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية 26/ 333- 334 , وينظر أيضا : الحريات العامة، في الدولة الإسلامية لراشد الغنوشي، نشر : مركز دراسات الوحدة، 1993، ص: 192.
([70] ) في كتاب "الحل الإسلامي فريضة وضرورة" وكتاب "الإسلام والعلمانية" وكتاب "من فقه الدولة في الإسلام" وكتاب "فتاوى معاصرة" جـ 2 وغيرها.
([71] ) روى من طرق بعضها قوي. انظر: كتابنا "من فقه الدولة في الإسلام" ص 143 طبعة دار الشروق بمصر.
([72] ) رواه أحمد عن عبد الرحمن بن غنم "4/227" وفي سنده شهر بن حوشب، وهو صدوق مختلف فيه، وقد وثقه الشيخ شاكر في تخريج المسند.
([73] ) (رواه الترمذي عن عمر "2166" وقال: حسن صحيح غريب، وقد روى هذا من غير وجه عن عمر، ورواه الحاكم "1/114" وصححه على شروط مسلم، ووافقه الذهبي).
([74] ) الشورى في سياق التأصيل والمعاصرة للدكتور / عصام أحمد البشير مرجع سابق  .
([75] ) الفقه الإسلامي في طريق التجديد د. محمد سليم العوا ص120 - 123 باختصار وتصرف .
([76] ) الإسىلام وأوضاعنا السياسة للأستاذ عبد القادر عودة ص 144 بدون بيانات للطباعة .
([77] ) الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية (أزمة الشورى) للشيخ محمد الغزالي ص128 نهضة مصر 2005 م  .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More